خبر روسيا تتحدّى ديبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ..باتريك سيل*

الساعة 10:46 م|17 ديسمبر 2010

روسيا تتحدّى ديبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ..باتريك سيل*

تسببت هزيمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو للرئيس الأميركي باراك أوباما في مسألة المستوطنات بصدمةٍ للنظام الدولي.

 

لقد تمكّن نتانياهو من تجاهل مطالب أوباما المتكررة بتجميد توسيع المستوطنات، ويعود السبب إلى حدّ كبير إلى نفوذ أصدقاء "إسرائيل" داخل النظام السياسي الأميركي، نفوذ تعزّز أخيراً بنتيجة فوز الجمهوريّين اليمينيّين المؤيدين ل"إسرائيل" في انتخابات الكونغرس الأميركي التي أُجريت خلال الشهر المنصرم.

 

وقد تسبّب ذلك بموجةٍ عارمةٍ من الذهول والذعر في أرجاء العالم، خارج الولايات المتحدة. كما أدّت العراقيل التي واجهتها الديبلوماسيّة الأميركيّة في الشرق الأوسط وواجهها أوباما شخصياً إلى إعادة التفكير في ما يمكن توقّعه حقيقة من واشنطن في السنوات المقبلة بالنسبة إلى حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي المستمر منذ زمنٍ بعيد.

 

في الوقت الراهن، يميل كلّ من الاتحاد الأوروبي وروسيا إلى التصدّي للاحتكار الأميركي لعملية السلام العربيّة - الإسرائيلية، احتكار أثبت عدم جدواه، وإلى المطالبة باتخاذ إجراءاتٍ صارمةٍ مشتركة.

 

وإن لم يتمّ التوصّل إلى حلّ للصراع العربي - الإسرائيلي وإن بقي التوسّع الإسرائيلي مستمرّاً على حساب الفلسطينيين من دون أن تتمّ السيطرة عليه، تسود مخاوف واسعة النطاق من أن يفضي ذلك إلى نمو التطرف الإسلامي وبالتالي إلى زيادة الهجمات الإرهابيّة على المدن الغربيّة.

 

بعث 26 رئيساً أوروبياً سابقاً برسالة إلى رئيس الاتحاد الأوروبي فان رومبوي والى نائبه السيدة كاثرين آشتون يطالبون فيها الاتحاد بتقديم اقتراحاتٍ شاملةٍ لحلّ الصراع العربي - الإسرائيلي، بما يشمل وضع إطارٍ زمني واضحٍ وتحديد لبنود مرجعيّة العملية السلمية.

 

وبدا نفاد صبر روسيا واضحاً حيال فشل الديبلوماسيّة الأميركيّة في الشرق الأوسط خلال مؤتمرٍ حول الصراع العربي - الإسرائيلي استمر طوال يومين في مالطا، في 9 و10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، حضرته مجموعة كبيرة من الخبراء الروس المتخصّصين في شؤون الشرق الأوسط، وكان في عدادهم وزير خارجية ورئيس وزراء روسيا السابق يفغيني بريماكوف ورئيس لجنة الشؤون الخارجيّة في المجلس الفيديرالي الروسي ميخائيل مارجيلوف ومدير معهد الدراسات الشرقيّة في الأكاديميّة الروسية للعلوم فيتالي ناومكين، فضلاً عن عددٍ كبيرٍ من المسؤولين والسفراء والصحافيين. وما لفت الانتباه هو تمكّن عدد كبير من الروس المشاركين من اللّغة العربيّة.

 

إلى جانب هؤلاء، حضر المؤتمر الذي نظمه نادي النقاش «فالداي» عشرات المشاركين من العالم العربي و"إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركيّة وأوروبا. وكانت وكالة الأنباء الروسيّة «نوفوستي» قد أسّست هذا النادي عام 2004 بالتعاون مع المجلس الروسي للسياسة الخارجيّة والدفاع مع عددٍ من المؤسسات الروسيّة الأخرى، بهدف استطلاع الرأي الدولي حول المواضيع التي تشكّل مصدر قلق في نظر روسيا. ويبدو أن النادي يحظى بدعمٍ كبيرٍ من الحكومة الروسية ومن رئيس الحكومة فلاديمير بوتين نفسه.

 

ومن بين العناوين الرئيسة التي تناولها مؤتمر مالطا ضرورة إحياء وتوسيع ومنح دور فاعل للّجنة الرباعيّة الدوليّة (وتتألف من أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) التي طالما طغت عليها الولايات المتّحدة. وتوافَق معظم المشاركين في المؤتمر على أن احتكار الولايات المتحدة لعملية السلام لم يسفر عن نتيجة. وعليه أصبح من الضروري اليوم اتخاذ خطوات مشتركة.

 

وعبّر المتحدثون العرب والفلسطينيون، من جانبهم، عن خوفهم من فشل أوباما في التعاطي مع "إسرائيل" وأعربوا عن أملهم الشديد في أن تتمكن روسيا من إنقاذ عملية السلام. لكن، على رغم الاعتراف الواسع النطاق بأن عصر الهيمنة الأميركيّة ولّى، فإن أحداً لم يبدُ جاهزاً لاقتراح استبعاد أميركا كلياً. أمّا الرأي الذي تمخّض عنه المؤتمر، فكان أنه يتعيّن ببساطة إفساح المجال أمام مشاركين آخرين.

 

نورد في ما يأتي بعضاً من الأفكار التي تمّ التطرق إليها خلال المؤتمر:

 

* بما أنّ المسار الثنائي بين "إسرائيل" والفلسطينيين بات مسدوداً، آن الأوان لإعادة إطلاق المفاوضات المتعددة الأطراف التي من شأنها أن تشرك لاعبين إقليميين، على غرار تركيا وإيران، في هذه القضيّة.

 

* قد يضع مؤتمر دولي يعقد في موسكو الركائز الأساسيّة لإعادة إطلاق المفاوضات المتعددة الأطراف، ويمكن أن يتزامن مع المحادثات التقريبيّة التي يحاول المبعوث الأميركي جورج ميتشل إدارتها بين "إسرائيل" والفلسطينيين.

 

* تم التطرّق إلى فكرةٍ أخرى أقل طموحاً وهي عقد اجتماعٍ طارئ للّجنة الرباعيّة الدولية بغية وضع مسوّدة اقتراحات محدّدة لحل النزاع ووضع إطار زمني لتطبيقها.

 

* جرى اقتراح توسيع اللّجنة الرباعيّة لتصبح سداسيّة من خلال إدخال الصين والهند إليها.

 

* كما طُرِحت فكرة أخرى لاقت ترحيباً واسعاً وهي استبدال ممثل اللّجنة الرباعيّة غير الفعّال توني بلير بشخصية دولية أخرى، ربما تكون روسيّة هذه المرّة.

 

* هناك حاجة ملحّة جرى التطرّق إليها بهدف تطوير أفكار عمليّة ترمي إلى إنشاء نظام أمني في الشرق الأوسط. والجدير ذكره أن الولايات المتحدة سلّطت اهتمامها على ضرورة توفير الأمن ل"إسرائيل" وحدها، على أن يحصل ذلك على حساب أمن جيرانها في أغلب الأحيان. وقد آن الأوان للتفكير في بناء نظامٍ إقليمي يستطيع توفير الأمن للجميع.

 

وأشاد متحدثون روس مرموقون بالرئيس أوباما وامتدحوا المقاربة المنصفة المبكرة التي اعتمدها لمواجهة الصراع، ما قد يجعله أوّل رئيسٍ أميركي يقدم على خطوة من هذا القبيل. لقد بدأ على نحوٍ جيّد ولكنه هُزم بسبب البيئة السياسيّة السائدة في الولايات المتحدة. لقد بات الآن أضعف من أي وقت مضى، ولا يمكن توقّع الكثير منه.

 

أمّا اللّجنة الرباعيّة فاتّسم أداؤها بالركود الكبير. وهي تركت الأمور كافّة بيد الولايات المتّحدة. لذا يتعيّن عليها اليوم أن تمسك بزمام المبادرة وتقترح حلولاً ملموسةً لمثل هذه المشاكل الأساسيّة، على غرار حدود "إسرائيل" النهائيّة ومصير اللاجئين الفلسطينيين وإمكانيّة إقامة عاصمة الدولة الفلسطينية في القدس الشرقيّة.

 

وشرح عدد كبير من الروس أن بلادهم تريد الحصول على دورٍ أكبر في صناعة السلام في الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تملك مقومّات نافعة عدّة، فهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وتتمتع بعلاقات طيّبة مع الدول العربيّة. وقد عزّزت علاقاتها مع "إسرائيل" إلى حدّ كبير، حيث يتم تسيير 80 رحلة جويّة أسبوعياً في الوقت الراهن بين موسكو وتل أبيب، كما تم إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين.

 

لكن، وكما شدد عدد كبير من المشاركين، فإن روسيا لا تملك سلطةً مطلقةً. وهي غير قادرة على الحلول مكان الولايات المتحدة في أداء دور الوسيط الحصري. وهي لم تطمح إلى استبدال الولايات المتحدة، بل أكثر منه إلى إحياء اللّجنة الرباعيّة والى توسيع نطاق مهماتها وإلى منحها صلاحياتٍ أكبر وبالتالي إلى تأمين التغطية السياسيّة للأمم المتحدة، بغية تمكينها من الانضمام إلى الجهود الدوليّة من أجل كبح التوسّع الإسرائيلي الخطير.

 

ومن الضروري إقناع "إسرائيل" بأن سياساتها الحالية ربما لن تتيح لها تأمين مستقبلها الطويل الأمد. فهي اعتادت ثقافة قائمة على الإفلات من العقاب. بيد أن هذا الوضع غير قابل للاستمرار، إذ يتوجب محاسبتها على تصرّفها غير القانوني. ويتعيّن عليها أيضاً أن تعي أن صراعها مع العرب قد تفاقم وتحوّل اليوم إلى صراعٍ مع العالم الإسلامي بأسره، إذ تجري في الوقت الراهن أسلمة القضية الفلسطينيّة. ولكن إذا تمت إعادة تحديد أطر الصراع على أسس دينية، فإن حلّه سيزداد صعوبةً.

 

وشدّد المتحدثون، الواحد تلو الآخر، خلال مؤتمر مالطا، على أن الوقت بدأ ينفد. وفي حال عدم اتخاذ أي خطوات في غضون الأشهر الاثني عشر المقبلة، فإن حلّ الدولتين سيموت ويكون الميدان مفتوحاً أمام المتطرفين في كلا الجانبين. أما النتيجة التي يمكن توقّعها فتقوم على المزيد من عدم الاستقرار ومن العنف وقد تتأتّى عن ذلك حتّى حرب إقليميّة جديدة.

 

انتهى المؤتمر بنوعٍ من التشاؤم. إذ إن أحداً لم يستطع تصوّر وسيلةٍ تسمح بالخروج من وضعٍ تسبّبت به أميركا ضعيفة وأوروبا مقسّمة وعالمٍ عربي راكد ومهووس بالخطر الإيراني المزعوم، ومجتمعٍ فلسطيني منقسم جغرافياً وعقائدياً، فضلاً عن وجود حكومةٍ إسرائيليةٍ لا تلين ولا تضعف وربما تحلم بالاستيطان في الأراضي كافّة الممتدّة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.

 

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط

 

صحيفة الحياة اللندنية