خبر سجن أريحا ..« غوانتانامو فلسطين » رؤية من الداخل

الساعة 06:45 م|17 ديسمبر 2010

سجن أريحا .."غوانتانامو فلسطين" رؤية من الداخل

فلسطين اليوم- وكالات

بالرغم من أن السجون سيئة السمعة كسجني أبو غريب في العراق و غوانتنامو في كوبا، قد بدأ أصحابها بالتخلص والتبرئ منها ولو إعلامياً، لما تحويه من خروقات كبيرة في حقوق الإنسان، إلا أن أجهزة السلطة الأمنية التي أنشأها الجنرال الأمريكي "كيث دايتون" لا تزال مستمرة في غيِّها وقمعها لأبناء الشعب الفلسطيني من مناصري حركتي الجهاد الإسلامي وحماس وتبدي إعجابها الكبير بهذه السجون وتعيد استنساخها.

وتبدو كل سجون السلطة المنتشرة بكل محافظات الضفة سيئة السمعة، إلا أن سجن أريحا يعتبر أسوأها بحسب شهادة من دخلوه، والذين يصفونه بأنه "غوانتنامو فلسطين". 

الموقع والتوصيف

يقع سجن أريحا في مدينة اريحا الشفا غورية، والذي تعرض للاقتحام من قبل القوات الصهيونية في 16/4/ 2006 لاعتقال أمين عام الجبهة الشعبية احمد سعدات على خلفية قتل وزير السياحة الصهيوني "رحبعام زئيفي".

يتكون قسم المختطفين السياسيين في السجن من خمس غرف، كل غرفة تعتبر سجناً منفصلاً عن الآخر، ولا يَعرِف المختطف أياً من المختطفين في الغرف الأخرى، لعدم السماح له بالاختلاط بهم، لا من خلال الحياة اليومية ولا بالفورة.

وينقل إلى هذا السجن كل المختطفين الذين تصنفهم السلطة بحسب تقديراتها أو تقديرات الاحتلال "بالشديدي الخطورة"، ونظراً للسرية غير الطبيعية التي تفرضها إدارة سجن أريحا عليه، فلا يمكن تحديد عدد نزلائه على وجه الدقة، إلا أنه يمكن تقديرهم بالثلاثين مختطفاً، أغلبهم من حركة حماس و حركة الجهاد الإسلامي.

لكل غرفة باب حديدي من النوع السميك، إطاره محاط بمطاط قوي عازل للصوت، ولا نافذة فيه، إلا فتحة صغيرة لا يفتحها إلا السجان من الخارج، ليحكم مراقبته على النزلاء أثناء وجودهم داخل غرفهم، وأيضا لا نوافذ للغرفة بالمعنى المعروف، إلا من " طاقة " في أعلى بعض واجهاتها، مغلقة بصفيح من الحديد المخرم، لا يسمح إلا بدخول القليل من الهواء ولا شيء من الشمس.

 

المنع من ممارسة الشعائر الدينية

 

ووفقا لما نقله بعض من خرجوا منه، والذين أكدوا لـ" المركز الفلسطيني للإعلام" أن إدارة السجن المتمثلة بالمدير عماد سمودي ونائبه علي الأسمر، تمنعهم من القيام ببعض الشعائر الدينية، وتضيق عليهم بأخرى.

 

وأضافوا بأن هذا التضييق بحسب توقعاتهم غير ناتج عن سياسة مركزية من قبل قادة ما يسمى بجهاز "الاستخبارات"، بل مرتبط بمزاجية مدير السجن ومساعده، حيث يمنع المختطفون في السجن من رفع الأذان للصلوات الخمس وأدائها في جماعة، كما يمنعون من أداء صلاة الجمعة، كما ويجبرهم مدير السجن على حلق لحاهم باستمرار ويمنعهم من تربيتها.

 

ويروي بعض المختطفين أنهم شكوا هذا التصرف لعميد الجهاز، والذي تقع إدارة سجن أريحا تحت مسؤوليته، فأوعز له بالسماح لهم بتربيتها، إلا أن المدير وبعد انتهاء العميد من زيارته، بدأ بشتم الذات الإلهية ووزع ماكينات الحلاقة على المختطفين وطالبهم جميعهم بحلق لحاهم تحت طائلة العقوبة.

سوء المعاملة

ويبدأ سوء المعاملة من لحظة قدوم المختطف إلى هذا السجن، حيث يجبر على حلق لحيته ومن ثم يخضع لعملية التفتيش العاري، بحجة الاحتياطات والإجراءات الأمنية، وأي اعتراض على هذه التفتيش من قبل المختطف يكون عقابه العزل الانفرادي في الزنازين لعشرات الأيام، ولا تخلو الألفاظ البذيئة من صيغة أي طلب أو أمر من الأوامر التي يلقيها العساكر على المختطفين، هذا عدا عن شتم الذات الإلهية التي لا يتورع بعض العساكر عنه في ساعات غضبهم؟!!

وتسمح الإدارة للمختطفين بالخروج للتعرض للشمس يومياً ولمدة ساعة ونصف فيما يعرف ب"الفورة" ، إلا أنها تمنع أيا منهم خلالها الحديث مع الآخرين من نزلاء غرفته، كما وتمنعهم من اصطحاب سبحاتهم، أو ساعاتهم، حتى لا يعترضوا على الإدارة إن قامت بحسم جزء من وقت الفورة، وتستغل الإدارة "الفورة" كثيرا من الأحيان لتفتيش غرف المختطفين والعبث بمحتوياتها ونفلها من مكانها وذلك بشكل شبه أسبوعي لحجج أمنية.

 

كما تقوم بِعَدِّ المختطفين في غرفهم ثلاث مرات يومياً، وكل من يصدف انشغاله لذهابه لقضاء الحاجة أو أداء الصلاة، فإن مصيره العقاب، والزنازين كفيلة بذلك، وتقوم الإدارة كنوع من العقاب بوضع بعض المختطفين السياسيين مع سجناء جنائيين من المحكومين بسبب جرائم قتل أو شروع به في نفس الغرفة، الأمر الذي يضاعف مأساة المختطفين، لتعمد بعض هؤلاء الجنائيين رفع صوت التلفاز على المحطات الغنائية أثناء تأديتهم للصلاة، كما يتعمدون إزعاج المختطفين من خلال المجاهرة  بالإفطار في أيام رمضان، والقيام بطهي الطعام جهاراً نهاراً وأمام ناظري السجان، كما تعمل الإدارة في بعض الأحيان على وضع عدد كبير من المختطفين يصل إلى ستة عشر نزيلاً في الغرفة الواحدة.

صعوبة الزيارة والتكلفة الباهظة

أما عن زيارة الأهالي لأبنائهم فهي مسموحة لمرة واحدةٍ أسبوعياً، ولمدة ساعة تقريباً، ولكن بُعدُ المسافة بين المدن الفلسطينية التي ينحدر منها المختطفون عن السجن يؤدي لزيادة أعبائهم المادية والجسدية، بحيث تقدر تكلفة الزيارة الواحدة بـ(ـ400 شيكلاً)، أي ما يعادل (120 دولاراً أمريكياً)، وهو مبلغ باهظ بالنسبة للعائلة الفلسطينية متوسطة الدخل، علاوة عن الجهد البدني والإرهاق من طول السفر ذهابا وإيابا، الأمر الذي يضطر الأهالي لزيارة أبنائهم مرة واحدة شهرياً.

 

و تفصل مدينة اريحا عن مدينة نابلس ما يقارب 72 كم وعن الخليل 75 كم وعن قلقيلية 100 كم ، وتمنع الإدارة الأهالي من إدخال أي من الوجبات التي تطهوها الأمهات لأبنائهن المختطفين، كما وتمنعهن من إدخال أي من أدوات الطبخ لهم، ما يجبر المختطفين على شراء كل شيء من مقصف السجن، الذي يبيعهم حاجاتهم بأسعار تتجاوز أسعار السوق بشكل ملفت.

 

وتعمل الإدارة على مصادرة أدوات المطبخ من كل مختطف قادم من سجن آخر، لإجباره على شرائها من المقصف، أما الملابس فتسمح بدخولها بحسب مزاجية الإدارة، فأحيانا تسمح بإدخال بنطال بدلة رياضية وتمنع سترتها؟!!.

الطعام والعناية الصحية

 

تقدم الإدارة للمختطفين ثلاث وجبات طعام يومياً، إلا أن المختطفين أكدوا سوءها من حيث الكمية والنوعية، فالكمية التي تقدم لغرفة فيها خمسة عشر مختطفا بالكاد تكفي ثلاثة أشخاص، وعند الاعتراض.. يكون الرد بـ "هذا الموجود".

 

وتفيد الشروط الإنسانية بضرورة تقديم (150 غراماً ) من أي نوع من اللحوم يومياً للأسير، إلا أن هذه الكمية تقدم لثلاثة أو أربعة مختطفين في سجن أريحا، هذا إن احتوت الوجبة على اللحوم، بل تتعمد الإدارة تقديم وجبة "المجدَّرة" الخالية من أي نوع من اللحوم بشكل أسبوعي، وعندما يكون الطعام: أرز وشوربة خضار أو بازيلاء أو فاصولياء بنوعيها الأبيض والأخضر، تكون نسبة الخضار قليلة جدا بالمقارنة مع الشوربة، الأمر الذي يضطر المختطفين لشراء الطعام من مقصف السجن وبسعر باهظ ، وبمنع المختطفون من امتلاك الملاعق الحديدية، لذا فهم مجبرون على شراء البلاستيكي منها.

أما العلاج الطبي فان على المريض الانتظار عدة أيام لإجابة طلبه برؤية الطبيب، ويقتصر الدواء على أدوية وجع الرأس ومغص المعدة، أما أدوية الأمراض الشديدة والباهظة الثمن، فيتوجب على المختطف دفع ثمنها من جيبه، وإلا فعليه تحمل الألم.

 

المؤسسات الإنسانية

 

يؤكد المختطفون في سجن أريحا أن المؤسسات الإنسانية تزورهم على فترات متباعدة، وتقوم الإدارة بمنع المختطفين من الشكوى عن أي من سلبيات الاعتقال، وتمنع أي منهم الجلوس فرادا مع مندوبي المؤسسات الإنسانية والحقوقية، بحيث يبقى السجان مرافقا للمندوب في كل تنقلاته بين الغرف.

 

وكل مختطف يتجرأ على البوح بما يعانيه من أسى، تتم معاقبته بنقله إلى الزنازين وحرمانه من زيارة الأهل ومن اغلب حقوقه داخل السجن، وأما توصيات الحقوقيين فلا يتم تنفيذ أي منها، لأن الأوضاع لا تتغير بل وبحسبهم تزداد سوءاً.