خبر محللون: داخلية غزة حافظت خلال الحرب على الجبهة الداخلية

الساعة 12:39 م|27 ديسمبر 2010

محللون: داخلية غزة حافظت خلال الحرب على الجبهة الداخلية

الزيات: الحالة الأمنية في قطاع غزة كانت منضبطة بشكل كبير

حمامي: الضربة الأولى كان لها أثر كبير في زيادة المعنويات

المغاري: الحكومة استطاعت توفير الأمن بغزة رغم أجواء الحرب

 

فلسطين اليوم: غزة

يصادف السابع والعشرين من ديسمبر (كانون أول) 2010 الذكرى السنوية الثانية للعدوان الصهيوني الغاشم الذي استهدف قطاع غزة.

ويستذكر الغزيون اللحظات الأولى التي أعقبت شن الطائرات الحربية الصهيونية غاراتها الغاشمة على المواقع الأمنية والمراكز الشرطية التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني ما أدى لسقوط عشرات الشهداء ومئات المصابين من أبناء الأجهزة الأمنية إلى جانب ارتقاء عدد من قادة الأجهزة الأمنية على رأسهم اللواء توفيق جبر قائد الشرطة الفلسطينية والمقدم إسماعيل الجعبري قائد جهاز الأمن والحماية.

تواصلت الحرب الغاشمة طيلة 22 يوماً لم تراعي فيها قوات الاحتلال الصهيوني لا حجراً ولا شجراً ولا بشراً، وتمسك الفلسطينيون خلالها بروح المقاومة وعزيمة الصمود والتحدي في مجابهة الاحتلال وآلته العسكرية المتطورة ليثبتوا أنه باستطاعة الكف أن يواجه المخرز..

وارتقى قبل نهاية العدوان الصهيوني الغاشم وزير الداخلية في حكومة غزة أ. سعيد صيام عندما استهدفت الطائرات الحربية الصهيونية منزل شقيقه ما أدى لاستشهاده ونجله محمد وشقيقه ليعم الحزن أوساط الفلسطينيين على فراق "أبو مصعب".

صمود وتصدي

وفي هذا الصدد، أجمع عدد من المتابعين للشأن السياسي والعسكري والأمني على أن العدوان الصهيوني على قطاع غزة نهاية 2008 ومطلع عام 2009 سبب حالة من الغضب والتمسك أكثر بموقف الصمود والتصدي وعدم التنازل.

وأكد المهتمون في الشأن السياسي الاستراتيجي في أحاديث منفصلة مع "الداخلية" أن الاحتلال حاول من حربه النيل من عزيمة الشعب الفلسطيني وإسقاط خيار المقاومة لتمرير ما كان يتحدث به قادة الكيان الصهيوني وقتها من اتفاقيات ومؤامرات.

وشنت "إسرائيل" حرباً مدمرة ضد قطاع غزة نهار السبت السابع والعشرين من ديسمبر (كانون أول) 2008 بدأت بعملية جوية استمرت أسبوعاً، استهدفت كل الأماكن والمناطق التي حددت وجمعت في "بنك الأهداف" الذي وضعه الاحتلال قبل شنه العدوان الغاشم.

ويرى الدكتور إبراهيم حمامي الكاتب والباحث في الشأن الفلسطينيأن المتابع للعدوان الغاشم الذي شنه الاحتلال الصهيوني ضد قطاع غزة قبل عامين كان يعلم أن الضربة الأولى التي استهدفت الشرطة والأجهزة الأمنية هي التي حركت العالم بأجمعه وحركت الشعب الفلسطيني بشكل خاص.

أثر كبير

وأشار حمامي إلى أن الضربة الأولى خلال العدوان الصهيوني على غزة كان لها أثر كبير لكن ليس في ضرب نفسيات ومعنويات الشعب الفلسطيني وقواه.

وبين أن مظهر شهداء الشرطة ممن سقطوا في تلك الغارة التي سجلتها عدسات الكاميرات كان لها الأثر الكبير في زيادة المعنويات وزيادة حالة الغضب الاستثنائي في ذلك الوقت على هذه الجريمة الشنعاء في اللحظات الأولى للعدوان.

وقال المحلل السياسي :"الاحتلال كان يعلم أن عناصر الشرطة والأجهزة الأمنية الذي استهدفتهم طائراته في أولى لحظات الحرب كانوا في حفل تخرج ومجتمعين في ساحة التدريب بدون أسلحة ولم يكونوا في وضع قتالي على الحدود".

وأكد حمامي أن العدوان الغاشم على غزة في أول أيامه سبب حالة من الغضب والتمسك أكثر بموقف الصمود والتصدي وعدم التنازل، مضيفاً :"هذا ما شاهدناه تماماً عندما فشل الاحتلال وأعوانه في انتزاع تصريح واحد يدين المقاومة أو الحكومة في غزة".

ويعتقد حمامي أن العدوان الصهيوني على غزة لا زال مستمراً ولم ينته بعد، وأرجع الدليل على ذلك وجود آلاف الأسر التي لازالت تفترش الأرض وتلتحف السماء وتعيش إما في الخيام أو في البيوت الطينية نتيجة تدمير منازلهم خلال الحرب.

واعتبر أن هناك رفض حقيقي لرفع الحصار بل تشديده ورفض إعادة الإعمار، وتابع :"العدوان الصهيوني لا زال مستمراً بعد الهجمة الشرسة التي حاول الاحتلال منها النيل من عزيمة الشعب الفلسطيني وإسقاط خيار المقاومة بغزة لتمرير ما كان يتحدث به قادة الاحتلال وقتها من اتفاقيات ومؤامرات ضد الفلسطينيين".

ولفت إلى أن قطاع غزة صمد أمام كل ذلك وأمام حجم الكتل النارية التي أسقطت عليه والتي تجاوزت ما اسقط خلال الحروب العالمية، مشيراً إلى أنه رغم استخدام الاحتلال الإسرائيلي للأسلحة المحرمة دولياً والطائرات الحربية في استهداف أماكن الاكتظاظ السكاني إلا أن ذلك لم ينل من عزيمة الشعب الفلسطيني.

ومضى حمامي يقول :"بقي الشعب الفلسطيني حتى آخر لحظة بكل قواه متحد لم يكن هناك أي ضعف في الجبهة الداخلية ولم يتوقف الرد على العدوان الصهيوني والذي فرض وقف إطلاق النار كانت المقاومة وبشروطها من خلال اشتراط الانسحاب خلال أسبوع".

وبحسب الباحث في الشأن السياسي الفلسطيني فإن الحرب الصهيونية على غزة اعتمدت كثيراً على العملاء وتحديد الأهداف وبنك المعلومات والرصد الميداني.

وأضاف :"الاحتلال كان يهدف لمحاولة زعزعة الجبهة الداخلية وكان استهداف المقرات الأمنية ومقرات القيادة في الساعات الأولى من العدوان بغرض إحداث فوضى وبلبلة وانقطاع الاتصالات سعياً منه في زعزعة الأمن الداخلي في قطاع غزة".

"الضربة التي لا تقتلك تقويك" بهذه العبارة أكد حمامي أن هناك دروس وعبر لا بد الاستفادة منها في تجهيز الاستعداد لعدوان آخر قد يشنه الاحتلال من جديد ضد قطاع غزة، "لا قدر الله".

ونوه إلى أن الاحتلال الصهيوني لا يستطيع العيش دون العدوان والتدمير والإرهاب والقتل، داعياً قيادة الشرطة والأمن والداخلية في غزة لإيجاد طرق اتصال وبدائل أخرى تأخذها في الحسبان وبعين الاعتبار استعداداً لمواجهة جديدة عبر الاستفادة من الدروس والعبر والاستعداد لها.

كم كبير

من جهته، أكد العميد صفوت الزيات الخبير في الشأن الاستراتيجي والعسكري أن الاحتلال الصهيوني استخدم في عدوانه الأخير على غزة قبل عامين كم كبير من النيران والقوة الجوية ضد أهداف صغيرة المساحة بصورة لم تشهدها الحروب العربية الإسرائيلية من قبل.

وقال الزيات :"خلال العدوان الأخير على قطاع غزة الاحتلال شن ضربتين جويتين بفاصل حوالي 25 دقيقة وكان يعمد لإنهاء العملية بالكامل في أول أيامها".

ولفت إلى تعمد الجيش الصهيوني في ذلك اليوم إيقاع أكبر نسبة قتل في صفوف الفلسطينيين، معتبراً نسبة الشهداء الذين سقطوا في أول أيام الحرب على غزة الأعلى في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية.

ووصف الزيات الذي ظهر كثيراً عبر شاشات التلفزة خلال العدوان على غزة كمحلل عسكري الكثافة الكبيرة في الاستهداف والمجهود الجوي الكبير وكمية النيران الكثيفة التي استخدمها الاحتلال في الضربتين الجويتين المتتاليتين بـ "الأمر البشع" الذي يرتقي إلى مستوى جرائم الحرب.

وتابع :"كان المأمول من الضربة الأولى التي استهدفت غزة في أول أيام الحرب إنهاء القيادة  الفلسطينية في قطاع غزة تماماً وأن تؤدي إلى ما يسمى حالة التسيب والرخاوة أو ربما فقد السيطرة بالكامل على القطاع".

واستدرك الزيات :" الحالة في قطاع غزة كانت منضبطة بشكل كبير نجحت فيها قوات الأمن في تقبل الصدمة وتقليل خسائرها لأقل حد ممكن".

وبين أن جيش الاحتلال الصهيوني كان يهدف في هذا اليوم إنهاء المعركة في ساعاتها الأولى، موضحاً أنه لم يكن يتصور أن تستمر العملية 22 يوما من 27 ديسمبر/كانون أول وحتى 18 يناير/كانون ثاني.

وأكد الزيات أن لديه تحفظ على أخطاء وقعت في أول أيام العدوان على قطاع غزة حينما استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية أكثر من 60 موقعاً أمنياً وشرطياً في لحظة واحدة.

بصورة مستمرة

واعتبر الزيات أن "إسرائيل" قدمت نفسها للعالم خلال العدوان على القطاع أنها فوق القانون الدولي وفوق القانون الدولي الإنساني، وتابع :"علينا دائما أن نكون حذرين بصورة مستمرة في أداء عملنا الروتيني اليومي حتى لا يتكرر ما حدث مرة أخرى كما حدث في أول يوم في أيام الحرب الأخيرة على قطاع غزة".

وفيما يتعلق بحالة الجبهة الداخلية في قطاع غزة خلال الحرب على غزة قبل عامين، أوضح العميد المتقاعد أنها كانت جبهة "متماسكة".

وأردف قائلاً :"كنت قلق لأن الجبهة الداخلية لم تكن صورتها أمامي ومدى دعمها للمقاومة (..) لكن حقيقة شعرت أن القطاع قد حقق نجاحه الكبير في هذه الحرب ربما تحديداً من مشهد تشييع جثامين شهداء المقاومة وخاصة مشهد تشييع الشهيد الوزير سعيد صيام قبل يوم من إنهاء العدوان".

وأشار إلى أن الزخم الشعبي الكبير والشعور الوطني غير المسبوق خلال تشييع جثامين الشهداء في القطاع ولد شعوراً لديه أن غزة قد نجحت في مواجهة العدوان وصبرت لأن الجبهة الداخلية هي المعيار الرئيسي لقدرة صمود المقاومين على خطوط النار في المقدمة، على حد تعبيره.

وعدَ توزيع الرواتب والمواد التموينية على العائلات وأسر الضحايا كانت تدل على المؤشر الكبير لحالة الانضباط التي كانت في قطاع غزة خلال العدوان رغم ما يعانيه كل شعب قطاع غزة في هذه الفترة من خسائر بشرية وعمليات قتل مستهدفة وكم كبير من جرائم الحرب التي أحاطت به.

عزيمة وصمود

فيما شدد اللواء المصري طلعت مسلم الخبير في الشأن العسكري والإستراتيجي  على أن الحرب الأخيرة على غزة لم تنل من عزيمة الأجهزة الأمنية والشرطية ولم تمنع التمسك بخيار المقاومة في قطاع غزة.

ولفت إلى أن القيادة السياسية في غزة ما زالت متمسكة بخيار المقاومة إلى جانب حرصها "أن تكون نشيطة عسكرياً في كل الأوقات"، حسب وصفه.

وبين مسلم أن الأهم في علامة الصمود لغزة هو الإرادة السياسية وما تعبر عنه القيادات والشعب في غزة وقال:"طبقاً لهذه المعايير لا زالت روح المقاومة مستمرة في غزة سواء ما حدث في الحرب وبعد عامين على مرورها".

وأشار إلى أن الهدف الرئيسي من استهداف الاحتلال لعناصر الشرطة والأجهزة الأمنية في الضربة الأولى التي استهدفت غزة إذكاء الجانب العسكري الذي جعل الكيان الصهيوني يستهدف عناصر الأمن ورموز السلطة التنفيذية أو التشريعية في قطاع غزة.

واعتبر مسلم الجبهة الداخلية في قطاع غزة خلال العدوان الغاشم ضدها قوية، مضيفاً :"لم يبدُ لنا أي مظهر من مظاهر ضعف الجبهة الداخلية في قطاع غزة أثناء الحرب لا بد أن نسلم أن الحرب كانت قاسية وأن الاحتلال استخدم فيها أسلحة ممنوعة ومحرمة دولياً ولم يتم تجربتها قبل ذلك ولكن رغم ذلك بقيت الإرادة السياسية وصمود الشعب الفلسطيني والحكومة في غزة قائم".

وبين أن تماسك الشعب في غزة يدل على قوته رغم تعرض القوة الأمنية في القطاع لضربة قوية حينها، وتابع :"الشعب في غزة مستمر في ثباته والأمن في نفس الوقت له قواعده".

توفير الأمن

وعلى الصعيد الأمني لتطورات الوضع في قطاع غزة بعد عامين من العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، أوضح هشام المغاري الخبير في الشئون الأمنية أن الاحتلال الصهيوني كان يعلم أن الأجهزة الأمنية هي القادرة على إحكام السيطرة على القطاع وتوفير الأمن فيه.

وأشار إلى أن علامة القوة البارزة للحكومة في غزة تمثلت في توفير الأمن في القطاع رغم أجواء الحرب والقصف الذي تواصل على غزة ليل نهار طيلة 22 يوماً.

وبحسب المغاري فإن هدف الاحتلال من توجيه الضربة الأولى لعناصر الأجهزة الأمنية في قطاع غزة محاولة احتلاله أو إتاحة الفرصة لجهات أخرى للسيطرة عليه.

وأكد أن الضربة الأولى كانت مؤلمة جداً وقاسية ذهب ضحيتها عدد كبير من الشهداء إلا أن صحوة رجال الأمن وقادة العمل الأمني ساهم في إعادة إحكام السيطرة بشكل سريع على القطاع وتمكنوا من إفشال مخطط الاحتلال الإسرائيلي في توجيه ضربة قاضية للحكومة والأجهزة الأمنية في قطاع غزة.

جبهة داخلية متماسكة

وأضاف المحلل الأمني :"الحرب أثبتت أنه في الساعات الأولى لتوجيه الضربة خرجت هناك بعض الأصوات النشاز فيما يخص إضعاف الجبهة الداخلية إلا أن الواقع اثبت أن الجبهة الداخلية كانت متماسكة والذي ساهم في إحداث هذا التماسك قدرة أجهزة الأمن والمقاومة على إحداث سيطرة".

ونبه إلى أنه كانت هناك بعض الفئات محدودة العدد حاولت أن تلعب بالماء العكر، موضحاً أن إمكانيات الحكومة وأجهزتها الأمنية ساهمت في إيقاف هذه الفئة الصغيرة عن غيها ورغباتها وإحداث نوع من التماسك الشديد في الجبهة الداخلية ولم تتح الفرصة لمن أراد التخريب في هذه الجبهة.

وأضاف المغاري قائلاً :"كل المتابعين للحرب من أيامها الأولى وحتى هذه الأيام اتفقوا على أن أجهزة الأمن في قطاع غزة تمكنت من إحداث السيطرة ولملمة الشارع الفلسطيني بشكل سريع وهذا يدل دلالة واضحة على إحكام السيطرة".

وختم الباحث في الشأن الأمني حديثه بقوله :"من أحد الأهداف الرئيسية للحرب إحداث خلخلة في الجبهة الداخلية والتماسك الأمني في القطاع وهذا ثبت فشله من قبل الاحتلال ودل دلالة قاطعة أن الأجهزة الأمنية لديها القدرة على ضبط الأمن وقد نجحت في ذلك خلال الحرب وبعدها".

وهدمت قوات الاحتلال خلال حربها الشرسة على قطاع غزة نحو خمسة آلاف منزل بشكل كامل، وعشرات الآلاف بشكل جزئي، كما دمرت صواريخها الغاشمة 60 مقراً أمنياً وشرطياً.

إذا بعد عامين كاملين على انتهاء العدوان الصهيوني الغاشم الذي استهدف غزة نجحت الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني في الحفاظ على الجبهة الداخلية في قطاع غزة وحماية مقدرات شعبها وإحداث وإحكام السيطرة بشكل سريع رغم قسوة القصف وشراسته.