خبر حتى لا نضيّع «السؤال الرئيس»: كيف نرفع كلفة الاحتلال؟ ..عريب الرنتاوي

الساعة 10:48 ص|19 ديسمبر 2010

حتى لا نضيّع «السؤال الرئيس»: كيف نرفع كلفة الاحتلال؟ ..عريب الرنتاوي

أن نذهب إلى مجلس الأمن طلباً للإدانة الدولية لسياسة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، فهذا أمر مرغوب ومطلوب، وعلينا أن نقدم عليه برغم الفيتو الأمريكي المشهر في وجوهنا... وأن نستظل بـ"الاتحاد من أجل السلام" في طريقنا إلى الجمعية العامة سعياً وراء استصدار قرار عنها، يعترف بدولة فلسطين في حدود العام 1967 فهذا أمر يجب أن نجرّبه، والأرجح أننا سننجح فيه، في ظل وجود غالبية دولية واضحة وتلقائية، إلى جانب حقوقنا وكفاح شعبنا.

 

وأن تتوالى الاعترافات الدولية المسبقة بدولة فلسطين، قبل إعلانها على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وبالذات من قبل دول "اليسار اللاتيني"، فهذا أمر يثير الأمل في نفوسنا، ويقنعنا بأن ضمير المجتمع الدولي ما زال يقظاً، و"أن الدنيا ما زالت بألف خير".

 

كل هذه العناوين الكفاحية، وأخرى غيرها، يمكن أن تكون جزءاً من برنامج عمل وطني فلسطيني، بل وأن تتصدر عناوين الاستراتيجية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، مرحلة ما بعد "سقوط خيار المفاوضات"، ويمكن أن نضيف إليها عناوين أخرى من نمط الملاحقة القانونية ل"إسرائيل" ومحاربة التطبيع معها، والسعي لنزع الشرعية عنها وعن احتلالها في مختلف المحافل وعلى جميع الصعد.

 

لكن ما نريد أن نؤكد عليه في هذا المقام، أن البعض منّا يريد أن يستبدل خيار "المفاوضات حياة" بخيار "نقل المفاوضات إلى مجلس الأمن والجمعية العامة"، يريد أن يجعل من هذه العناوين ألف الاستراتيجية الفلسطينية المقبلة ويائها، مع أنها على أهميتها، تشكل محوراً واحداً من محاور هذه الاستراتيجية، ولا يمكنها أن تختزل الاستراتيجية بكل أبعادها.

 

"إسرائيل" دولة مارقة، لا توجد دولة في العالم وصفت إيديولوجيتها بقرار أممي بأنها "عنصرية وتمييز عنصري"، ولا توجد دولة في العالم، حظيت بالإدانة والتنديد عالمياً مثلها، ولا توجد دولة في العالم تعرضت لما تعرضت له الدولة العبرية من عزلة ومقاطعة ونبذ، ولكنها مع ذلك، ظلت تواصل عدوانها وتوسعها الاستيطاني والعنصري، واستمرت في بناء عناصر القوة والاقتدار والتفوق النوعي، مدعومة بالانحياز الأمريكي التام لها، ومتسلحة بالعجز الأوروبي عن اتخاذ موقف فعّال ومستقل.

 

قد يضير "إسرائيل" صدور قرارات دولية جديدة ضدها، و"إسرائيل" منزعجة دون شك من محاولات نزع شرعيتها في مختلف المحافل الدولية، وهي تسعى في تفادي الأسوأ، ولا ترغب في رؤية ملف احتلالها واستيطانها ينقل إلى الأروقة الدولية، وهي عرفت كيف تبتز السلطة، وكيف تمنع ملاحقتها القانونية، وكيف تحبط استخدام "الشرعية الدولية" للرد على سياسات وممارسات "إسرائيل" المنتهكة لكل قواعد القانون الدولي.

 

لكن الأمر الذي لا تريد السلطة الفلسطينية أن تخوض به حتى الآن، والسؤال الذي تجهد لتفادي الإجابة عليه، هو هل يمكن النظر إلى هذه الخطوات، بوصفها استراتيجية فلسطينية بديلة؟... هل تكفي خطوات من هذا النوع، وبفرض نجاح المسعى الفلسطيني في الحصول على ما يريد من قرارات واعترافات دولية، لكي تجبر "إسرائيل" على وقف العمليات الاستيطانية التوسعية، وإنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية؟.

 

الجواب على هذه الأسئلة من وجهة نظرنا يقول، بأنه من دون رفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي على الأرض وفي الميدان، فإن جميع هذه المكاسب في حال تحقيقها، ستظل قاصرة عن تحقيق الهدف الفلسطيني الأول: كنس الاحتلال، توطئة لقيام الدولة الفلسطينية... جوابنا على هذه الأسئلة ينهض على فرضية الجميع بين مختلف أشكال النضال وساحاته وميادينه، وبصورة تعظم مكاسب هذه النضال، وتمكن الشعب من قطف ثماره وتفضي إلى زيادة التراكم التاريخي لصالح قضية الحرية والاستقلال.

 

لا قيمة لمكاسب على الساحة الدولية، فيما "إسرائيل" تنعم باحتلال غير مكلف، مريح ومربح، فيما "التنسيق الأمني" يوفر للاحتلال ذراعاً ثالثة، يطال بها المقاومين والنشطاء...لا قيمة للدبلوماسية ومكاسبها المحلقة في السماء، فيما على الأرض، نقوم نحن، بتوفير الحماية للمستوطنات والحواجز والطرق الالتفافية، ونحول "مقاومتنا الشعبية والسلمية" إلى مجموعة من الأنشطة من تلك التي اشتهرت بها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المدنية والأهلية.

 

لنذهب إلى مجلس الأمن، بالتزامن مع تسيير المظاهرات ضد الحواجز العسكرية والمستوطنات والجدار... لنذهب للجمعية العامة بحثاً عن الدولة، بعد أن نوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال... لنطارد "إسرائيل" قانونياً وحقوقياً، بدل أن نرشح لمقايضاتها، ونضرب صفحاً عن جرائمها.... لنذهب إلى أربع أرجاء الأرض، طلباً لاعتراف العالم بدولة فلسطين المستقلة، في الوقت الذي نسيّر فيه وفود المصالحة والحوار والوحدة، بعيداً عن الوصايات والوساطات التي ضرت وما نفعت.

 

إن لم نفعل ذلك، كل ذلك، وبالتزامن والتوازي، فإننا نكون قد دشنّا فصلاً جديداً من فصول إضاعة الوقت وتقطيعه... هدر الجهد وتبديده.

 

صحيفة الدستور الأردنية