خبر أسانج و« الدولة العبرية » في ويكيليكس ..ياسر الزعاترة

الساعة 06:38 ص|26 ديسمبر 2010

أسانج و"الدولة العبرية" في ويكيليكس ..ياسر الزعاترة

 

في خبطة صحفية من العِيار الثقيل حصل أحمد منصور في برنامَجِه "بلا حدود" على حوارٍ مع جوليان أسانج، مؤسِّس موقع ويكيليكس، تَمّ بثّه على الهواء مباشرة من البيت الذي يُقِيم فيه إقامة جبرية في الريف الإنجليزي، وقد كان الحوار ثَرِيًّا بالمعلومات التي كان أهمها السؤال الذي يدور حول دولة الاحتلال الصهيوني وغياب ما يتعلَّق بها في الوثائق، وهو السؤال الذي أدَّى إلى رواج معلومات وشائعات تتحدث عن مؤامرة تَقِفُ خلف القضية برُمَّتِها.

 

في البداية نفى أسانج وجودَ أية صفقة بين مؤسسته وبين "الدولة العبرية"، مشيرًا إلى وجود 3700 وثيقة تَخصُّها ستنشر خلال الأشهر الستة القادمة، من بينها وثائق حول حرب تموز 2006 واغتيال المبحوح.

 

وفي حين نفى أسانج "وجود اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع الإسرائيليين"، إلا أنه لم يَنْفِ أن الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) تتابعه وأصحابه وتحاول توقُّع ما سيقومون به، وإن لم تتصل بهم. أما اللافت فهو قوله: "قد تكون لها اتصالات بأفراد كانوا ينتمون لمؤسستنا، ولكن في الوقت الحالِي لا توجد أي اتصالات بيننا وبينهم"، ما يلقي ظلالاً من الشكّ حول تأثير تلك الاتصالات السابقة على مسار المؤسسة، وما إذا كان من تَبقَّى من عناصرها لا علاقة لهم بالفعل بالإسرائيليين أو بأطراف صهيونية ذات صلة بتل أبيب.

 

هناك ما يُلْفِت الانتباه في كلام أسانج، لاسيما قوله: إن ما نُشِر إلى الآن يعكس اهتمامات الصحف التي اتَّفقت معها ويكيليكس، مما يُشِير إلى حجم النفوذ الإسرائيلي في تلك الصحف وهي من أكبر الصحف في العالم (غارديان البريطانية، ديرشبيجل الألمانية، الباييس الإسبانية، لوموند الفرنسية، نيويورك تايمز الأمريكية).

 

ما يبدو مثيرًا في هذه القضية، وربما شكّك بعضَ الشيء في كلام أسانج (سنظل في انتظار النشر) يتمثل في ردة الفعل الإسرائيلية الأولية والتالية على عاصفة ويكيليكس، حيث بدأ الأمر بقلقٍ واضحٍ عكسته الصحافة الإسرائيلية (نقلاً عن السياسيين بالطبع)، ثم انتهَى إلى ارتياح أكثر وضوحًا تمثل في مقالات وتصريحات من قيادات إسرائيلية في مقدمتها نتنياهو نفسه، ولا يعتقد أن الأخير ومؤسسته الاستخبارية كانوا يجهلون أن ما نُشِر من الوثائق هو النَّزْر اليسير، وأنَّ الكم الأكبر منها لم يُنشَر بعدُ، مما يشير إلى شعورهم بالطمأنينة إلى ما نُشِر وإلى ما لم ينشر.

 

ونعلم بالطبع أن هناك الكثير من المعلومات التي تخصُّ "الدولة العبرية" ويمكن أن تنشر قد تصبُّ في خدمتها مهما كانت حساسيتها، كأن تشير إلى القوة الخارقة لتلك الدولة وجهازها الاستخباري، بما في ذلك عمليات اغتيال على شاكلة اغتيال عماد مُغْنية، والعقيد محمد سليمان في سوريا، واغتيال المبحوح في دُبَيّ. كما لن تكون هناك مشكلة في نشر بعض النميمة السياسية بين عناصر القيادة في تل أبيب.

 

في هذا السياق ينبغي التذكير بأننا نتحدث عن وثائق الدبلوماسية الأمريكية، وهنا لا يجب أن ننسى أن الصهاينة في العقد الأخير، بل ربَّما قبل ذلك صاروا جزءًا من المؤسسة السياسية الأمريكية، حيث يتحركون من داخلها ولا يتم التعامل معهم ولا مع دولتهم كما يتم التعامل مع الآخرين، بما في ذلك الدول الكبرى.

 

ثم إنَّ العمليات الأمنية والعسكرية الدقيقة في "الدولة العبرية" ليست برسم الإشاعة ولا حتى النميمة الداخلية لكي يصار إلى تضمينها في وثائق دبلوماسية صادرة من سفارة واشنطن في تل أبيب، وقد تابعنا بعض ما نُشِر إلى الآن فوجدناه أقرب إلى آراء وتقديرات سياسية يبثها أمنيون وسياسيون أمام سفير واشنطن في تل أبيب، ولا ينطوي نشرها الآن على ضررٍ يُذكَر.

 

للصهاينة سطوتهم في عالم الإعلام والاقتصاد والسياسة الدولية، ولولا ذلك لكانت معركتنا معهم أسهل بكثير، وهم لم يكونوا ليتركوا مشروعًا مثل ويكيليكس يؤثِّر عليهم، من دون أن يعنِي ذلك أن فكرة المؤسسة نفسها أو حتى الحصول على الوثائق الأخيرة هو نتاج مؤامرة كما يذهب كثيرون.