خبر البديل بين حل السلطة والاعتراف بالدولة- هاني المصري

الساعة 08:01 ص|21 ديسمبر 2010

البديل بين حل السلطة والاعتراف بالدولة- هاني المصري

رفض لجنة المتابعة العربية استئناف المفاوضات لحين تقديم "عرض جاد" من الإدارة الأميركية جعل التركيز الفلسطيني والعربي على طرح موضوع الاستيطان على مجلس الأمن والسعي للحصول على اعتراف من الدول بالدولة الفلسطينية في الوقت الذي ستعمل فيه الإدارة الأميركية لبلورة اتفاق إطار يتم التوصل له من خلال "المباحثات المتوازية"، حتى تقوم بطرحه على الطرفين، وبما يفتح الطريق لاتفاق انتقالي جديد.

إن طرح موضوع الاستيطان على مجلس الأمن، يمكن أن يكون خطوة إلى الوراء خشية من مجابهة مع إدارة أوباما التي هددت باستخدام "الفيتو" ضد الاعتراف الدولي بالدولة. فاستبدال الاعتراف بالدولة الذي تم التهديد به خلال الأسابيع الطويلة الماضية بالاستيطان، يمكن أن يكون خطوة إلى الأمام وأفضل من طرح مسألة الاعتراف بالدولة منذ البداية، إذا جاء كجزء من إستراتيجية متكاملة بديلة عن المفاوضات الثنائية المباشرة شرط السير بها خطوة وراء خطوة وبالتدريج حتى النهاية حتى لو أدى الأمر إلى انهيار السلطة (وليس حلها). فاعتماد إستراتيجية جديدة سيقود حتما إلى مجابهة مع إسرائيل والإدارة الأميركية لأن الحصول على الحقوق الفلسطينية لا يمكن أن يتحقق بدون هذه المجابهة.

إن سياسة الرهان على الولايات المتحدة كراع منفرد للمفاوضات الثنائية المباشرة لسنوات طويلة لم تحصد سوى الفشل، واستخدام إسرائيل للمفاوضات للتغطية على خلق أمر واقع احتلالي يجعل إمكانية تحقيق السلام العادل أو المتوازن مستحيلة.

لا يمكن الانتقال بقفزة واحدة من خيار المفاوضات إلى خيار المقاومة المفتوحة، بل لا بد من الانتقال بشكل واع و مدروس وبالتوقيت المناسب حتى لا نفقد الدعم الدولي.

لذا فإن اللجوء لمجلس الأمن للحصول على قرار حول الاستيطان يمكن أن يكون خطوة أولى في طريق طويل سيحقق في النهاية أهداف الشعب الفلسطيني. فالإدارة الأميركية ستفكر كثيراً قبل أن تستخدم "الفيتو"، لأنه سيظهرها كداعمة للاحتلال بأبشع أشكاله في الوقت الذي تدعي فيه أنها ضد الاستيطان.

لذلك هناك فرصة، ولو ضئيلة، أن تمتنع الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت وهذا يمكن من صدور قرار يعيد الموقف الدولي من الاستيطان إلى ما كان عليه سابقا قبل تآكله بعد سلسلة التراجعات باعتبار الاستيطان "مجرد عقبة في وجه السلام" أو "إدانة استمرار الاستيطان" كأن الاستيطان القديم أصبح من الحقائق التي يجب أخذها بالحسبان عند توقيع اتفاق سلام كما جاء في ورقة الضمانات التي منحها بوش لشارون، وأكدت عليها إدارة أوباما أكثر من مرة.

إذا استخدمت الإدارة الأميركية "الفيتو" ضد مشروع قرار حول الاستيطان ستكون وحدها معزولة لأن الأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس الأمن متوقع أن تصوت مع القرار أو تمتنع عن التصويت، وهذا يعطي للإدارة الأميركية رسالة بأن الفلسطينيين والعرب يملكون خيارات أخرى وجادون بالسير فيها، ولا يكتفون بالتهديد بها.

إن إدانة الاستيطان دولياً تمكن من الانتقال لخطوة أخرى هي إعداد مشروع قرار يطالب مجلس الأمن بتحديد مرجعية لعملية السلام، فلا يمكن أن تبقى بدون مرجعية أو مرجعيتها اتفاقات لا تلتزم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بها، بحيث كان التفاوض سيد نفسه، وأصبح الأمن الإسرائيلي هو المرجعية الوحيدة لعملية السلام.

إن الدول المشاركة في مجلس الأمن ستقف أمام مسؤولياتها وستكون محرجة أمام رفض مثل هذا القرار لأنه مطلب واقعي فكيف يمكن استمرار المفاوضات العبثية بدون مرجعية. فإذا أراد العالم إنقاذ عملية السلام التي ماتت وشبعت موتاً منذ انتهاء المرحلة الانتقالية في أيار 1999 وفشل قمة كامب ديفيد، فعليه أن يحدد المرجعية القادرة على إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام، وهذا لا يمكن بدون مفاوضات تسعى لتطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وليس التفاوض حولها أي تستند إلى مرجعية واضحة وملزمة للطرفين، وتتم في إطار دولي فاعل وكامل الصلاحيات في ظل ضمانات دولية حقيقية وآلية تطبيق وملزمة وجداول زمنية قصيرة. إن انتقال الموقف الدولي من موقفه الحالي الخاضع لإرادة الولايات المتحدة الأميركية إلى الموقف المتوازن لا يكون من خلال الطلبات والتمنيات والتوسلات والانتظار المفتوح للمبادرات الأميركية التي لا تأتي وإذا جاءت تكون منحازة لإسرائيل، وإنما من خلال جمع أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية وتوظيفها في ميزان العلاقات العربية - الدولية بصورة عامة والعربية - الأميركية بصورة خاصة.

إن نقطة الثقل في أي إستراتيجية فلسطينية وعربية يجب أن تكون العمل لتغيير موازين القوى القائمة على الأرض والمختلة بشكل ساحق لصالح إسرائيل، وهذا يتطلب تعزيز الصمود وإعادة الاعتبار للمنظمة وتفعيلها وإصلاحها وإعادة تشكيلها بحيث تضم الجميع، وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني، وإعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أسس تضمن الديمقراطية والشراكة الحقيقية، وتنظيم مقاومة شاملة مثمرة تهدف إلى رفع كلفة الاحتلال.

في هذا السياق فقط يكون التحرك السياسي بكل أشكاله مجدياً، بحيث يمكن استعادة المكانة التي كانت للقضية الفلسطينية وتفعيل القرارات الدولية المؤيدة للقضية الفلسطينية خصوصا تقرير غولدستون، والفتوى القانونية لمحكمة لاهاي وغيرها، ومواصلة التحرك السياسي لمحاصرة وملاحقة إسرائيل حتى نصل إلى وضع دولي يفرض المقاطعة عليها و ينفذ العقوبات ضدها.

ومن أجل إظهار الجدية للدعوات الفلسطينية لشق الطريق نحو بدائل عن المفاوضات الثنائية المباشرة لا بد من الإعداد لاتخاذ الخطوات التالية :

*مطالبة المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل بتطبيق جميع الالتزامات التي استحقت عليها منذ توقيع اتفاق أوسلو، واعتبار أن الفلسطينيين في حل من التزاماتهم مادامت إسرائيل لا تلتزم بها.

وفي هذا السياق يمكن وقف الالتزامات بشكل تدريجي، فهي التزامات سياسية وأمنية واقتصادية.

يمكن البدء بوقف التنسيق الأمني مروراً بوقف اتفاقية باريس وانتهاء بسحب الاعتراف بإسرائيل.

*رفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل والمطالبة بمقاطعتها سياسياً وأكاديمياً وثقافياً واقتصادياً، خصوصاً مقاطعة الاستيطان عملاً وتعاملاً وتجارة لتأكيد أن الاستيطان غير شرعي ويجب وقفه تمهيداً لإزالته.

*فصل السلطة عن المنظمة من خلال إعادة السلطة إلى مكانها الطبيعي كأداة من أدوات المنظمة، وحصر دور السلطة بالمهمات الخدمية دون أن يكون لها أي دور سياسي، بحيث تعود الدائرة السياسية في المنظمة لمتابعة الشؤون الخارجية والسفارات، وتخفيض عدد وتكاليف ومهمات الأجهزة الأمنية، وتحويلها إلى المنظمة باستثناء الشرطة.

*التخلي عن وهم إقامة الدولة بالقريب العاجل وإقامة المؤسسات الضرورية لخدمة إستراتيجية الصمود والمقاومة والتحرك السياسي، وما يقتضيه ذلك من إقامة اقتصاد متقشف يقلل كثيراً من الاعتماد على المنح والمساعدات الخارجية.

إن الإستراتيجية المقترحة السابقة يمكن أن تقدم بديلا حقيقيا عن المفاوضات الثنائية المباشرة، يجعلنا نغادر حالة الانتظار، التي تتراوح ما بين انتظار نجاح الإدارة الأميركية باستئناف المفاوضات وبين السعي المتناقض للحصول على الوصاية الدولية أو على اعتراف بالدولة الفلسطينية، وبين التهديد بالمقاومة الشعبية والتلويح اللفظي بحل السلطة ثم التراجع عنه.

إن حل السلطة بقرار أو انهيارها تحت وطأة مجابهة غير محسوبة مع الاحتلال، بدون إستراتيجية جديدة قادرة على توحيد الفلسطينيين، وفي ظل الانقسام يمكن أن يؤدي إلى الفوضى والفلتان الأمني، وإلى المزيد من الشرذمة والانقسام وتدهور القضية الفلسطينية، بحيث لا نكون أمام تحمل الاحتلال لمسؤولياته، وإنما أمام نشوء سلطات عديدة متنازعة، وبروز خيارات وبدائل أخرى إسرائيلية وعربية ودولية على أنقاض الحلم الفلسطيني بإنجاز الحرية والعودة والاستقلال