خبر بولارد مقابل تجميد البناء..هآرتس

الساعة 07:13 م|23 ديسمبر 2010

بقلم: يسرائيل هرئيل

إن جواسيس امريكيين سلّموا أكثر أسرار الدولة سرية الى قوى معادية، أو سلّموا جواسيس امريكيين أُعدموا بعد ذلك – أُفرج عنهم بعد مرور سنين غير كثيرة. وإن يونتان بولارد فقط الذي تجسس من اجل دولة ليس لها أي نيّة سيئة تجاه وطنه، وتجسس على أعداء هم في جزء منهم أعداء للولايات المتحدة ايضا – يتعفن في السجن منذ 25 سنة. أحد اسباب ذلك وقد يكون السبب الرئيس، هو أن النظرة اليه في اسرائيل – من الجمهور والحكومة – مزدوجة. أردنا أن يُفرج عنه لكننا لم نجهد بقدر كاف من اجل ذلك. فهو غريب وهو اجنبي وهو جاسوس. وأساس الصدود عنه انه تجسس من اجل اسرائيل وزاد الخطيئة على الجريمة بأن تجسس في وطنه الثاني. إن غير قليل من الاسرائيليين لا الجماعة الاستخبارية الامريكية وحدها، يرون هذا خيانة.

        "كان قليلون مثله في تاريخ التجسس في التاريخ الحديث"، كتب يوسي ملمان وايتان هابر في كتابهما "الجواسيس". "إن نجاحه هو من الانجازات الكبرى للاجهزة الاستخبارية ولم يكن له مثيل". هل الحديث عن بولارد؟ كلا بطبيعة الأمر. فقد كان في الحاصل جاسوسا صغيرا من أصغر طراز. كُتب هذا عن ماركوس كلينغبيرغ الخائن الذي سلّم السوفييت أكثر أسرار اسرائيل سرية.

        كانت خيانة كلينغبيرغ على شعبه ووطنه، ومع ذلك تنظمت في اسرائيل جماعة ضغط صارخة فعالة من أناس الحياة العامة ووسائل الاعلام دعت الى الافراج عنه. وأشار مستشارو الاعلام الذين انضموا اليهم بالتوقيع على مشاعر شفقتنا ("انه في الثامنة والسبعين، مريض بمرض عضال ويوشك أن يموت"، قال افيغدور فيلدمان لصحيفة "هآرتس" قبل خمس عشرة سنة). ونجح الضغط. فقد أُفرج عن كلينغبيرغ قبل احدى عشرة سنة وهو يعيش في باريس في الثالثة والتسعين من عمره ويحصل على مرتب تقاعد عميد. أعدت ايلانا ديان عنه في التلفاز برنامجين منافقين حولاّه من خائن الى بطل. من المؤكد ان كلينغبيرغ يحتقرنا للغفران الذي هو ثمرة عدم الثقة الداخلية وعدم تقدير للذات جذري استعملناه معه.

        كان مقدار ضغط رؤساء حكومات اسرائيل على رؤساء الولايات المتحدة من اجل الافراج عن بولارد بحسب الضغط الذي استعمله عليهم الرأي العام. عندما يكون الحديث عن الافراج عمن تجسس من اجل اسرائيل لا تقوم وسائل الاعلام بحملات دعائية مخطط لها كما قامت من اجل من خانها. إن أناس الحياة العامة الذين وقعوا على عرائض للافراج عمن خان وطنه وعرّضهم وعرّض عائلاتهم للخطر لا يوقعون على عرائض مشابهة تطلب الافراج عمن تجسس من اجل بلادهم.

        من يعمل اذا من اجل بولارد؟ زوجته إستر التي تزوجته وهو في السجن. فهي التي تستصرخ السماء والارض ولا أحد يسمعها. وحفنة من المجانين لا ينتمي أحد منهم الى المشاهير الذين وقعوا من اجل كلينغبيرغ. إن معظم الحملات الدعائية الاعلامية من اجل بولارد يتم من فوق صفحات "سورة" الاسبوع الموزعة في الكُنس. في هذا الجمهور خاصة، وباستعمال أدوات التعبير الفئوية هذه، يتم معظم الجهود للافراج عن الجاسوس الذي عمل من اجلنا جميعا.

        يُذكِّرنا هذا بالحملات الدعائية من اجل أسرى صهيون في الاتحاد السوفييتي. آنذاك ايضا انتمى النشطاء المركزيون الى هذا الجمهور. وعندما أُفرج عن نتان شيرانسكي وايدا نوديل كانت الأكثرية المطلقة من الآلاف الكثيرة ممن جاءوا الى مطار بن غوريون لاستقبالهما تشبه من يعملون اليوم من اجل بولارد. وقد جلس على المنصة بطبيعة الامر ذوو الشأن في الأمة الذين جاءوا لاظهار أنفسهم.

        ينبغي افتراض ان قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على التوجه رسميا الى رئيس الولايات المتحدة قد جاء بعد أن تم الاتفاق على أسس الصفقة للافراج عن بولارد. إن ما يشوش على الاجراء هو اقتراح نتنياهو أن يقرن ذلك (صحيفة "هآرتس" أمس) بتجميد البناء. وقد بيّن نتنياهو للامريكيين ان الافراج سيصرف الانتقاد عن تجميد آخر.

        انه مخطيء. فالجمهور العام غير مكترث كثيرا لمصير بولارد. أما الجمهور الآخر الذي يتألم لسجنه الطويل فسيحتقر نتنياهو احتقارا اذا قرن هذين الأمرين، في الحقيقة.