خبر نحن المجانين.. يديعوت

الساعة 09:13 ص|22 ديسمبر 2010

بقلم: افيعاد كلاينبرغ

(المضمون: اذا كان اليهود في الشتات محقين في التملص من الخدمة في جيوش دول تظلمهم، فاننا هنا لا يحق لنا ذلك كون هذه الدولة هي دولتنا. ولكن المجتمع لا يزال يقبل استمرار هذه النزعة لدى الاصوليين الذين يواصلون التملص من الخدمة بموافقتنا وصمتنا – المصدر).

اليهود في شرقي اوروبا لم يسارعوا الى الخدمة في الجيش. الجيوش، مثل المجتمعات التي اقامتها، كانت مفعمة باللاسامية. حياة اليهودي في جيش الاغيار كان يمكن لها أن تكون قاسية ومليئة بالعذابات.

مدى تضامن الكثير من اليهود مع بلدانهم كان محدودا. الدولة كانت من ناحيتهم هي العدو – كيان مميز ضدهم ومعادٍ، يسعى الى طالحهم. فلماذا المعاناة في الخدمة العسكرية والتضحية بالنفس من اجل الاغيار؟

لقد وجد اليهود أنفسهم بالتالي السبل للتملص من الخدمة بوسائل متنوعة ومختلفة. كان هناك من جوعوا أنفسهم ودخنوا بقدر كبير كي يصلوا الى اللجنة في وضع صحي متضعضع، كان هناك من رشوا لجان التصنيف، بل كان هناك غير قليل ممن شوهوا أنفسهم – وكل ذلك على الا يخدموا في الجيش. أتذكر أني عندما كنت طفلا جاء عم أبي من فرنسا للزيارة. وموضوع الاعفاء من الخدمة في الجيش البولندي طرح في الحديث. لنا في العائلة، كما كشف النقاب العم، كان سر مهني، ساعدنا على التملص من الخدمة دون الحاق الضرر بأنفسهم. وأرانا العم كيف يخرج عظمة الورك من مكانها. أمام ناظرينا اصبحت ساق واحدة اقصر بعدة سنتميترات من الثانية هذا مؤلم، ولكن بعد نصف ساعة من الالم امام اللجنة، التي لم تكن لديها صور أشعة، كان يكفي للحصول على الاعفاء المنشود. الان بالطبع ما كنت لافعل هذا، قال العم. لدينا دولة خاصة بنا، دولة اليهود.

هذا لا يعني أن الغرائز اليهودية بهتت دفعة واحدة. ففي فترة الانتظار التي قبل حرب الايام الستة اتصل العم ليعرض على العائلة ان تفر ناجية بنفسها الى فرنسا. ليس آمنا عندكم، قال. فتلعثم ابواي بشيء ما عن اختي التي تخدم في الجيش. نحن لا يمكننا أن نتركها. إذن ابعثوا الولد. اذا حصل الاسوأ فستنقذون احدا على الاقل. ابواي رفضا. فررنا بما فيه الكفاية، قالا. هذه بلادنا. ليس لنا بلاد اخرى. كنت في حينه طفلا صغيرا. ولكني افتخرت بابوي. تأتي لحظة يكون التزامك ليس منوطا بالتفاوض، حيث تفكك الحقائب، حتى بثمن الخطر وعدم الارتياح.

هذه اللحظة لم تصل الى الطائفة الاصولية في اسرائيل. حسب معطيات شعبة القوى البشرية في الجيش الاسرائيلي، نحو 45 في المائة من عموم متلقي الاعفاء النفسي هم اصوليون، رغم أن نصيبهم في كتاب الاحصاء السنوي هو 14 في المائة فقط.

ما الذي يمكن التعرف عليه من هذه المعطيات المفاجئة؟ يحتمل أن تكون المشاكل النفسية الخطيرة في اوساط الاصوليين اعلى عدة اضعاف منها في اوساط باقي المواطنين، ولكن هذا ليس معقولا. الاكثر معقولية هي أن اخواننا الاصوليين لم يستوعبوا بعد ما استوعبه ابواي عندما وصلا الى هنا، بان هذه الدولة هي دولتنا، وان محاولات التملص والتفادي لم تعد قابلة للتبرير.

في دولة تتمتع انت فيها بحقوق متساوية (بل وبحقوق زائدة)، والتي لديك فيها القدرة على اصلاح الامور التي لا تروق لك او على الاقل اطلاق كلمتك على رؤوس الاشهاد ودون خوف فانك ملزم بان تتخلص من الاحابيل العتيقة.

في الطائفة الاصولية لا يتخلصون من الاحابيل، بل يتخلصون من الخدمة – من كل نوع. في المجتمع الاصولي يسود الى جانب نزعة قوة شديدة (اراء سياسية متطرفة) والاستعداد لممارسة العنف – انطلاقا من معرفة قوزاقية بان "السلطة معنا" وانهم لن يكونوا مطالبين بدفع ثمن على افعالهم – اضافة الى نزعة المطالبة (نستحق، المزيد فالمزيد)، وعي يهودي شتاتي بالضحية المطلقة، المتملصة، عن حق، من واجبات لا تتوازن بالحقوق.

ثمة شيء عليل جدا ومثير للغضب جدا في هذه الاخلاق المزدوجة (الاخلاق غير قابلة للازدواج – الاخلاق المزدوجة هي انعدام الاخلاق). ولكن بقدر لا يقل عما يشهد هذا على الاصوليين، فانه يشهد علينا. في اللجان الطبية يسارعون الى منح الاعفاءات للاصوليين، ببساطة لاننا وافقنا على مذهبهم الفكري في أنهم مواطنون من نوع آخر، مواطنون يختارون من القائمة الاجتماعية ما يروق لهم. لعل المتملصين من اليهود في الشتات كانوا مخادعين. اما نحن فمجانين.