خبر الضفــاويون

الساعة 11:47 ص|26 ديسمبر 2010

الضفــاويون

فلسطين اليوم- وكالات

أين ذهب مال منظمة التحرير وما مصير أموالها وشركاتها ومشاريعها؟ سؤال يطرحه كثير من الفلسطينيين، وهو السؤال الذي يرغب كثيرون أيضا في معرفة الإجابة عنه بعد أن أصبح للثورة "حكومة" وبعد وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.

 

وقد اتخذ السؤال بعدا هاما بعد وفاة عرفات (2004). وبوفاته فتح ملف آخر، وهو أين ذهبت أموال المنظمة. وبالطبع هناك الكثير مما يتداول حول الفساد في مؤسسات السلطة فيما تسربت قصص كثيرة على مواقع الإنترنت.

 

ومهما كان الأمر فالكتاب الصادر في لندن بعنوان "الضفاويون"، ومؤلفه هو "بنويت فوكون" يحاول تقديم أو استكشاف أرض المال عند المنظمة التي لم تكن لتولد دون دعم المال لها.

 

ولهذا وضع الكاتب عنوانا فرعيا "كيف صنع المال الثورة وكيف دمرها وكيف يمكن أن يعود؟". ومؤلف الكتاب صحفي متخصص في الشؤون المالية، حشد كتابه بالمعلومات والأرقام.

 

يغطي الكتاب عددا من الفصول تبدأ مع بدء منظمة التحرير وتنتهي بالوضع الفلسطيني الحالي وصعود حماس وخلافها مع المنظمة.

 

ويعتمد الكاتب في معلوماته على مقابلات قادة وصحفيين من داخل المنظمة أو ممن عايشوا مراحل ولادتها. ويقوم الكتاب على افتراض أن عرفات ومؤسسي منظمة التحرير كانوا في بحثهم عن استقلالية القرار الفلسطيني يرون في المال وسيلة لتحقيق هذا الهدف.

 

ويقول إن عرفات الذي يعرف الجميع أنه مارس حياة متقشفة ومليئة بالعمل الدائب والنشاط تعامل مع المال عبر ثلاث رؤى: كيف نحصل عليه؟ وكيف نستثمره؟ وكيف ننفقه؟ لأن اختراع أساليب وطرق الاستثمار المال تعني تحرير المنظمة من شروط الدول المانحة والجماعات الساعية للتأثير، إضافة إلى أن عرفات رأى في المال وسيلة للسيطرة وتأكيد هيمنته على مؤسسات المنظمة وأجهزة صناعة القرار فيها، ولذلك حرص أن يبقى مال المنظمة في يده وبعيدا عن الأنظمة والأصدقاء الذين قد يتغيرون في أي لحظة.

 

عرفات وشركة المنظمة

يلاحق الكاتب طريقة إدارة عرفات للقرار المالي في الأيام الأولى للثورة، وكيف أن معركة الكرامة (1968) أعطته في النهاية شرعية القيادة وإدارة المعركة، ومن هذه المرحلة سيقوم عرفات بإدارة المال أو "شركة المنظمة" كما يسميها الكاتب.

 

ومع أن من تولوا مسؤولية مال المنظمة من البداية، ومنهم رئيس السلطة الوطنية محمود عباس، كانت لديهم مخاوفهم من طريقة إدارة المال، فإن عرفات عرف أهمية المال ورجال الأعمال في بناء المنظمة وتعزيز قوتها، ومن هنا أصبح رجال الأعمال من أبناء العائلات الغنية الذين خسروا أراضيهم وبنوا أعمالهم في دول الخليج التي كانت في المراحل الأولى من ولادتها بحاجة للطاقات الفلسطينية المتعلمة، إضافة إلى الطبقة الجديدة من الأغنياء الذي أفادوا من الفرص التي فتحت لهم في هذه الدول.

 

أصبحوا جميعا بمنزلة المفاتيح التي فتحت لعرفات باب المسؤولين العرب. كما استطاعت المنظمة الحصول على نسبة من رواتب العاملين الفلسطينيين في تلك الدول.

 

تجربة لبنان العصر الذهبي

يرسم الكتاب تجربة المنظمة في لبنان التي كانت بمنزلة العصر الذهبي للاستثمار والبناء المؤسساتي، وفيها اعتمدت المنظمة على مؤسسة "صامد" التي أقامت شركات ومزارع في أفريقيا لدرجة يبدو فيها المال الفلسطيني هو المهيمن في دول أفريقيا في مرحلة ما بعد الاستعمار التي قطعت إثرها العلاقات مع إسرائيل خاصة بعد حرب 1967.

 

ويعلق الكاتب قائلا إنه خلافا لمشاريع المنظمة في لبنان ومخيمات اللاجئين، لم تفد اليد العاملة والكفاءات الفلسطينية من الاستثمارات الأفريقية، إذ لم يتجاوز العاملون فيها من الفلسطينيين بضع مئات، إن كان هذا في مزارع الدجاج أو الموز أو محلات الأسواق الحرة في مطارات شرق أفريقيا. وعلى العموم ستغلق أبواب هذه المغامرات التجارية التي لم تكن ناجحة في معظمها بعد الانتفاضة وإنشاء السلطة الوطنية عام 1994.

 

يشير الكاتب إلى أهم المفاصل في تجربة منظمة التحرير، فتجربة لبنان أدت إلى ضياع البنى التحتية هناك، كما أدت الانشقاقات داخل صفوف المنظمة في النهاية إلى تسرب المال، ثم تلتها مرحلة تونس والانتفاضة التي أعطت المنظمة زخما واستثمرت الكثير فيها.

 

ويشير الكاتب إلى دور خليل الوزير -أبو جهاد- القائد العسكري ومسؤول القطاع الغربي، الذي اخترع وسائل كثيرة لإيصال المال للقيادة الموحدة للانتفاضة، سواء عبر أكاديميين أو أصدقاء الثورة ممن لبلادهم سفارات في إسرائيل أو عبر الأردن واللجنة المشتركة لدعم الانتفاضة، كما دعم من خلالها مؤسسات إعلامية في الضفة.

 

وسيمثل اغتيال الوزير في العام 1988 ضربة كبيرة لجهود دعم الانتفاضة. لكن عرفات بعد الوزير وبعد اغتيال صلاح خلف (أبو إياد) انفرد بالقرار المالي للمنظمة.

 

وقد عانى عرفات من نتائج قراراته وخياراته، خاصة بعد أن دعم صدام حسين في غزوه للكويت، مقابل دعم نظام بغداد عرفات بـ150 مليون دولار أميركي، لكن القرار أدى لخسارة عرفات حلفاء وأصحاب مال من السعوديين والكويتيين، كما أدى إلى إنهاء الوجود الفلسطيني في الكويت، حيث تم ترحيل أبناء أكبر جالية عربية من هناك، الذين خسروا ما بنوه من سنوات تعب وكد.

 

وسيجد عرفات نفسه وحيدا في تونس بعد حرب الخليج. وتضررت كل مؤسسات الثورة بما فيها صندوق أبناء الشهداء وصحف ومؤسسات إعلامية دعمتها الثورة.

 

ومن أجل تخفيف حدة الأزمة المالية فكر عرفات بطرق جديدة للحصول على المال، من بينها تأمين صفقة سكر بسعر محبذ من كوبا، حيث بعث مستشاره الإعلامي محمد رشيد الذي كان يعرف في حينه "خالد سلام" لكوبا بدون نتيجة.

 

ولأن الأزمة المالية كانت خانقة فقد خشيت الاستخبارات الأميركية أن تطيح بعرفات وتؤدي إلى بروز تيار متشدد. وما أنقذه من العزلة هي القنوات السرية لأوسلو، والتي قادت إلى توقيع اتفاق المبادئ في البيت الأبيض.

 

 

السلطة واستمرار التفرد العرفاتي بالمال

ويشير الكاتب إلى أن مشروع السلطة يعد أهم مشاريع عرفات بعد الاستثمار الكبير في الانتفاضة، الذي اعتمد فيه على رجال الأعمال والأثرياء الفلسطينيين الذين ساعدوه في الماضي على بناء خطوط اتصال مع الأميركيين.

 

ورجال الأعمال هؤلاء عرفوا بالروتشيلديين العرفاتيين. وكانوا عونا دائما له، حيث كانوا يستخدمون ثقلهم المالي لتخفيف الأجواء المتوترة والعمل وسطاء.

 

ويذكر الكاتب أسماء النخبة المالية المعروفة باستثمارتها ومؤسساتها الكبيرة، مثل منيب المصري وسعيد خوري وعبدالمجيد شومان وحسيب الصباغ وغيرهم. وهؤلاء وإن لم يمزجوا مالهم بمال الثورة وحافظوا على استقلاليتهم، فإنهم تأثروا من سياساته وعانت أعمالهم في كل مرحلة دخل فيها معارك. وتظل أهميتهم لمشروع عرفات أن بعضهم دفع وشجع عرفات للبحث عن فرص للسلام.

 

وقد حرص عرفات قبل عودته إلى غزة عام 1994 أن يجمع في تونس 300 من رجال الأعمال الفلسطينيين بمن فيهم الأثرياء الذين دعموا مسيرته السلمية في محاولة لإقناعهم بدعم مشروع المنظمة (السلطة) في فلسطين ووضع أموالهم في خدمة المشروع، وقال لهم إن روتشيلد ساعد بن غوريون فلماذا لا تقومون بنفس الأمر؟

 

زمن رجال المال والأعمال

أهم ملمح في تجربة السلطة هو أن من وقف وراء المشروع هم رجال الأعمال لا القادة العسكريون والأمنيون للمنظمة مثل أبو إياد وأبوجهاد وأبو علي حسن سلامة الذين ماتوا اغتيالا. ومن تبقى من القادة مثل أبو علاء مسؤول "صامد"، وأبو مازن مسؤول مالية المنظمة يعرفون عدد الأرقام أكثر مما يعرفون الضغط على الزناد، كما يقول الكاتب.

 

حاول رجال الأعمال جلب عقود استثمارات وشركات للضفة والقطاع مثل كوكاكولا وبيكتل وشركات تنقيب عن الغاز لكن حدود سيادة السلطة على أراضيها وموقف المعارضة وانتشار الفساد والمحسوبية وإعادة إحياء تجربة لبنان وحرص عرفات على أن يكون الآمر الناهي في كل المشاريع أدت إلى المشاكل التي نعرفها اليوم، كما أدت إلى ولادة ما يسميه الكاتب دولة تحت الأرض، حيث الحسابات السرية غير الحسابات العلنية، وحيث المال يستخدم كما في السابق لشراء الولاءات.

 

جاءت الانتفاضة الثانية لتفاقم المشاكل وتنهي المشروع، خاصة أن السلطة ظلت من الناحية السياسية محدودة الصلاحيات، وحاول الطرف الآخر قتلها واختراع أي مبرر من أجل ربطها بالإرهاب والسلاح.

 

يحكي الكاتب فصول الثورة وعلاقتها بالمال، الأسماء والأرقام ونجوم المرحلة الجديدة، فمال المنظمة بدأ مستثمرا في كل مكان من أسواق أميركا اللاتينية، وحتى نيكاراغوا، وانتهى كما بدأ في الخارج في حسابات بنكية سرية واستثمارات في مجال الغاز وغير ذلك، ولغز المال وأين هو لم يفك بعد.

 

ويشير الكاتب إلى آثار زواج عرفات وعلاقته بالمال ودور مستشاره محمد رشيد ونهاية الأحلام لأبناء الثوار الذين جاؤوا وكلهم أمل في بناء وطن قاتل من أجله آباؤهم الذين رحلوا. ولا ينسى الكاتب حماس وعلاقتها بالمال، (جمعيات خيرية ودعم دولي)، ويختم بالإشارة إلى مظاهر التشدد ودخول الجهادية العالمية لمخيمات في غزة ولبنان.

 

الملمح الهام في الكتاب يتمثل في التشابكات التي تصنعها لعبة المال، حيث يجمع المال أحيانا بين الثورة وأعدائها، والقصة كما يسفر عنها الكتاب غريبة يشارك في صناعتها ثوار وأصحاب مال ومرتزقة ومنتفعون وجواسيس.