خبر سيناريو قرار ظني افتراضي: « اسرائيل » اغتالت الحريري بصاروخ جو ارض

الساعة 06:43 م|15 ديسمبر 2010

سيناريو قرار ظني افتراضي: "اسرائيل" اغتالت الحريري بصاروخ جو ارض

تقرير خاص موقع قناة المنار

من أهم المسائل التي أثارت جدلاً كبيراً في لبنان عقب اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري هي الفرضيات بشأن كيفية حصول الجريمة فتعددت بين قائل بأن التفجير انطلق من عبوة مزروعة تحت الارض، الى قائل بأنها كانت محمولة في سيارة ( الميتسوبيشي)، وصولا ًالى فرضية الاغتيال جواً بواسطة صاروخ اطلق من طائرة عسكرية اسرائيلية او اميركية.       

وبما أن طريقة تنفيذ جريمة الاغتيال في جريمة الرئيس الحريري تلعب دوراً بارزاً – كما في كل جريمة - في كشف بعض الملابسات أو التفاصيل أو حتى المؤشرات التي قد يكون لها معاني هامة في طريقة الاستدلال على الجهة المرتكبة للجريمة، لذلك كان هذا البحث المعمّق في طريقة تنفيذها؟.

 

 طريقة تنفيذ الاغتيال :

ان ًحجم وقوة وطريقة تنفيذ التفجير الذي استهدف موكب الرئيس الحريري يشير :

أولا – الى أن الجهة التي تقف خلف الاغتيال هي جهة كبيرة جداً ومنظّمة ولديها خبرة وقدرة استخباراتية لوجستية وعملانية تنفيذية. 

ثانياً – الى أنه كان يراد من طريقة الاغتيال تحقيق أهداف فرعية معينة في سياق الهدف الأكبر من الجريمة ومنها:

-    ضمان تحقيق النتيجة بحيث لا يكون هناك أي أمل بنجاة الرئيس الحريري

-    تعقيد التحقيقات وتضليلها بحيث يصعب كلما كبر حجم التفجير التوصل الى معرفة الجناة الحقيقيين

-    استثارة الغرائز وشحن النفوس من خلال تحقيق القتل بصورة شنيعة، وهو ما يؤكده الكاتب الألماني يورغن كولبل صاحب كتاب "الأدلة المخفية في اغتيال الحريري" حينما يقول إنه "وفقاً لخطة بشعة، كان اغتيال الشخص الذي يختصر لبنان (رفيق الحريري) مدبّراً ليظل محفوراً الى الأبد في أذهان اللبنانيين، ويجعل منهم أدوات لما عرف بعد ذلك بثورة الأرز".

هذه الملاحظات تطرح سؤالاً جوهرياً حول الطريقة التي تمت بها تنفيذ جريمة اغتيال الرئيس الحريري، والتي يمكن حصرها بثلاث فرضيات لا غير:

 

*فرضية التنفيذ بواسطة عبوة زرعت تحت الأرض :

 

هناك الكثير من المعطيات والمؤشرات التي توصل الى نتيجة واحدة مفادها استبعاد فرضية من هذا النوع بالنظر لصعوبات عملية تعيق عملية زرع متفجرات قد يصل وزنها طن تحت الأرض في منطقة واقعة في وسط بيروت وتشهد حركة مستمرة ليلاً نهاراً ما من شأن ذلك أن يفتضح أمر القتلة، هذا من جهة، ولصعوبة تنفيذ الاغتيال بهذه الطريقة من جهة أخرى، هذا فضلاً عن أن الحفرة الهائلة التي أحدثها الانفجار، والمساحة المتضررة المحيطة بمسرح الجريمة توحي بأن الانفجار لم يحصل تحت الأرض وإلا لكانت رقعة المساحة المتضررة أقل اتساعاً.

فلو أن المواد المتفجّرة كانت مدفونة تحت سطح الأرض فإنها تنتج علمياً تمدداً عنيفاً للغازات والحرارة والصدمة والصوت الشديد وما يشبه الهزة الأرضية الخفيفة لكن ليس لها نفس القدرة التدميرية في المجال المفتوح وبما أن الأرض غير قابلة للإنضغاط فان التدمير ينحصر في المحيط المجاور. أما إذا وضعنا الشحنة فوق السطح فسيكون تأثير الموجة الانفجارية لمكان أبعد.

 

وبالتالي فان استبعاد هذه الفرضية يقود اذاً الى نتيجة لا لبس فيها ولا تأويل وهي أن التنفيذ تم اذاً باحدى فرضيتين هما :

-    التفجير بواسطة انتحاري يقود سيارة مفخخة تحمل كمية كبيرة من المتفجرات قد تصل أو تزيد عن 1000 طن .

-    الاغتيال جواً بواسطة صاروخ أطلق من طائرة عسكرية

 

 

*فرضية تنفيذ الاغتيال بواسط سيارة مفخخة يقودها انتحاري:

 

لم يثبت بأن الطريقة التي استخدمت في الاغتيال هي "سيارة مفخخة" يقودها انتحاري، وذلك لأسباب عدة منها:

 

1- الحفرة الناتجة عن الانفجار هي بعرض 9×15 متراً، وبعمق 3 أمتار، وبالتالي، كان من المفترض بالعبوة– لو أنها كانت محمولة في سيارة فوق الأرض بحسب الخبراء- أن تكون بزنة 6 أطنان من المواد الشديدة الانفجار على الأقل كي ينجم عنها هكذا حفرة، في حين الواقع الذي أكدته كل التقارير هو أن زنة العبوة لا تتجاوز الطن من المتفجرات، ما يحتّم أنها لم تكن فوق الأرض وإلا لما أحدثت حفرة كهذه.

 

2- الحفرة المتولدة عن الانفجار يبرز منها قسطل مياه متضرر مغطى بالطين والبحص، ما يظهر أن الانفجار وقع في جزء منه تحت الأرض على عمق ليس بقليل، لأن عبوة محمولة في سيارة فوق الأرض لن تصل إلى هذا العمق لتنبش قساطل شبكة المياه التحتية. ( وهنا مقارنة بالصورة ما بين الحفرة التي أحدثها اغتيال الحريري واحدى الحفر التي تسبب بها القصف الجوي الاسرائيلي على الطرقات اللبنانية في حرب تموز 2006 ) الصورة رقم 2 أ - تظهر قصف بصاروخ في غزة و الصورة 2 - ب - التفجير الذي احدثه الصاروخ في اغتيال الحريري.

 

3- السيارة المتوقفة إلى جانب الحفرة والتي كانت موجودة لحظة الانفجار ما زالت محتفظة بشكل هيكلها، بينما كان من المفترض أن تطير لمسافات بعيدة وتدمّر بشكل كلي لو كان الانفجار قد نجم عن قنبلة بزنة عدة أطنان محمولة في سيارة غير بعيدة عن هذه السيارة

 

4 – عصف القوة التدميرية لعبوة مزروعة على متن سيارة مفخخة لا شك بأنه كان سيكون موجها باتجاه موكب الحريري على يمين السيارة أو شمالها، وبالتالي فإن قوة الدفع للأشياء المحيطة بها ستجعلها تتطاير في احدى تلك الاتجاهات يميناً أو شمالاً، وفي ضوء ذلك فانه لا يمكن تفسير تطاير إحدى سيارات موكب الحريري الى الطابق الثالث في مبنى مجاور إلا من خلال القول بأن التفجير تم من أسفل الى أعلى ما جعل تلك السيارة تعلو بهذا الارتفاع. ( نموذج صورة للتفجير من تحت الارض والتفجير من فوق الارض/ الحريري – الصورة رقم 3).

 

 5 - ان أي عبوة مزروعة تحت الارض أو فوقها بسيارة مفخخة، كان سيتم رصدها من قبل أجهزة الانذار والتشويش الموجودة في موكب الرئيس الحريري.

 

بالاستناد الى هذه التحليلات المشار اليها أعلاه يتبين لنا أن احتمال التفجير بواسطة سيارة مفخخة هو احتمال غير منطقي ولا تؤيده الوقائع على الأرض، وفي نفس الوقت من المستبعد أيضا ًأن تكون أية جهة قد حفرت الأرض ودفنت عبوة بزنة طن أو اثنين تحتها ثم أعادت ردم الحفرة، في منطقة مكتظة ليلاً نهاراً دون أن يلحظ ذلك أحد. ما يطرح السؤال:  كيف تم الاغتيال اذاً؟. 

 

*فرضية تنفيذ الاغتيال جواً بواسطة صاروخ أطلق من طائرة عسكرية :

 

لا شك بأن تحليل شكل الحفرة التي أحدثها الانفجار وحجمها من حيث اتساعها وعمقها تحديداً وما ذكرناه سابقاً عن تطاير احدى سيارات موكب الحريري الى الطابق الثالث لمبنى مجاور، فضلاً عن ما ظهر من خلال الصور المعروضة لجثة الرئيس الحريري التي كانت متضررة كثيراً في جزئها السفلي، في حين بقي الرأس والجزء الأعلى لجسده في حال أفضل، كل هذه الدلائل توصل الى طرح فرضية الاغتيال بواسطة صاروخ موجّه من الجو وتجعل كفتها الأكثر رجحاناً بين ما سبقها من فرضيات. لكن يبقى هناك بعض الجوانب التي تحتاج لايضاح والتي لا بد أن يكشف عنها نوع المواد المتفجرة التي يحملها الصاروخ المستخدم في الاغتيال وطريقة انفجاره.

فأولى الأسئلة التي يمكن أن تطرح هي هل يمكن لصاروخ أطلق من الجو باتجاه الارض أن يحدث حفرة كبيرة كتلك التي أحدثها الانفجار الذي أودى بالرئيس الحريري؟؟!.

الاجابة السريعة على هذا الأمر نسوقها من خلال مقارنة بسيطة بين صورة الحفرة الناجمة عن جريمة اغتيال الحريري وعدة صور لحفر أحدثها القصف الجوي الاسرائيلي سواء في حرب تموز 2006 ، أو في الحرب المستمرة على غزة وأبرزها استهداف كلية الشرطة التابعة لحركة "حماس" في غزة.

أما بشأن كيفية حدوث تلك الحفرة وتطاير الاسمنت على بعد مئات الأمتار وخروج قساطل المياه من أسفل الى أعلى، فان التفسير المنطقي لذلك هو بأنه قد يكون استخدم بالاغتيال صاروخ فائق الدقة وجه من الجو تحت سيارة الحريري مباشرة ليحفر الزفت على عمق محدد قبل أن ينفجر بالسيارة.

ويشار الى أن هذه الفرضية التي كانت قد حظيت باهتمام المحقق الدولي السابق سيرج براميرتس، وجدت صدى لها لدى بعض الخبراء التقنيين وخبراء الطب الشرعي. فمن جهته، أوضح الخبير في الحفر والبروفيسور في الهندسة الميكانيكية في جامعة واشنطن "كيث هولسابل"، في احدى تقاريره المنشورة سابقاً بأن القنبلة إذا ما كانت مزوّدة برأس حفّار، تكون قادرة على إحداث أضرار في الأرض والجثث كالتي حدثت في جريمة اغتيال الحريري. وأشار هولسابل الى أن هذا النوع من القنابل، يوجّه عادة من الجو ويكون على نسق قنابل "البانكر باستر" التي تخترق السطح المستهدف قبل أن تنفجر، وبالتالي فان عبوة تزن طناً واحداً مزوّدة برأس قادر على الاختراق وموجّهة من الجو تفسّر اذاً شكل الحفرة في جريمة اغتيال الحريري. ( صورة صاروخ البانكر باستر – صورة رقم 4 - )

بدوره، أعد الخبير الجنائي في لجنة التحقيق الدولية خافيير لاروش (مهندس في علم الطب الشرعي ومنسق للطب الشرعي لدى المحكمة الدولية) تقريراً سريا ًأشار فيه الى احتمال أن تكون "اسرائيل" هي التي اغتالت الحريري عن طريق قنبلة جوية مزوّدة بمواد متفجرة تزيد عن 500 كلغ من مادة "TNT" انفجرت لدى وصولها الى الأرض أو بتأخير بسيط سمح لجزء منها باختراق الأرض واحداث الحفرة وسمح للجزء الآخر منها بتدمير الأهداف القربية من مكان الانفجار.

 

*نوعية المتفجرات :

ولمعرفة نوعية المواد المتفجرة المستخدمة في اغتيال الرئيس الحريري أهمية خاصة في معرفة الجهة التي تقف خلف الاغتيال، خصوصاً اذا ما عرفنا بأن هناك أنواع معينة من هذه المواد ليست بحوزة سوى عدد قليل ومحدود جداً من الدول، ولتحديد ماهية تلك المواد لا شك أنه يقتضي الوقوف عند أدق تفاصيل الجريمة ودراستها بتمعّن، وأبرز ما يمكن ملاحظته عقب حصول الاغتيال مباشرة : 

- الحرارة العالية والظاهرة من قوة اللهب التي نجمت عن الانفجار 

- اشتعال محيط الجريمة وتناثر قطع سيارات موكب الحريري

- تفحّم أجساد الضحايا من جهة وبقاء الجهة الأخرى سليمة

- تناثر الأشلاء التي قطّعت بفعل الانفجار بشكل غريب

- عدم وجود أثار لعظام محطمة أو بارزة أو جلد ممزق بعدما تسبب قوة الحرارة بيباسه وبجفاف الدماء التي سالت. 

- ذوبان ساعة الحريري المصنوعة من الذهب الخالص، وانصهار الفولاذ الذي صفّحت به سيارات موكب الحريري وتدميرها بشكل كامل

- تطاير أغطية أقنية المياه الموجودة في موقع الانفجار

ومما لا شك فيه بأن هذه الآثار التي خلفتها الجريمة تلقي الضوء على أنواع المواد المتفجرة المستخدمة في الاغتيال، وتوضح الخصائص التي يجب أن يمتلكها السلاح المستخدم في الجريمة ومنها:

- قدرته على امتصاص الأوكسيجين لحظة وقوع التفجير وهو ما يفسّره جفاف أجساد الضحايا بشكل كبير.

- قدرته على احداث ضغطاً قوياً جداً على منطقة الانفجار تُدفع الأشياء الثقيلة بعيداً عن الأرض، وتؤدي الى طيرانها في الهواء ( تطاير اغطية اقنية المياه..). 

- امتلاكه درجة عالية من الدقة وقوة تفجيرية تؤدي لتدمير كلّ شيء في محيط معيّن بشكل محدد ومسيطر عليه.

- سرعة الانفجار وهو ما يوضحه التسبب بحرارة عالية جداً (الانفجار البطيء يحرق جميع العشب في منطقة التأثير بعكس الشحنة السريعة فقد تحرق ولكنها لا تحرقه كاملاً).

 

هذه الخصائص تطرح تساؤلاً جوهرياً حول ما اذا كان السلاح المستخدم في اغتيال الحريري  مجُهِّزاً بكمية قليلة من اليورانيوم المُخصّب الذي بامكانه ان يصدر إشعاعات بقياس محدد، وتزداد قوة هذه الفرضية ترجيحاً اذا ما علمنا بأن الاطباء في المستشفى العسكري الفرنسي الذين قاموا بمعالجة الناجي الوحيد من جريمة اغتيال الوزير السابق باسل فليحان ذُهلوا  حينما اكتشفوا تعرّضه ليورانيوم مخصّب. وللتدقيق بشكل أعمق في هذه الفرضية نتوقف عملياً عند الآثار التي يمكن أن تحدثها القذائف المحمّلة باليورانيوم المخصّب على المدرعات والأفراد ومنها :

1- توليد قوة ضغط وطاقه كبيره تتسبب بانصهار الأجسام المدرعة بقدر كبير جداً جداً.

2- التسبب باشعاعات على أجساد الأفراد والتأثير على الجلد وانسداد الأوعيه الدمويه وتلف الخلايا العصبية.

3 - رفع درجه الحرارة بشكل كبير جداً في موقع الانفجار، وبالتالي فان الاحتراق والنيران المتكوّنة بعد حصوله يكون سببها الرئيسي هو الحرارة المتوّلدة من انفجار المادة المتفجرة، وتزداد سرعة الاحتراق بازدياد الضغط ودرجة الحرارة.

وللمزيد من الاطمئنان نجري مقاربة بسيطة للعلامات التي وجدت على أجساد بعض ضحايا الاعتداء الصهيوني على غزة عام 2008 ، وضحايا جريمة اغتيال الحريري، بما يظهر معه أوجه الشبه بين الاعتداءين.

فبحسب تقارير وزارة الصحة في حكومة اسماعيل هنية بغزة آنذاك فإن "الآثار التدميرية للقنابل التي استخدمتها اسرائيل في عدوانها على غزة تسببت بحروق بالغة للمصابين واخترقت عظامهم وتركت روائح كريهة في جثث الشهداء". وللمفارقة فان شهوداً عيان كانوا متواجدون في مسرح جريمة اغتيال الحريري اشتكوا من رائحة كريهة كانت تفوح في موقع الجريمة.

بدورها، وصفت صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية "الإصابات في غزة آنذاك بالغريبة جدًّاً، متحدثة عن احتراق جميع أجزاء أجساد الشهداء حتى العظام، وكذلك تمزّق وانفجار بعض الأعضاء الداخلية لديهم دون أنْ توجد جروح قطعية أو حادة في أجسادهم تبرر تلك الأضرار. وهي الآثار التي بدت ظاهرة ايضاً بشكل واضح على جثة الرئيس الحريري عقب الاغتيال فلم تظهر عليها تمزقات وجروح ولا نزف دماء ناتجة عن تشظي جسد الضحية، فيما ان سيلان الدم في جسد الحريري ظهر انه تم من الفم والانف وتعرض للجفاف بشكل سريع جراء الحرارة العالية الناتجة عن الانفجار. 

 

وفي المحصّلة وبناء على كل ما تقدّم يتبين لنا أن هناك قرائن قوية تشير الى تورط اسرائيل بعملية اغتيال الرئيس الحريري سواء لناحية المواد المتفجرة والتي تحمل يورانيوم مخصّب ليس هناك سوابق باستخدامها الا من قبل اسرائيل، فضلاً عن تحليل طريقة حدوث الانفجار، وما نجم عنها من اضرار مادية في موقع الانفجار وجسدية طالت ضحايا الاغتيال.