خبر نهاية عام.. والقلق الشامل يسيطر علينا ..بلال الحسن

الساعة 11:06 ص|26 ديسمبر 2010

نهاية عام.. والقلق الشامل يسيطر علينا ..بلال الحسن

نهاية عام.. بداية عام.. أبرز ما فيها أن القلق يسيطر على المنطقة العربية برمتها. إضافة إلى هذا القلق، تعيش كل دولة عربية على حدة. علاقتها مع الدول المجاورة لها لا تتجاوز قضايا الحياة اليومية. أما السياسة، وأما التخطيط المشترك، وأما الرؤية للمستقبل، فتكاد تكون غائبة، هذا إذا لم نتحدث عن عداوات تخفي تحتها ما تخفي. وحين تحدث مشكلة في بلد ما، يتخذ البلد المجاور وضعية المراقب، يتفرج من بعيد على مشكلة تحدث في مكان ناء، حتى لو كانت تلك المشكلة تمس صميم أمنه القومي.

 

لا نتحدث هنا عن مشكلات عادية، بل نتحدث عن تقسيم لدول قائمة، تقسيم يمتد من العراق إلى اليمن إلى السودان. ونتحدث عن صراعات طائفية مستجدة، تمس بلدانا عرفت بتعاليها على النزعات الطائفية.

 

أما "إسرائيل" فهي موجودة دائماً في كل حدث عربي سيئ، موجودة كشيء قائم بذاته، أو موجودة كوكيل أعمال لدولة عظمى. الدول العظمى تخطط، و"إسرائيل" تتولى التنفيذ. وأخطر ما في الأمر، نمو مزاج سياسي وفكري لدى بعض الدول العربية، ولدى بعض النخب الثقافية العربية، أخذ يعبر عن نفسه بالانزعاج كلما برز الحديث عن "إسرائيل". يريد في عقله الباطن تنحية "إسرائيل" جانباً، وعدم التركيز عليها أو الاهتمام بها، وكأن "إسرائيل" لم تعد خطراً.

 

التقسيم.. هم أساسي يضرب المنطقة العربية، ولا أحد يهتم به أو يدرس نتائجه.

 

العراق معرض للتقسيم، بل هو يعيش تقسيما مكرسا بدستور وضعه حاكم أميركي (هل تذكرون بريمر؟). تقسيم يتحدث عن ثلاثة أقاليم، تبدو في الظاهر أمراً جغرافياً، لكنها تنطوي في العمق على تقسيم طائفي، ثم على تقسيم إثني، فيه عرب هنا، وأكراد هناك، و"إسرائيل" حاضرة في الحالتين، تقتل العلماء في جانب، وتساعد على قيام كيان كردي يعطيها موقعاً جغرافياً تطل منه على منطقة استراتيجية شاسعة.

 

واليمن معرض للتقسيم، أحياناً بفعل عوامل داخلية، وأحياناً أخرى بفعل تدخلات أجنبية. أحياناً تبرز العوامل الطائفية، بينما تبرز أحياناً عوامل الانقسام المجتمعي. تبرز ظاهرة الحوثيين، في حرب مستمرة ضد السلطة، أو نحو السلطة. ولا يتورع الجميع عن القول بأنها الحرب الخامسة أو السادسة، وهنا تتحول إلى حرب إقليمية تمس الجوار، وتستدعي تدخل الجيش السعودي. وما إن تخمد ظاهرة الحوثيين حتى تبرز ظاهرة «الحراك الجنوبي». وجنوب اليمن مشهور في التاريخ العربي المعاصر بأنه قاد ثورة ضد الاستعمار البريطاني، وصنع عبرها الاستقلال. ونقيضاً لهذا التاريخ المشرف، ها هو الآن حراك يرفع شعار الانفصال.

 

أما السودان فقد أصبح على أبواب التقسيم، تقسيم تقف وراءه دول عظمى، تدعي أنها ترفع شعار الديمقراطية، ولا يهمها من الديمقراطية إلا أن يكون الاستفتاء مدخلا للانفصال. وما إن يبدأ الاستعداد ليوم الاستفتاء حتى يبدأ «الخبراء» الإسرائيليون في الوصول إلى مدينة «جوبا» عاصمة الجنوب مباشرة. أما السلاح فيصل عبر مدينة «بانجيه» عاصمة إفريقيا الوسطى.. يصل بالطائرات وتنقله الشاحنات إلى جوبا. وما إن يتكرس التقسيم حتى يبدأ الحديث عن اقتسام مياه النيل، وعن حصة مصر في هذه المياه، ويبدأ توجيه النصائح لحاكم السودان كي يحترم نتائج الاستفتاء. وعند الاستفتاء سيصفقون له لأنه يحترم نتائج الديمقراطية. أما البلد ومصيره فهذا شأن آخر.

 

وبعد انفصال جنوب السودان سيبدأ الحديث عن ملف التقسيم الثاني في منطقة دارفور. ولماذا لا يحدث أيضاً هذا التقسيم ما دام سيتم بطريقة ديمقراطية شفافة ترضى عنها الدول لعظمى؟

 

إن من شأن هذا المشهد العربي، ونحن لم نشر إلا إلى جزء صغير منه، أن يثير الخوف والقلق لدى كل دولة عربية مجاورة أو غير مجاورة، ولدى كل حاكم عربي يهتم باستقرار الوضع داخل بلده. لكن رد الفعل العربي يثير الحيرة حقاً. فلا أحد يهتم. ولا أحد يدعو لتحرك ما، وكأن السياسة أن تهتم بما يحدث داخل عاصمتك، أما ما يحدث خارج العاصمة، فهو أمر يخص حرس الحدود، يتعامل معه رجال الشرطة كما يتعاملون مع المهربين والمتسللين.

 

السياسة العربية تفتقد إلى الاستراتيجية. تفتقد إلى التفاهم المشترك. وباستثناء حدثين في السنوات الخمس الأخيرة، يكاد مشهد السياسة العربية يكون جامداً، أو غائباً، أو غير مكترث. الحدث الأول تمثله سورية التي تكاد تكون الآن اللاعب السياسي الوحيد في المنطقة. تراقب التغيرات وتدرسها. تتحدث عن استراتيجية «البحار الخمسة»، وتقوم بعشرات الزيارات لدول مجاورة لتلك البحار وتتفاعل معها. تراقب الوضع الإقليمي والقوى الناشئة فيه، من إيران إلى تركيا، وتنسج معها علاقات تفاعل يومي. والحدث الثاني تمثله السعودية من خلال مبادرات الملك عبد الله، سواء مبادراته من أجل الحوار (الحوار الداخلي، وحوار الأديان، وحوار الحضارات)، أو مبادرته من أجل تجاوز الخلافات العربية وبناء حالة تضامن على أنقاضها، لكن هذه المبادرات لم تجد من يتلقفها، أو من يبني عليها، باستثناء التشارك السعودي - السوري الذي يحاول معالجة الوضع في لبنان، ليمنع الانفجار الداخلي، أو ليمنع نمو الدور الإسرائيلي ضده. باستثناء ذلك لا شيء يتحرك في الوطن العربي الكبير، وإذا حدث وتحرك قادة ما باتجاه السودان مثلاً، فهو تحرك متأخر، أشبه بزيارات التعزية أو بزيارات التهنئة بالعيد. ومن الملاحظ أن هناك زيارات عربية لا تأتي، إلا بعد أن يكون هناك موقف أميركي يدعو هذا الطرف للتهدئة، أو لقبول الأمر الواقع، ثم يتحرك من يتحرك لإقناع المعنيين بذلك. ثم يقنعون أنفسهم بأن هذه هي السياسة.

 

تكاد هذه الصورة، لحالة التقسيم الذي يهدد دول المنطقة (ولن يقتصر التهديد عليها بالضرورة)، ولحالة غياب التفاهم أو التضامن أو الرؤيا الاستراتيجية المشتركة، تصيب المواطن باليأس، وتصيب الحكومات بالشلل، وتصيب الدول بالجمود القاتل. وجمود الدول قد يعني في النهاية الانفجار أو الانهيار.

 

هل يمكن الحديث هنا عن مخرج؟ يمكن طبعا. ويمكن أن يأتينا المخرج من إفريقيا. لقد عاش العرب لسنوات يدعمون إفريقيا، ويشجعون حركاتها الاستقلالية، ويساعدون حكوماتها في عمليات البناء. ولكن.. ها نحن الآن نحتاج إلى إفريقيا بحثاً عن مخرج لمشكلاتنا.

 

أوجدت مشكلات إفريقيا «لجنة الحكماء». يلتقون كلما تأزم الوضع في بلد إفريقي ما، ويحاولون مساعدته في إيجاد الحل. ويبدو أن العرب يحتاجون الآن إلى «لجنة حكماء»، تلتقي، وتتحاور، وتبحث، وتقترح الحلول.

 

لجنة حكماء؟ نعم. لكنها تحتاج إلى قادة، وتحتاج إلى مبادرة، وتحتاج إلى رؤية. ونحن المواطنين جميعاً، ننتظر من يبادر. ويا ويل من لا يبادر.