خبر الملتين.. يديعوت

الساعة 10:08 ص|17 ديسمبر 2010

بقلم: بن كاسبيت

(المضمون:  نتنياهو يعرف بانه لا يوجد حل آخر غير حل الدولتين، ويعرف أنه لا توجد صيغة اخرى غير صيغة كلينتون. ولكن في نفس الوقت بالضبط يؤمن بانه لا يوجد أي احتمال في تحقيق مثل هذه التسوية، وان ابو مازن لن يوقع ابدا على شيء كهذا، وانه في نهاية العملية سيبقى بلا شيء. تخلى عن كل شيء ولم يجلب السلام - المصدر).

إذن اين بنيامين نتنياهو؟ هل، مثلما سأل في حينه ارئيل شارون ينبغي تصديق يده اليسرى أم يده اليمنى؟ هل يقصد ما يهمسه في آذان الرئيسين بيرس واوباما ام أنه في واقع الحال يقصد بقدر أكبر ما يهمس به في آذان بيني وبوغي وريفلين أيضا؟

يخيل لي أنه في حالة نتنياهو هذا السؤال غير ذي صلة. يمكنه أن يكون هنا وان يكون هناك في آن معا. فالفكرتان جيدتان. الطرفان مقنعان. لماذا ينبغي للمرء أن يختار واحدا منهما، حين يكون ممكنا استخدامهما حسب الحاجة؟ وحسب نهجه، فالواقع ليس سوى سحرا عابثا. مذهبه يمكن أن يكون مصنوعا من الملتين. مادة جيدة، هي الملتين، يمكن للمرء أن يصنع منها كل شكل يشاء.

نعم، في عقل نتنياهو بالتأكيد اجتاز الروبيكون، وهو يعرف بانه لا يوجد حل آخر غير حل الدولتين، ويعرف أنه لا توجد صيغة اخرى غير صيغة كلينتون (والتي قريبا ستتلقى تعديلات وتحولات لتصبح صيغة اوباما)، وهو يعرف ان لا بديل غير التسليم بهذا الوضع الاضطراري. ولكن في نفس الوقت بالضبط يؤمن بانه لا يوجد أي احتمال في تحقيق مثل هذه التسوية، وان ابو مازن لن يوقع ابدا على شيء كهذا، وانه في نهاية العملية سيبقى بلا شيء. تخلى عن كل شيء ولم يجلب السلام. تماما مثل باراك بعد كامب ديفيد. في مثل هذه الحالة يخشى نتنياهو أن يفقد نواة التأييد له "القاعدة".

لا يريد أن يفقد القاعدة. لا يريد أن يجد نفسه يجمع الاصوات في الوسط وفي اليسار ويطرد موشحا بالعار. وهو مصمم على رأيه التنافس في الانتخابات في المرة التالية كزعيم اليمين. هناك ينتمي. لا توجد له أي نية للتخلي عن هذا المنصب لافيغدور ليبرمان حتى لو أن اليمين لم يعد مثلما كان من قبل وحتى لو كان هو نفسه اعترف بمبدأ الدولتين وروى لمن ينبغي له ان يروي داخل الغرفة، بانه يجب الانسحاب الى خط الجدار، وابقاء الكتل وتقسيم البلاد. باختصار، بيبي هنا وهناك. لا توجد عصا طويلة جدا بالنسبة له. سيواصل دوما الاجتهاد للامساك بها من طرفيها، حتى لو كان هناك خطر واضح وفوري بانه في النهاية سيكسر يديه.

الرجل الشجاع

في الليكود ايضا يمكن رسم خط انكسار. من جهة، اليمين التقليدي. بيغن وريفلين هما الايديولوجيان الكبيران لهذا المعسكر. بوغي يعلون هو السيد التنفيذي. فقد وصل الى هناك ليس بسبب ما تربى عليه في بيت أبيه (هناك بالذات رضع نظرية اخرى)، بل بسبب التحليل الواعي للواقع. يولي ادلشتاين وزئيف الكين التنفيذيان السياسيا. خلفهما الشباب، المتمردون المحتملون، تسيبي حوتبيلي، يريف لفين وداني دانون ايضا.

ولكن هذا المعسكر ليس وحده هناك. حياله يوجد معسكر لا يقل كبرا، ولكنه أكثر تواضعا بكثير. معظم اعضائه لم يخرجوا من الخزانة بعد. رجال هذا المعسكر، في الليكود (!!)، يعتقدون بان فكرة وحدة البلاد تبددت، وان لا مفر وانه يجب التخلي وتقديم تنازلات عميقة واليمة ليس فقط من أجل تحقيق السلام (اذ أنه يوجد هناك ايضا قلائل يعتقدون بانه يمكن التوقيع على تسوية مع الفلسطينيين)، بل وايضا من اجل الحفاظ على الشرعية وترسيم الحدود.

رجال هذا المعسكر الذي لا يوجد شيء يميزهم عن رجال كديما يعتقدون بان المستوطنات المنعزلة، التي يسكن فيها نحو 70 الف اسرائيلي هي عبء ثقيل على رقبة اسرائيل. وان من الافضل الانفصال عن الفلسطينيين هنا والان. زعماء هذا المعسكر دان مريدور وميخائيل ايتان. ولكن فيه كثيرون وطيبون. بل ومفاجئون. وايضا ممن تحدثوا بحزم ضد التجميد الثاني. وهم سيكونون مستعدين لطرح ارائهم بالتفصيل في محادثات مغلقة جدا، مع ضمانة محدودة كبيرة كي لا يكشف النقاب عنها.

متى سيخرجون الى النور. ليس مؤكدا في عهدنا. فالنور يزيغ ابصارهم، لدرجة العمى. كانوا سيخرجون الى النور لو ان نتنياهو قد اجتاز الروبيكون ليس فقط برأسه، بل وبجسده ايضا. لو أنه جاء بخطة جريئة ووضعها امامهم، على الطاولة، عندها كانوا سيأتون، بخطى مترددة، ويصطفون خلفه، واذا كان ممكنا حتى وهم ملثمون.

مريدور، صحيح حتى اليوم، هو الرجل الشجاع. يكاد يكون الوحيد الذي يقول رأيه بصوت عالٍ. وكل اسبوع تقريبا يجلس في دائرة أصدقاء. الجمهور فيها اعضاء مركز الليكود. آخر لقاء كان في يوكنعام. وهو يوجه نظرة مباشرة الى الرفاق ويقول لهم انتهى الحلم. يجب الانسحاب الى خط جدار الفصل. يجب اخلاء مستوطنات. يجب اخذ الصدارة، المبادرة، لانقاذ اسرائيل من الوضع المستحيل الذي علقت فيه. صحيح، يحتمل الا يكون ممكنا في هذه اللحظة الوصول الى صيغة والاتفاق (مريدور يعارض بحزم تقسيم القدس)، ولكن يجب انقاذ العربة من الوحل.

ما يقترحه ليس فك ارتباط اضافي، فهو يقول ان الاول فشل (رغم انه لو كان ذا صلة في تلك الايام لصوت في صالحه أغلب الظن)، وعليه يجب استخلاص الدروس منه. المستوطنات والمستوطنين يخرجون، ولكن الجيش الاسرائيلي يبقى. الامن في ايديه.

مريدور يتحدث عن الاضطرارات، عن الساحة الدولة، عن نزع الشرعية، عن التآكل في مكانة اسرائيل في العالم. وفي كل مرة يجد نفسه متفاجئا من جديد. إذ قبل بضع سنوات كان مثل هذا الخطاب في دائرة اصدقاء من الليكود يؤدي الى طرده مكللا بالعار من المكان. اما اليوم. فالرفاق ينصتون، ويكاد لا يثورون. قسم كبير منهم يوافق. وهذا يحصل له كل اسبوع من جديد.

هذا الاسبوع، في الكنيست، خاض تجارب مماثلة مع ميخائيل ايتان. يتبين أن ايتان ايضا يعيش ذات الوضع. هو ايضا يتحدث عن هذا كل الوقت وهو ايضا يكاد لا يتعرض لاي انتقاد من الداخل. ومعا تبادلا التجارب التي خاضاها. هل هذا حقيقي؟ هل حصل شيء ما للناس؟ هل يوجد تغيير حقيقي على الارض؟ من السابق لاوانه جدا قول ذلك. المؤكد هو أن الارتباك شديد. قوة رجال فايغلين في الحزب لا تزال عالية. كما أن اليمين الايديولوجي حي يرزق في داخله. ولكن هناك انطباع بان في المرة الاولى تتبلور في الليكود قوة معتدلة ايضا، برغمانية، قوة سلمت للوضع وتنسجم في الخط مع الواقع. هذا الارتباك يهتف داعيا الى زعيم ما، غير موجود.

الثقة تقطعت

المشكلة الاساس لبنيامين نتنياهو هي انه قريبا جدا ستجرى عليه محاولة بالقوة لنزع اللثام. فقد قرر الامريكيون بانهم ملوا من الالاعيب وهم يطالبون بالاجوبة. خطاب هيلاري كلينتون يوم الجمعة الماضي في "منتدى سبان" في واشنطن كان واضحا ولاذعا. يريدون أن يحصلوا على الموقف الاسرائيلي في كل المسائل الجوهرية.

يريدون أن يرسموا الجدول. صف هنا تحت عنوان فلسطين مع كل ما يبدي الفلسطينيون الاستعداد له في مسائل الحدود، الامن، اللاجئين، المياه، القدس وما شابه، وصف مقابل تحت عنوان اسرائيل مع كل المواقع المفصلة في المسائل آنفة الذكر. وعندها يضاف الى هذه المعادلة صف آخر تحت عنوان الولايات المتحدة أو اوباما ليس مهما ايهما، وفيه اقتراحات الجسر الامريكية.

نتنياهو يخاف جدا من صفه الذي سيجبره على كشف مواقفه وخسارة العالم. فهل سيكشف عن مواقفه الحقيقية؟ في البداية ينبغي له أن يقرر ما هي اراؤه الحقيقية. اذا ما سجل هناك ما درج على ان يقوله لاوباما وبيرس، فسيسقطه اليمين. اذا ما كشف عن المواقف التي يقولها للمستوطنين، سينبذه العالم والادارة الامريكية ستشطبه.

ولكن الخوف الحقيقي يخافه نتنياهو من الصف الامريكي في الجدول. من اقتراح الجسر الذي سيتقدم به اوباما. وهو آخذ في التكون، الان يبدو معقولا ومقتربا، ونتنياهو لا يريده حقا. وهو يتذكر على نحو ممتاز اقتراح جيمس بيكر الذي طولب في حينه اسحق شمير لان يجيب عليه بنعم أو لا. نتنياهو لا يريد أن يتوجه الى الانتخابات التالية وفوق رأسه تحوم معضلة وجودية كهذه. في كوابيسه الليلية يرى تسيبي لفني تقول نعم ذات صدى لاوباما، تحظى باحترام الملوك اما هو فستخنقه عناقات ايلي يشاي واليمين المتطرف. وهو يعرف بانه في مثل هذا الوضع سيفقد غموضه السياسي، قدرته على مواصلة الرقص في كل الاعراس واطلاق التلميحات لكل المعسكرات. يتعين عليه ان يختار احد الجانبين. ان يقرر. هذا، نحن نعرفه منذ الان، وهو لا يعرف كيف يفعله.

وضعه الحالي في الادارة الامريكية في غاية السوء. بعد شهر العسل القصير في الصيف، صحت الاطراف. هيلاري كلينتون تقول عنه، في احاديث مغلقة، اقوالا قاسية. الثقة الهشة التي بدأت تنبت، تبددت ولم تعد. الامريكيون فهموا بانهم من هذه الشجرة لن يستطيعوا أن ينتزعوا أي عصير. وهم لم يعودوا يضغطون لضم كديما الى الحكومة. وهناك انطباع بانهم في غاية اليأس. كل ما يعنيهم الان هو الكشف عن الوجه الحقيقي لنتنياهو. اجباره على الاختيار. وسيمارسون عليه ضغطا هائلا. ثأرهم سيكون ربما باردا ولكنه أليم. يمكن لنا أن نشم البوادر عن كل هذا في واشنطن هذا الاسبوع، ولا سيما في خطاب كلينتون. ابو مازن وفياض حظيا هناك بعدد لا يحصى من الثناء، في مواضيع مختلفة. الاسم نتنياهو لم يذكر تقريبا.

تعميق العلاقة

"منتدى سبان" يعقد للمرة السابعة على التوالي. مبادرة مشوقة. حاييم سبان، الاسرائيلي الاكثر نجاحا في امريكا، جلس ذات مرة مع مارتين اينديك وسأله كيف يمكنه، برأيه، ان يساهم في المسيرة السلمية. اينديك اقترح على سبان ان يقيم معهد تفكير في معهد "بروكينغز". وقال سبان ان هذه فكرة ممتازة، وسأل ما هو بروكينغز. اما اليوم فقد بات يعرف.

المنتدى يعقد مرة كل سنة، على التوالي، في واشنطن وفي القدس. هدفه هو تعميق وتعزيز العلاقة بين اسرائيل وامريكا في ظل تطوير المسيرة السلمية. سبان يجلب الى هناك كل العالم وزوجته (في هذه الحالة تسمى زوجته هيلاري ايضا)، تجلب كبار رجالات الادارة القائمين والسابقين، كبار رجالات الاستخبارات والجيش من الولايات المتحدة واسرائيل، سياسيين اسرائيليين كبار، سياسيين امريكيين كبار جدا (جو ليبرمان، جون ماكين، هورد بيرمان، اريك قنطور، هذه قائمة جزئية جدا)، رجال اقتصاد، مجتمع، حتى فلاسفة وصحفيين.

الندوات التي تعقد في اثناء ثلاثة ايام المنتدى مغلقة تماما امام وسائل الاعلام، محظور الاقتباس عنها ولهذا فهي تتميز بصدق استثنائي وتسمح للجانب الامريكي والاسرائيلي بالحديث دون اقنعة. في الاروقة يمكن رؤية افرايم هليفي يثرثر مع جورج تينت. توم فريدمان مع ناحوم برنياع، غيورا ايلند ودان شبيروا (من كبار رجالات مجلس الامن القومي)، موشيه كابلنتسكي واليوت ابرامز، ايتمار رابينوفتش ومايكل اورن وجملة لا حصر لها من الثنائيات والمعارف مشوقة تؤدي الى عصف عقول نادر.

هذه السنة دعي الى المنتدى ايضا رجال اقتصاد كبار، بل ومصرفيون. طرفنا مثله يثير سروسي من بنك هبوعليم، ركيفت عميناح من بنك ليئومي، وحتى اليعيزر شكدي مدير عام العال بل وفلاسفة ايضا.

احدى الندوات الاكثر خصوصية هذه السنة كان يجلس فيها الفيلسوف الاسرائيلي موشيه هلبرتال، المفكر الامريكي ليئون فيزلتير، الصحفي دافيد بروكس وناحوم برنيع وادار الندوة توم فريدمان. وكان الموضوع التغييرات في المجتمع الامريكي وفي المجتمع الاسرائيلي.

وكانت ندوة أثارت الكثير من الافكار الحادة. أدارها آري شافيت وشارك فيها اربعة من كبار النواب الامريكيين. كان مشوقا سماعهم. في مرحلة معينة نهضت من الجمهور نيتا لوي. عضو الكونغرس الديمقراطية اليهودية وسألت اريك قنطور الجمهوري سؤالا صعبا. وقد جسدت هذه الندوة كيف يمكن ان تكون هناك منظومة سياسية مليئة بالخلافات السياسية القطبية دون رفع الصوت. كيف يمكن اجراء جدال عسير في ظل تبادل الثناء السخي.