خبر وهم البدائل السبعة ..عريب الرنتاوي

الساعة 08:00 ص|21 ديسمبر 2010

وهم البدائل السبعة ..عريب الرنتاوي

نحن نعرف الآن، أن الرئيس لن يتنحى كما أبلغ الأستاذ حازم مبيضين من الزميلة "الرأي"، فهو صاحب مشروع وطني، والمشروع الوطني لا يتنحى ولا يستقيل وطالما أن الرئيس لن يستقيل، فإن السلطة لن تستقيل ولن "تتنحى" بدورها، وإلا كيف سيظل الرئيس رئيساً... نحن متيقنون الآن بأن السلطة لن تُحل، بخلاف تهديد عباس ووعيده، اللذين لم يجف حبرهما بعد، فقد "عمّق شعث عباس وأوضح تصريحاته"، وبيّن دحلان، حليف عباس بالأمس وخصمه المنقلب عليه اليوم، بأن حل السلطة هو "خيار انتحاري".

 

ما الذي تبقى من خيارات أمام السلطة غير الذهاب إلى مجلس الأمن والجمعية العامة والاستمرار في بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال وتفعيل المقاومة الشعبية؟... هل هي خيارات فعلاً، وهل تحظى هذه الخيارات بالأهمية ذاتها عند أهل السلطة؟.. هل هي خيارات كافية لرفع كلفة الاحتلال؟.. وأين تتجه القضية الفلسطينية في ضوء هذه التطورات والخيارات؟

 

فوضى التصريحات والبيانات والمواقف التي تعيشها رام الله، تعكس حجم المأزق الذي يعيشه "مشروع المفاوضات حياة"، وهو المشروع الذي يقول أصحابه شيئاً في الصباح ويتراجعون عنه في المساء، ولم يعد لأحدهم من وظيفة سوى توضيح مواقف الثاني وتصريحاته، لكأننا عجزنا عن القراءة والكتابة، وبات وعينا قاصراً عن إدراك مرامي "العربية" واستنطاق لسان الضاد.

 

نحن مع السلطة الفلسطينية في كل ما ذهبت إليه من اقتراحات وبدائل وخيارات، بدءاً من التوجه إلى مجلس الأمن والجمعية العامة، وانتهاء بتطوير المقاومة الشعبية وتفعليها. لكننا ونحن نفعل ذلك، نشدد على أمرين اثنين:

 

الأول، أننا لم نر حتى الآن، "مقاومة شعبية" يجري تطويرها وتفعيلها، ولا نحسب أن السلطة جادة في هذا الخيار، ونرى أنها تطرح المقاومة الشعبية لقطع الطريق على الدعوات والنداءات المطالبة باستئناف المقاومة بكل أشكالها، ولغايات متصلة بالجدل الفلسطيني المحلي، وليس كأولوية من أولويات المرحلة السياسية القادمة... فالذي يريد مقاومة شعبية عليه من باب أولى، أن يوقف "التنسيق الأمني" مع الاحتلال وأجهزته الأمنية.

 

والثاني: أن الخيارات والبدائل التي يجري التداول بشأنها، إنما يتم انتقاؤها بصورة تتساوق مع "سيناريو الحل المتواطئ عليه" الذي تحدثنا عنه من قبل، مبكراً وقبل أن يتطرق إليه كثيرون كما قال قارئ بالأمس... فالتوجه إلى مجلس الأمن سيقتصر على موضوع الاستيطان، ولن يطال مسألة الدولة المستقلة، وملاحقة "إسرائيل" قانونياً ليس مدرجاً على جدول الأعمال الفلسطيني على نحو جدي، و"المقاطعة الشاملة" لسلطة الاحتلال ليست من بين الخيارات ونحن نطالب بها، ولم نسقطها لا عمداً ولا سهواً كما أشار قارئ آخر بالأمس أيضاً.

 

القراءة الواقعية لسلوك السلطة والمنظمة وفتح والرئاسة، وليس لأقوالها، تشف عن جدول الأعمال الفلسطيني في المرحلة المقبلة، من دون "تزويق" أو "تضليل"، من دون "مزاودة" أو "مناقصة"، وفي مقدمة بنود الجدول المذكور ما يلي:

 

(1) السلطة تستمر في بناء المؤسسات والتنسق الأمني...

 

(2) لا انسحاب من المفاوضات وإنما بحث عن مخارج وأغطية ومسميات جديدة لممارسات وطقوس قديمة، المفاوضات مستمرة وستتواصل تحت مسميات وتغطيات مختلفة ومضللة...

 

(3) لا مصالحة ولا وحدة وطنية، بل جولات متلاحقة من "حوار الطرشان" لكسب معركة العلاقات العامة وبغرض الإلهاء والتلهي...

 

(4) لا خروج عن سقف "المتابعة" ومندرجات "الاعتدال العربي" ومقتضيات "الوساطة الأمريكية"...

 

(5) استدعاء اعتراف العالم بدولة فلسطينية مفترضة على حدود 67، ولكن على الأرض، لن تتعدى حدود الدولة القائمة ما تسمح به "إسرائيل" ومقتضيات نظرياتها الأمنية وحساباتها الديموغرافية...

 

(6) الانتهاء واقعياً من دون الإقرار لفظياً، إلى دولة الحدود المؤقتة والحل الانتقالي بعيد المدى والسلام الاقتصادي، وتوظيف الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية المستقلة لتسويق وتسويغ التهام "دويلة البقايا والمُزق والكانتونات"، "دويلة الأنفاق والجسور".

 

لفظياً، تبدو السلطة كمن يمتلك خيارات وبدائل عدة، فهي تتحدث عن "حل السلطة" و"الدولة ثنائية القومية" و"الاستقالة والتنحي" و"المقاومة الشعبية والعصيان المدني"... لكنها واقعياً تعمل على خيار واحد أوحد، ويبدو أنها لا تمتلك غيره: "دولة الممكن، البقايا ولحدود المؤقتة"، الدولة المفتوحة على احتمالات التطور إلى دولة على مساحة تعادل مساحة الضفة الغربية وليس خط الرابع من حزيران، وهي في هذا السياق ومن أجله، تستعجل الاعترافات الدولية بهذه الدولة، وتغذ الخطى باتجاه الجمعية العامة عبر بوابة "الاتحاد من أجل السلام" لتفادي "الفيتو الأمريكي" في مجلس الأمن والكونغرس... ولهذا السبب بالذات، يمضي أهل السلطة في ترجمة مشروع سلام فيّاض لبناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال وكأن شيئاً لم يكن، كما يتواصل "التنسيق الأمني" بل وترتفع وتائره، باعتباره الوسيلة الوحيدة لتفادي "الفيتو الإسرائيلي" الأمني والسياسي.

 

بالطبع، ليس هذا الخيار - السيناريو الذي يشق طريقه على الأرض، بالسيناريو المحبب والأثير على قلوب أهل السلطة وقياداتها، فهم يفضلون بلا شك، حلاً توافقياَ شاملاً مستوفياً لجميع عناصره، ولكنه السيناريو الوحيد الذي يتيحه خيار "المفاوضات حياة" المأزوم... الحل الذي يمكن أن تجود به توازنات القوى القائمة على الأرض، وتفضي إليه حالة العجز الفلسطيني والتهافت العربي... إنه السيناريو الوحيد المترتب على دخول المنطقة بمجملها مرحلة "إدارة الأزمات"، بدل حسم الملفات وإغلاقها، كما قلنا في هذه الزاوية بالذات، تعقيباً على إعلان واشنطن فشلها في إقناع "إسرائيل" تجميد الاستيطان، ودعوتها الأطراف الدخول في مفاوضات غير مباشرة، متوازية ومتزامنة.

 

صحيفة الدستور الأردنية