خبر عنصرية من اليسار- معاريف

الساعة 09:29 ص|26 ديسمبر 2010

عنصرية من اليسار- معاريف

بقلم: بن درور يميني

(المضمون: ما أسماه اليسار مظاهرة الكراهية لسكان جنوب تل ابيب ليس كذلك فقد كنت هناك وشاهدت انها مظاهرة عادية تُعبر عن الخوف من السلب، التغيير الديمغرافي والتنكيلات. لماذا مظاهرات الفلسطينيين في الشيخ جراح والتي هي بذات الدوافع مشروعة بينما تلك في تل ابيب "عنصرية" - المصدر).

        كلما تصاعد مستوى الصراخ "فاشية"، "مكارثية"، هكذا يتضح ان اليسار يريد ان يخفي شيئا ما. ازدواجيته الاخلاقية. مع مؤشرات عنصرية. ليس كل اليسار. بالتأكيد ان لا. ولكن القسم السائد في اليسار، ذاك الذي يغطي جناحاه أقساما آخذة في الاتساع في الاكاديميا، في الثقافة وفي وسائل الاعلام، يعاني من ظاهرة مرضية خطيرة. هذا لا يعني ان اليمين معفي من الفاشية. ولكن يخيل ان هذا الاسبوع ضربنا ارقاما قياسية.

        كل يوم جمعة تعقد مظاهرة ضد غزو الاجانب. المحليون يخافون. خوفهم حقيقي. خوفهم من السلب. من التغيير الديمغرافي، من التنكيلات. من تغيير الطابع القومي. هذا الاسبوع، لاول مرة، عقدت داخل اسرائيل مظاهرة مشابهة تماما. سكان جنوب تل ابيب يخافون من السلب. من التغيير الديمغرافي. من التنكيلات.

        مظاهرات يوم الجمعة تعقد في الشيخ جراح. المظاهرة هذا الاسبوع عقدت في جنوب تل ابيب. مخاوف سكان جنوب تل ابيب أكثر جدية بكثير. نسبة الاجانب هناك أكبر بكثير من نسبة اليهود في الشيخ جراح. المس بهم أكبر بكثير. مس اقتصادي ومس ثقافي ومس قومي.

        وها هو، اليسار الاسرائيلي، ليس كله، يعرب عن التضامن التام مع المتظاهرين في الشيخ جراح. ليس التضامن فقط. بل هذه أصبحت مظاهرات لليسار الاسرائيلي. الفلسطينيون يُملون الخط فقط. خط وطني واضح. بل ان أعلام اسرائيل محظور رفعها هناك (كان هناك أفراد اعتقدوا ان هذا ممكن)، ولكن ذات اليسار، يجعل مظاهرة السكان المستضعفين في جنوب تل ابيب عصبة عنصريين.

        لماذا الدافع الوطني لسكان الشيخ جراح للعيش مع فلسطينيين، دون غزاة يهود، هو دافع مشروع، ولكن دافع مشابه، لسكان جنوب تل ابيب، يصبح خطرا عنصريا؟ إذ بقدر ما يكون الحديث يدور عن الأقليات، فان سكان جنوب تل ابيب استقبلوهم بعناق. الآن فقط، وبالتأكيد بتوقيت متأخر، عندما يصبح التغيير الديمغرافي هاما، يقول سكان الجنوب كفى. ليس على حسابنا.

        "معاريف" هي الاخرى فشلت هذا الاسبوع. يوم الاربعاء، غداة المظاهرة، ظهر عنوان رئيس "مظاهرة الكراهية". عفوا؟ كنت هناك. لم أر كراهية. الاجانب على أصنافهم مروا بين المتظاهرين ولم يحلم أحد في أن يمس شعرة من شعر رؤوسهم. كما كانت هناك اصوات لاذعة للراكبين المعروفين بالمجان. هذه كانت مظاهرة ضد الحكومة. وليس ضد الاجانب. معظم اليافطات تضمنت عبارة "لا للعنصرية".

        وأخطر من ذلك: هل كان هناك في أي مرة كانت عنوان بصيغة "مظاهرة الكراهية" في أعقاب احدى مظاهرات اليسار في الشيخ جراح، على ذات الخلفية، ومع ذات الأهداف؟ الجواب معروف. "الجنوبيون" وحدهم هم من ينبغي توجيه اصبع الاتهام لهم عندما يطلبون حياة أفضل بقليل لانفسهم. ولكن عندما يكون الفلسطينيون هم الذين يخافون من غزو الاجانب، فان كل احتكار حقوق الانسان يتجند كي يقف الى جانبهم.

        اليسار يعقد في الايام القريبة القادمة مظاهرة تضامن مع الاجانب المتسللين. فهم معهم في جنوب تل ابيب. وضدهم في الشيخ جراح. يمكن الافتراض بأن مظاهرة التضامن ستكون من اولئك الذين في شارعهم وفي حيّهم لا يوجد متسلل أو لاجيء واحد.

*   *   *

        والمزيد عن اليسار الديمقراطي. متحف تل ابيب أجرى مؤخرا مسابقة تصوير في اطار مشروع "شهادة محلية". 8 آلاف مصور تقدموا لها. واحد فاز. وبدلا من وصف الصورة، سنعرض اعتبارات الحكام: "الصورة تنقل سلسلة رموز تعبر عن الواقع اليهودي والاسرائيلي. رفع الأيدي، علم الدولة مرفوع ومضاء بنور يزيغ البصر، نجمة داود موشومة على ذراع متظاهر، كل هذه تندرج في صورة واحدة فتدمج فقدان الطريق في اعقاب الاسطول الى غزة، نتائجه وآثاره القومية المتطرفة".

        هذه الاقوال الغريبة، المأخوذة من قاموس الترهات لليسار الاسرائيلي تلخص الجوهر المجنون للحياة الروحية والثقافية عندنا. لانه توجد هنا مواجهة بين روايتين: الحقيقة والكذب. الرواية الحقيقية هي ان عصبة من الجهاديين من مؤيدي حماس واللاساميين صعدوا على سفينة "مرمرة"، وأنشدوا هناك النشيد الاسلامي العالمي لابادة اليهود. اسرائيل أوقفتهم ومنعتهم من الارتباط بفرعهم الغزي. والى جانب الحقيقة تظهر رواية اخرى لعالم الثقافة الاسرائيلية وهو يتجند لصناعة الاكاذيب: "فقدان الطريق في اعقاب الاسطول الى غزة وآثاره القومية المتطرفة". أي فقدان للطريق؟ لماذا المظاهرة ضد اسطول الجهاديين المدعومة من الحكم التركي "قومية متطرفة"؟ وما الذي بالضبط أراده الحكام، أن تكون المظاهرة للتضامن مع نشطاء الجهاد؟ أم ربما ايضا مع هتافاتهم لابادة اليهود؟.

        بلدية تل ابيب، صوت الجيش وغيرهما ساهموا في حملة العلاقات العامة. المشكلة هي مع الحكام. يمكن الافتراض ان ليسوا كلهم هناك يساريين من النوع الكريه. ولكن يمكن ايضا الاعتماد على عالم الثقافة في انه لم يكن بينهم رجل ثقافة واحد ذو آراء يمينية. فهم ديمقراطيون خالصون. شريطة أن موقفهم وحده هو الذي يُسمع. "خطاب انتقادي" سيُسمون هذا. بحيث انهم عرفوا بالضبط أي صورة يختارونها. واحدة من أصل 8 آلاف. صورة تخلق احساسا بالفاشية. هذه في نظرهم هي "الواقع اليهودي والاسرائيلي" الذي بالنسبة لهم يعاني من "فقدان الطريق والقومية المتطرفة".

        لقد سبق ان كتبت مرات عديدة بأن لا حاجة للجهاد العالمي بدائرة دعاية. الأغبياء المستعملين يقومون بالعمل نيابة عنه. هذا لا يعني أننا كنا نحتاج الى برهان، ولكننا حصلنا على واحد آخر.

*   *   *

        صديق، صحفي فرنسي، اتصل بي قبل اسبوع منفعلا وعاصفا. ينبغي ان نستبق الامور فنقول انه منذ سنوات عديدة كان الرجل يعيش في ضائقة. وهو يعمل في صحيفة كبيرة ومحترمة، ويسمع كل يوم تقريبا آراء زملائه عن اسرائيل، احيانا يشعر بالغثيان. هنا وهناك يجتهد لان يدحض الاكاذيب. هذه ليست مهمة بسيطة في اسرائيل، هذه مهمة أصعب بكثير في فرنسا، في محيط يُخيل انه "متقدم".

        ما هي هذه القصة مع آبار المياه، سأل. الادارة المدنية، كما نشر، هدمت آبار مياه لرعاة فلسطينيين في صحراء يهودية. كيف يمكن شرح هذا السلب من الرعاة؟ إهدأ، طلبت منه. فأنت وأنا مجربان في المنشورات الكاذبة. لعل الحديث يدور عن استفزاز. لعل القصة غير صحيحة. لعل الفلسطينيون هم الذين أحاقوا هذا بأنفسهم. لعل الحديث لا يدور عن رعاة، بل عن سارقي مياه من أنبوب مياه قطري ما. لعل ولعل. إذ نحن سبق لنا ان شهدنا ذلك. فعشرات المنشورات عن "جرائم الحرب" تبينت كاذبة. إسمح لي بأن أفحص الامر.

        فحصت، رغبت من كل قلبي ايضا ان أكتشف بأن هذه كذبة اخرى. غير ان الفحص أوضح بأن النشر هذه المرة كان صحيحا. هذا كان رد الناطق بلسان الادارة المدنية: "قوات الأمن والادارة المدنية نفذت هدما لـ 11 بئر تجميع وآبار مياه أُقيمت دون ترخيص كما ينبغي، داخل منطقة للتدريب على النار في ظل تعريض حياة الانسان للخطر. هذا العمل نُفذ بعد استكمال اجمالي الاجراءات التي يستوجبها القانون. الادارة المدنية ستواصل أداء مهامها والعمل ضد البناء غير القانوني، والمكوث الخطير في مناطق التدريب على النار". قرأت وتنفست الصعداء، أوه، يا لها من سخافة. كله صحيح، لنفترض انه صحيح، والغباء يهتف. "منطقة تدريب على النار" هي تقريبا كل منطقة يوجد فيها رعاة. هذا لم يعد يثير الانطباع لدى أحد. ليس واضحا اذا كانت الادارة محقة. رسميا، يبدو أن نعم. ولكن الويل لنا من مثل هذا الحق.

        في السنة الاخيرة كنت أكثر من مرة واحدة في مناطق يهودا والسامرة. برفقة مستوطنين ايضا (وليسوا مفترسي فلسطينيين)، وكذا برفقة نشطاء يساريين (وليسوا كارهي اسرائيل). كل طرف يُظهر ما يريحه. رأيت، ضمن امور اخرى، بئرا مهدومة داخل قرية عقربة. كان هذا يفطر القلب. لماذا؟.

        يوجد في اوساط المستوطنين، أقلية بين أقلية، جهاديون من أبناء الدين اليهودي. وهم ينكلون بالفلسطينيين بصفتهم هذه. وهناك افعال للادارة أو للجيش الاسرائيلي، احيانا تكمل الصورة. الجيش الاسرائيلي بعيد عن صورته في وسائل الاعلام العالمية. غير انه احيانا، بغبائنا وبسخافتنا، نوفر لكارهي اسرائيل مواد دعائية. جرافات على آبار مياه هي بالضبط المادة التي يحتاجونها. مشكوك فيه ان نكون نحن محقون. ولكن بالتأكيد نحن لسنا حكماء.

        أملت جدا ان يكون لي جواب مناسب لصديقي من فرنسا. لأسفي، لم يكن لي هذا الجواب.