خبر استقرار المملكة السعودية على خلفية تداول الأجيال.. يوئيل جوجانسكي

الساعة 09:32 ص|15 ديسمبر 2010

المضمون: قدرة السعودية على الوقوف كوزن مضاد لصعود ايران كمحكم وملطف للنزاعات العربية وكعمود فقري في السياسة الامريكية في المنطقة، ترتبط ارتباطا وثيقا باستقرار الاسرة المالكة، وبالحاجة الى الانتقال السلس للخلافة - المصدر).

انعدام الشفافية التي ترافق عملية الخلافة في السعودية ساهم في التخمينات حول هوية الخليفة، وذلك في ضوء الحالة الصحية للملك عبد الله، ابن الـ 87 عاما، الذي يتلقى العلاج الطبي في الولايات المتحدة. الأسرة المالكة تخرج عن طورها كي تبث الاحساس بأن الامور تسير كالمعتاد، ولكن عمليا قلص الملك جدول أعماله منذ حزيران الماضي بل ان بعض الدبلوماسيين وصفوه بأنه "مشوش وعديم التركيز".

عملية نقل السلطة في السعودية لا تتم بلا مخاطرة وإن كان بسبب حقيقة أن معظم الأبناء الأحياء لابن سعود شيوخ ومرضى وكل الباقين عديمو التجربة في ادارة شؤون المملكة. اضافة الى ذلك، فان العملية تترافق وصراعات شديدة تقع، باستثناء حالات معينة، خلف الكواليس، الأمر الذي يجعل من الصعب التوقع كيف سيظهر النظام السعودي في السنوات القريبة القادمة.

قبل سفره لتلقي العلاج الطبي في الولايات المتحدة، مدد عبد الله تعيين بعض كبار المسؤولين، بينهم السفير السعودي في الولايات المتحدة، بل و "رفّع" مرتبة ابنه، مُتعب، لمنصب قائد الحرس القومي (في منزلة وزير) – قاعدة قوة ذات أهمية في المملكة – على ما يبدو في محاولة لتعزيز جناحه في العائلة تمهيدا لمعركة الخلافة المحتملة. وبالتوازي فان ولي العهد الاول، سلطان، الاصغر من الملك بسنة، عاد الى المملكة بعد كفاح عقيم للسرطان كي يحصل بشكل رسمي على صلاحيات ادارة الشؤون الجارية، التي توجد عمليا لدى رقم 3 في المملكة، أخ عبد الله ووزير الداخلية، نايف، ابن الـ 77 "فقط".

شيء لا يحصر فترة ولاية الزعماء العرب غير مدى حياتهم. في احدى المناطق الأقل استقرارا، هم الذين يعطون الانطباع باستقرار الحكم أمام ناظر الغرب الذي تجاهل الثمن الأخلاقي الذي يدفعه لقاء علاقاته بهم. غير أن هذا المؤشر هو ايضا لم يعد أمرا مسلما به في ضوء شيخوخة الحكام في قسم من الانظمة والخطر في أن يضعضع تداول الأجيال المرتقب استقرارها. الدولة الاكبر والأكثر ثراءا في العالم العربي ليست استثناءا. فالحالة السعودية هي حالة مميزة وليس فقط لانه في نطاقها توجد المواقع المقدسة للاسلام وفي اراضيها احتياطات النفط الأكبر في العالم وهي تحمل علم المعسكر العربي المعتدل.

الى جانب أحداث الارهاب والتآمر فان الخطر الاكبر على استقرار المملكة يأتي بالذات من صعوبة ترتيب عملية الخلافة. حتى الآن، كان الحفاظ على استقرار الحكم يرتبط بالحفاظ على السيطرة في يد فرع عائلة ابن سعود في ظل إبعاد الفروع الاخرى عن دائرة المنافسة المحتملة. اضافة الى ذلك فقد انتقلت الخلافة حتى الآن من أخ الى أخ وليس من الأب الى ابنه، الامر الذي يضمن اختيار خليفة ذي تجربة في ادارة المملكة ولكنه أدى الى شيخوخة مخزون الخلفاء المحتملين. في محاولة للتصدي لهذا الامر تقرر منذ العام 1992 "القانون الأساس للحكومة" والذي بموجبه يمكن اختيار الخليفة حتى من بين أحفاد ابن سعود. وحتى لو كانت احتمالات ذلك متدنية الآن، فلن يكون بوسع المملكة أن تتملص على مدى الزمن من ترجمة القانون الى لغة الفعل.

كجزء من رغبته في تقييد قوة الفرع السعودي، ولكن مع ضمان الانتقال السلس للحكم، أقام عبد الله في العام 2006 نوعا من "مجلس الأمناء"، هيئة من 35 شخصا، تضم ضمن آخرين أبناء وأحفاد ابن سعود المتبقين على قيد الحياة، ومن صلاحيتهم تعيين الملك في ظروف وفاة الملك ووفاة أولياء العهد الواحد تلو الآخر أو بسبب مرض وعدم قدرة الملك على أداء مهامه (مثلما حصل بين 1995 – 2005، السنوات التي كان فيها عبد الله، ولي العهد، يؤدي عمليا دور فهد الذي كان يجد صعوبة في الأداء عقب جلطة دماغية).

ولي العهد، الأمير سلطان، يعمل على مدى الـ 47 سنة الأخيرة كوزير للدفاع ويعتبر مقربا من المؤسسة الدينية وشركات الاسلحة الامريكية (وقد ارتبط اسمه لهذا السبب بقضايا فساد)، ولكن بسبب حالته الصحية فان فرصه في أن يخلف عبد الله منخفضة. أخو سلطان، نايف، المسؤول عن الامن الداخلي عديم كل تجربة دولية ويعتبر محافظا بالقياس الى عبد الله (وذا موقف سلبي جدا من اسرائيل)، رُفع في العام 2009 ليكون نائبا ثانيا لرئيس الوزراء – وهو دليل على ما يبدو على الاستعداد لنقل لجام الحكم بشكل جزئي. في ضوء الحالة الصحية العسيرة لسلطان، فان نايف (الذي هو ايضا يكافح ضد السرطان) يعتبر الآن صاحب الفرص الاعلى لخلافة عبد الله. كما يوجد ايضا الامير سلمان، حاكم الرياض، ومقرن ابن 65 سنة الذي يقف على رأس الاستخبارات. الأخير هو الأكثر شبابا بين أبناء ابن سعود، ولكن حقيقة أن أمه ليست سعودية يبدو انها تجعله مرفوضا. من بين أبناء فيصل، سعود، الذي يعمل كوزير للخارجية منذ 1975 يعتبر شابا نسبيا ولكنه مريض بالباركنسون؛ تركي (65 سنة) الذي يقف على رأس معهد البحوث الاستراتيجية وعمل على مدى عشرين سنة كرئيس للاستخبارات وسفير في واشنطن من المتوقع حسب التقديرات أن يعين وزيرا للخارجية. ابن آخر، خالد (70 سنة)، يعمل كحاكم لمكة ويُذكر احيانا بأن يكون الملك المستقبلي بسبب علاقاته الطيبة مع كل فروع الاسرة المالكة.

حقيقة انه يمكن نظريا اختيار الملك أو ولي العهد حتى من بين أحفاد ابن سعود، تزيد عدد الخلفاء المحتملين، العادة التي درجت في الاسرة المالكة هي أن الأحفاد يُعينون كمساعدين الى جانب آبائهم في الوزارات المختلفة لتأهيلهم على خلافتهم. ابن نايف، محمد، "نجم صاعد" هو الذي يؤدي عمليا مهام وزير الداخلية والمسؤول عن مكافحة الارهاب، على علاقات عمل طيبة مع نظرائه في الغرب. يوجد ايضا خالد، الابن البكر لسلطان، الذي يعمل عمليا كوزير للدفاع وقاد المعركة، غير الناجحة تماما، حيال المتمردين الحوثيين على حدود اليمن. ابن آخر لسلطان، بندر، عمل كسفير في الولايات المتحدة على مدى 22 سنة الى أن تم تعيينه رئيسا لقيادة الأمن القومي السعودي. بندر، المعروف بمحبته لاحتساء الخمر، عاد مؤخرا على نحو مفاجيء الى المملكة بعد علاجات طبية تلقاها في الخارج، وهو يعتبر رجل أساس في بلورة الجبهة المؤيدة للغرب كوزن مضاد لايران وفروعها وقيل مؤخرا انه التقى مع مسؤولين اسرائيليين كبار وتباحث معهم في الموضوع. ليس واضحا أي دور سيؤديه (ربما دور الموفِّق أو الحكم بين الأمراء)، ولكن تجربته الغنية في الشؤون الخارجية وعلاقاته مع الادارة الامريكية لا بد ستكون في صالحه.

ليس واضحا بأي قدر سيمس انصراف عبد الله من الخريطة بالتقدم نحو الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. وكذا بعلاقات المملكة الهامة مع الولايات المتحدة والمعالجة الناجعة، حتى الآن، للارهاب في ضوء تعاظم التهديدات من جانب القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

ماذا بالنسبة للاستقرار السلطوي؟ في السعودية يوجد عدة آلاف الأمراء (منهم 500 في مناصب أساسية)، ينتشرون تقريبا في كل مجالات الحياة، الامر الذي يجعل من الصعب كل محاولة لهز الاستقرار السلطوي، ومع ذلك، كلما ازداد عدد الأمراء صار أصعب الحفاظ على الوحدة والولاء للأسرة المالكة. كما ان الاسم الطيب للأسرة المالكة هو عنصر لا بأس به في حصانتها، والتقارير الكثيرة عن الفساد والسلوك غير الاخلاقي من جانب الأمراء لا بد انها تمس بسمعتها الطيبة.

قدرة السعودية على الوقوف كوزن مضاد لصعود ايران كمحكم وملطف للنزاعات العربية وكعمود فقري في السياسة الامريكية في المنطقة، ترتبط ارتباطا وثيقا باستقرار الاسرة المالكة، وبالحاجة الى الانتقال السلس للخلافة. حقيقة ان الملك وولي عهده قد يموتان في وقت قريب من شأنها أن تضع قيد الاختبار المؤسسات التي أضيفت في السنوات الاخيرة وجاءت لتحافظ على التواصل السلطوي. واذا لم ينتقل التاج الى جيل الأحفاد فان الاستقرار السلطوي في المملكة سيتضرر لزمن طويل وإن كان لحقيقة أن مسألة الخلافة ستحوم مرة اخرى في الهواء.