خبر بيدين مربوطتين.. معاريف

الساعة 09:37 ص|24 ديسمبر 2010

بيدين مربوطتين.. معاريف

بقلم: عوفر شيلح

(المضمون: صحيح ان ذاكرة حماس لا تزال تكتوي بالضربة التي تعرضت لها وعند اسرائيل ايضا لم تتغير الاعتبارات الا ان كل شيء يمكن أن يتغير دون اخطار. يخطىء من يعتقد ان يدي اسرائيل ستكونان حرتين للعمل كما تشاءان – المصدر).

في العصر الحالي تتحلل الحروب الكبرى الى أجزاء في سلسلة من الصدامات، الهدوء النسبي ومرة اخرى جولة دموية. هكذا أيضا المحاولة للفهم اذا كان الصدام  على البوابة: اسطورة "الاخطار بالحرب" فقدت كل معنى لها؛ قرار القيادة فتح النار بعيد جدا عن الايام التي قرر فيها السادات في 1971 بان السبيل الوحيد لتحطيم الطريق المسدود هو الحرب، وانطلق اليها بعد سنتين من ذلك.

في أحيان قريبة حتى الطرف الذي بادر الى الصدام الكبير لا يعرف بان هذا سيحصل حتى اللحظة التي يصدر فيها الامر. واذا كنتم سألتم ايهود اولمرت  في 11 تموز 2006 اذا كانت في الغداة ستكون حرب في لبنان لكان لا بد ان يجيبكم متفاجئا ان لا؛ في منتصف تشرين الثاني 2008، قبل بضعة اسابيع من رصاص مصبوب استعرض ايهود باراك امام الصحفيين في مكتبه الوضع وقدر بان اغلب الاحتمالات هي الا يكون تدهور في الجنوب.

وهكذا ايضا هذا الاسبوع، عندما طلب من محافل عسكرية رفيعة المستوى التطرق الى امكانية أن تؤدي الاحداث اليومية في القطاع الى صدام شامل، "رصاص مصبوب 2" كان من الصعب استخراج قول لا لبس فيه منهم. هم ايضا تعلموا بانهم لا يعرفون وكرروا ما نحن نسمعه منهم منذ سنتين: بان حماس لا تزال مردوعة، لا تزال تحمل في ذاكرتها كي الضربة التي تعرضت لها. عندنا أيضا لم تتغير الاعتبارات التي بسببها لم تنطلق اسرائيل الى حملة لاسقاط حكم حماس منذ سيطرتها على القطاع في صيف 2007. وفيما يتحدثون، فانهم يعرفون بان كل شيء كان من شأنه أن يكون مغايرا، لو اصاب صاروخ القسام هذا الاسبوع روضة الاطفال في الكيبوتس ولم يسقط الى جانبها، وكل شيء كان يمكنه أن يتغير في قرار من لحظة الى لحظة.

* * *

        الاختلاف الاساس في الاحداث الاخيرة، قال مسؤول كبير في قيادة المنطقة الجنوبية هذا الاسبوع هو في دور حماس. بشكل مباشر، وجد تعبيره داخل الاراضي الفلسطينية في محاولة لضرب نشاطات التوغل التي ينفذها الجيش الاسرائيلي في القطاع. بشكل غير مباشر حماس ترخي اللجام للمنظمات الاخرى، ولا سيما الجهاد الاسلامي ولجان المقاومة، التي تنفذ معظم النار الصاروخية باتجاه الاراضي الاسرائيلية.

        لماذا؟ ذكر عدة اسباب محتملة، بينها ضغوط داخلية على الحكم في القطاع، الذي يتخذ صورة غير العنيف بما فيه الكفاية ضد اسرائيل، وكذا استكمال استعدادات حماس، كنتيجة لاستخلاص الدروس من رصاص مصبوب. جزءا من هذا الاستعداد وجد تعبيره في اطلاق صاروخ كورنيت نحو دبابة للجيش الاسرائيلي، وهو حدث سمح بنشره هذا الاسبوع.

        وهكذا انتقلت  اسرائيل ايضا الى الهجوم هذا الاسبوع مباشرة على اهداف حماس، مع تعليمات واضحة – هي الاولى منذ رصاص مصبوب – لضرب نشطائها واطلاق رسالة بان التدهور يجب أن يتوقف. ولمن يتذكر، فان التدهور الذي ادى الى رصاص مصبوب بدأ بتصفية خلية داخل الاراضي الفلسطينية الامر الذي تعتبره حماس مبررا للتصعيد وبدأت الدائرة المفرغة من صواريخ القسام – الرد عليها – صواريخ القسام حتى الحملة الكبرى. ولم يكن احد في الجيش الاسرائيلي مستعدا لان يقسم بان هذا ما سيحصل هذه المرة ايضا، مع أنه ظاهرا ليس هناك لاي من الطرفين مصلحة.

* * *

        كيف ستظهر صورة "رصاص مصبوب 2" اذا ما وعندما؟ النموذج الذي يرسمه الضباط في السنتين الاخيرتين هو نموذج ذات الشيء، ولكن بحدة اكبر بكثير. لديهم سلاح يصل بعيدا لمسافة اكبر ويهدد عددا اكبر من السكان، والتكتيك بالتالي هدفه اجتذاب الجيش الاسرائيلي الى داخل المنطقة المبنية، ضربه بالصواريخ المضادة للدبابات ومحاولة الحاق خسائرة اكبر به مما في الصدام السابق. ونحن؟ نحن سنكون اقل رقة بكثير، يقول الضباط. في ضوء التهديد المتصاعد على الجبهة الداخلية والحاجة الى تقصير مدة القتال الى الحد الادنى، سيرفع قسم كبير من القيود التي وضعناها على أنفسنا في كانون الثاني 2008.

        يمكن لنا أن نصدق الضباط بان هذا ما يفكرون به ويخططون له، ولكن يمكن ايضا الظن بان هذا لن يكون ما سينفذ بالفعل. يجدر بالذكر ان رصاص مصبوب ايضا خطط لها جيدا حتى التفاصيل الصغيرة – قائمة الاهداف كانت كبيرة ومفصلة، الوحدات تدربت مسبقا على اهدافها المحتملة – ولكن على المستوى السياسي – العملي جرى الامر من يوم الى يوم، ومن يد الى الفم. مما هو معروف ان وزير الدفاع ورئيس الاركان لم يرغبا على الاطلاق في الوصول الى خطوة برية، وان رئيس الوزراء اولمرت هو الذي دفع الى اطالة الحملة بل واغري في مرحلة معينة بفكرة اسقاط حكم حماس. واضح ان ما حصل عمليا كان خطوة في الوسط، مع أنها ضربت حماس ضربة كبيرة، الا انه لم يكن لها أي هدف جوهري يتجاوز ذلك.

* * *

        في النظر الى حملة مستقبلية من المهم أن نتذكر شيئا آخر: سياسة النار لدى الجيش الاسرائيلي في رصاص مصبوب اجتازت تشددا غير مخطط له كلما اقتربت الحملة، وبعد ذلك في سياقها. المخطط المركزي للحملة العميد تشيكو تمير، الذي كان (قائد فرقة غزة قبل وقت قصير من الحملة) اكتوى في الحدث العسير الذي قتلت فيه عائلة كاملة بقذيفة من الجيش الاسرائيلي، كنتيجة لمنظومة تحديد عليلة للهدف. وكانت تعليمات تمير لا لبس فيها: لن تكون نار مدفعية في منطقة مبنية. وكنتيجة لذلك وسعت صلاحيات القادة الميدانيين، على مستوى قيادات الالوية، في استخدام النار من الجو، التي هي اكثر دقة. ولكن كلما اقتربت الحملة تحول هذا التدريب الى إذن جارف لقادة الالوية لازالة، من خلال اطلاق النار من الطائرات، مبان يصدر عنها برأيهم، خطر على القوة. وبالتوازي ارخي اللجام في استخدام نار المدفعية، ولا سيما في حالات الانقاذ. التخوف من الاصابات كان الاعتبار الحاسم في استخدام القوة. من القيادة العليا وحتى آخر الجنود، نقلت الرسالة التي تفيد بانه اذا كان هناك تخوف من خطر على قواتنا، نطلق النار كثيرا، تقريبا بدون حساب.

        هذه الروح هي التي تقبع في اساس كل الحوادث، التي حقق فيها بعد ذلك في تقرير غولدستون، في تقارير المنظمات الدولية وفي نهاية المطاف، تحت ضغط كبير، في الجيش الاسرائيلي نفسه. هكذا ولدت الحادثة التي قتل فيها عشرات من ابناء عائلة سموني في قصف بيتهم، وهكذا اطلقت نار المدفعية تقريبا بلا تمييز بعد حادثة اطلاق النار على قواتنا، والتي اصيبت فيها غرفة عمليات لواء غولاني.

        في هذا المفهوم، فان لكل الاحاديث عن اللجام الذي سيرخى في الجولة القادمة من المواجهة، لا يوجد أي معنى: من الصعب التفكير باستخدام قوة كثيفة او اكثر حرية، بما في ذلك التسطيح المسبق لمناطق مبنية ومأهولة في قصف كثيف – الامر الذي قد يكون هناك اناس في اسرائيل يؤيدونه، ولكن احدا في الجيش الاسرائيلي لا يفكر فيه بجدية.

* * *

        لعل الوضع معاكس، بسبب النتائج السياسية لرصاص مصبوب. أصحاب القرار في القدس يعرفون، او يفترض بهم أن يعرفوا حجم الضرر الذي الحقته الحملة باسرائيل. يمكن الادعاء وعن حق بان بذور حملة نزع الشرعية ضدنا زرعت قبل ذلك بكثير، وان الاشخاص الذين يديرونها لا يقبلون شرعية الاحتلال الاسرائيلي – وبعضهم يرفض شرعية اسرائيل على الاطلاق. ولكن من تركيا وحتى غربي اوروبا – اطلقت رصاص مصبوب موجة من الغضب ليس تقرير غولدستون الا تعبيرا محليا عنها. يخطىء من يعتقد ان اسرائيل يمكنها أن تتجاهله في حالة اشتعال متجدد وان يديها ستكونان حقا حرتين في العمل كما تشاءان.

        من المعقول الافتراض بان من سيدير الحملة التالية وبعد شهرين سيدور الحديث عن قائد المنطقة الجنوبية الذي قاد رصاص مصبوب، سيكرر اختراع الخطوة البرية في "رصاص مصبوب" – التقدم دون تقدم. الدفاع في اليوم والقضم البطيء على نحو مدهش في الليل، في ظل التقطيع الذي يشبه شرائح السلامي للمنطقة حتى هوامش المنطقة المبنية ورفع العيون الى القدس كي يعلنوا هناك بان الامر قد انتهى.

        يوآف غالنت قال مؤخرا في احاديث مغلقة انه يفهم اليوم اعتبارات القيادة فوقه، التي رفضت اقتراحاته لتعميق الخطوة. وقد اراد غالنت بقوله هذا ان يطلق رسالة تفيد بانه يفهم بان ما يرى من مكتب رئيس الاركان يختلف عن المشهد من الغرفة الحربية لقيادة المنطقة الجنوبية. من الصعب الافتراض انه ستكون لديه فكرة ثورة أو اكثر هجومية.

* * *

        ولكن اسرائيل ستقاتل في رصاص مصبوب 2 بيدين مقيدتين. الحرب الحقيقية التي يخطط لها اليوم الجيش الاسرائيلي هي مواجهة متعددة الجبهات، سببها المعقول يرتبط بالصراع مع ايران، وسيشارك فيه بالحد الادنى حزب الله وحماس، وربما ايضا سوريا وايران نفسها. احد لا يريد أن يضيع لنا ما تبقى من شرعية على خطوة قوة عديمة المعنى، قد تحقق هدوءا نسبيا لزمن محدود – في 2010 اطلقت من غزة نحو 400 مقذوفة صاروخية (صواريخ وقذائف هاون) نصفها سقطت في اراضي القطاع وذلك مقابل نحو 4000 في السنة التي سبقت رصاص مصبوب – ولكنها من شأنها ان تقلص اكثر فأكثر حجم الشرعية الدولية التي تبقت لنا.

        عندما يحل اليوم، وكما اسلفنا فان هذا قد يحصل غدا، الذي سيضطر فيه بنيامين نتنياهو ان يقرر، هذه ستكون اساسات معضلته: حملة عقاب محدودة يعرضها كجسورة اقل من سابقتها ولكنها تلبي المصالح الكبرى  لاسرائيل، ام "رصاص مصبوب 2" – خطوة كبرى، عظيمة الضرر، وفي نهاية المطاف محدودة في الردع الذي تخلقه. اذا كان هناك من يعرف ماذا سيقرر نتنياهو، فلا بد انه كان يعرف في 11 تموز 2006 أنه ستكون حرب. كان من الصعب أن نجد هذا الاسبوع احدا ما يدعي أنه يعرف.