خبر مستقبل المنطقة فى قبضة التطرف الإسرائيلى.. فهمي هويدي

الساعة 10:36 ص|14 ديسمبر 2010

يبدو أننا صرنا أمام لحظة الحقيقة فى الشأن الفلسطينى، حيث تشير كل الدلائل إلى أن مستقبل القضية، والمنطقة بأسرها، أصبح يحدده أفيجدور ليبرمان، كبير الإرهابيين فى إسرائيل، وعصبة المتطرفين والغلاة فى الكنيست الذين يشايعونه ويزايدون عليه

(1)

سيقول قائل إن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء هو الرجل الأقوى فى الساحة، الذى أذل الفلسطينيين وأهان العرب أجمعين، وتحدى الرئيس أوباما شخصيا، ومن ثم هزم الجميع، وجعلهم يمشون وراءه ويتبعونه حيث يذهب. وهذا كلام صحيح وغير دقيق.

صحيح من حيث أنه يصور الواقع كما تسجله عناوين الأخبار. وغير دقيق لأنه لا يغوص فى العمق ولا يلامس القوى التى تحرك نتنياهو وتحدد وجهته وتدفع مسيرته.

لدى شهادة تؤيد ما أدعيه، أوردها لارى درفنر أحد المعلقين البارزين فى صحيفة «جيروزاليم بوست» قال فيها إن بعض المراقبين المحايدين احتاروا فى معرفة النهج الذى يسير عليه نتنياهو...

لكن هذا التساؤل حسم فى منتصف شهر أكتوبر الماضى، حين أيد الرجل قانون الولاء، الذى يلزم من يرغب فى الحصول على المواطنة بأن يقسم يمين الولاء لإسرائيل باعتبارها دولة يهودية وديمقراطية.

كما أيد القانون الذى يقضى بإجراء استفتاء عام على أى اتفاق سلام محتمل، وبعد أن طالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية فى مقابل تجميد الاستيطان شهرين إضافيين. بعد أن تصرف نتنياهو على ذلك النحو، فإن التقدير الأكثر واقعية بات يشير إلى أن الرجل فى حقيقة الأمر ليس سوى سيئ السمعة أفيجدور ليبرمان، ولكن فى منصب رئيس الحكومة.

أضاف الكاتب قائلا إنه لا يعرف لماذا يعتقد كثير من الناس أن نتنياهو يحتفظ بليبرمان فى الحكومة رغما عنه، وإنه مضطر لتحمله لأن الحقائق السياسية تفرض ذلك (يقصد تأييد أحزاب اليمين له فى البرلمان والائتلاف الحكومى). فى حين أن الذى صنع ليبرمان هو نتنياهو ذاته، فلا أحد خارج الدوائر السياسية اليمينية سمع بليبرمان حتى سنة 1996، عندما عينه نتنياهو مديرا عاما لديوان رئيس الحكومة. ثم أصبح ساعده الأيمن بعد ذلك، بعدما أصبحا يريان الأمور بمنظار واحد.

وفى حقيقة الأمر فإن نتنياهو لم يكن جادا بشأن التوصل إلى سلام ينطوى على إقامة دولة فلسطينية على أرض الواقع. بل إنه على استعداد فقط لرمى عظمة أو عظمتين إلى الفلسطينيين، ولا شىء أكثر من ذلك.

ذكر الكاتب أن كل الشواهد تدل على أن نتنياهو متمسك بتحالفه الأيديولوجى مع ليبرمان والمستوطنين وبقية اليمين المتطرف. وهؤلاء يركبون موجة عالية. ولديهم مجموعة كبيرة أخرى من القوانين الاستبدادية المناهضة للعرب التى يسعون لتمريرها، وهم مطمئنون إلى أن الطريق مفتوح أمامهم لتحقيق ذلك.

حيث لم يعد يعنيهم كثيرا موقف حزب العمل أو حزب كاديما. أو يهود الشتات أو حتى واشنطن أو وسائل الإعلام.. كما أنهم لم يعودوا يكترثون بأى رد فعل فلسطينى أو عربى.

(2)

ليبرمان وجماعته لم يكتفوا بما حققوه من اغتصاب لفلسطين وسرقة للجغرافيا، لكنهم أصبحوا يلحون على سرقة التاريخ أيضا، ويطالبون الفلسطينيين بأن يقرأوا تاريخ بلادهم بعيون إسرائيلية، والقصة الغريبة التى حدثت متعلقة بحائط «البراق» أبلغ دليل على ذلك.

خلاصة القصة أنه فى أواخر الشهر الماضى كتب وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية المتوكل طه مقالة عن حائط البراق الذى يمثل الجدار الغربى للمسجد الأقصى، ويدعى الإسرائيليون ملكيته حتى سموه حائط «المبكى»، ذكر فيها ما هو ثابت فى كتب التاريخ من أن الحائط جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى ومن الحرم القدسى الشريف، وهو وقف إسلامى لعائلة بومدين المغاربية المسلمة.

وما إن نشر المقالة فى الموقع الرسمى لوزارة الإعلام حتى ثارت ثائرة الإسرائيليين وقامت الدنيا ولم تقعد. إذ تتابعت ردود الأفعال التى رصدها زميلنا الأستاذ بلال الحسن «الشرق الأوسط ــ 2/12» على النحو التالى:

* طالب مارك ريجيف (12/1/2010) المتحدث الرسمى باسم رئاسة الوزراء الإسرائيلية، بإزالة المقالة من موقع الوزارة الفلسطينية، معللا طلبه بأنها المقالة تحريضية، وأنها تؤكد إسلامية حائط البراق. وطالب الرئيس عباس ورئيس الوزراء سلام فياض بمحاسبة الكاتب بذريعة تحريضه على العنف (!) وذهب ريجيف فى موقفه إلى ما هو أبعد فقال: «إن مقالة المتوكل تثير تساؤلات حول التزام الحكومة الفلسطينية بعملية السلام»، من حيث إنها تشكك فى العلاقة التى تربط اليهود بالقدس وبأرض إسرائيل.

لم تمض سوى ساعات قليلة على هذا التصريح الإسرائيلى، حتى بادر «بى جى كولونى»، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى عقد مؤتمر صحفى قال فيه: «نحن ندين بشدة هذه التصريحات ونرفضها رفضا تاما بوصفها خاطئة من منظور الوقائع (!)، ولا تراعى أحاسيس الآخرين، واستفزازية للغاية. وقال كولونى أيضا: «لقد ناقشنا مرارا مع السلطة الفلسطينية ضرورة مكافحة جميع أشكال نزع الشرعية عن إسرائيل، بما فى ذلك الارتباط اليهودى التاريخى بالأرض (أرض فلسطين)».

اتسع نطاق رد الفعل الأمريكى الرسمى، فشارك فيه رجال البرلمان، وقال هاورد بيرمان، رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى، إنه يدين بشدة هذه المقالة، وإن الرئيس عباس ورئيس الوزراء سلام فياض يعرفان الأهمية الروحية للحائط الغربى لدى اليهود فى العالم.

ما يثير الدهشة أن الضجة التى أثيرت حول الحائط لها جذور تمتد إلى عام 1929 حيث ثار الفلسطينيون على اليهود المهاجرين الذين ادعوا ملكيتهم له، فيما عرف آنذاك بـ«هبَّة البراق» التى سقط فيها العديد من القتلى والجرحى، وأقلقت المشكلة سلطة الانتداب البريطانى، فشكلت آنذاك لجنة دولية وضعت تقريرها فى عام 1930 (أيدته بريطانيا وعصبة الأمم)، وقد أوصت بما يلى:

* تعود ملكية الحائط الغربى إلى المسلمين وحدهم، ولهم وحدهم الحق العينى فيه، لأنه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التى هى من أملاك الوقف.. وتعود إليهم ملكية «الرصيف» الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط (هدم الجيش الإسرائيلى حى المغاربة بالكامل فور احتلال الجيش الإسرائيلى لمدينة القدس عام 1967).

* إن أدوات العبادة، من الأدوات التى يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط.. ولا يجوز أن يكون من شأنها إنشاء أى حق عينى لليهود فى الحائط أو فى الرصيف المجاور له.

* لليهود حرية السلوك إلى الحائط لإقامة التضرعات فى جميع الأوقات.

(3)

الإنجاز الأخير الذى حققه الثنائى نتنياهو ــ ليبرمان تمثل فى نجاحهما فى فرض موقفهما على الإدارة الأمريكية، واثنائها عن مطالبة إسرائيل بالوقف المؤقت للاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، وهو الموقف الذى اعتبر بحق إعلانا أمريكيا عن التبنى الكامل لخطة نتنياهو للخطة الإسرائيلية فى كل ما يتعلق بالتسوية السياسية مع الفلسطينيين.

وهى الخطة التى كان الرجل قد أعلنها مع بدء الحديث عن العودة إلى المفاوضات برعاية أمريكية، وذكر فيها أنه لا يريد أن يفاوض بناء على شروط مسبقة (بما فيها الاتفاقات التى تمت مع الحكومات الإسرائيلية السابقة)، لا حول الحدود أو الاستيطان أو أى شىء آخر.

ولم يكن ذلك سوى تمهيد لخطته الأساسية التى لخصها فى أنه يريد أن يتوصل مع الفلسطينيين والعرب إلى اتفاق مبادئ أو إطار مرحلى حول الدولة الفلسطينية وملفاتها المختلفة. يتم تنفيذه خلال عشر سنوات.

هذا الموقف أيدته الولايات المتحدة رسميا، حيث أعلن الناطق الرسمى باسم وزارة الخارجية أن واشنطن قررت أن تجميد الاستيطان لن يزودنا بأرضية صلبة لاستئناف مفاوضات مباشرة ذات مغزى. وارتأت أنه من الأفضل التركيز على محاولة التوصل إلى «اتفاق إطار» حول قضايا الحل الدائم.

ويبدو أن مصر أيدت الخطة، لأن السيد أحمد أبوالغيط وزير خارجية مصر تحدث فى تصريح صحفى عن فكرة اتفاق الإطار، تبين حدود الدولة الفلسطينية ووضع القدس الشرقية وتضمن أمن إسرائيل. وقال إن الاتفاقية يمكن أن يصوغها الأمريكيون أو الرباعية الدولية أو مجموعة من الخبراء، يحددون توقيتا زمنيا للتوصل إلى الاتفاق.

الموقف الإسرائيلى أعلنه فى مؤتمر صحفى الجنرال شاؤول موفاز رئيس لجنة الخارجية والأمن فى الكنيست، قال فيه إن الخطة المقترحة تتم على مرحلتين: فى الأولى يُعقد اتفاق مرحلى تعلن فيه إقامة الدولة الفلسطينية على 66٪ من أراضى الضفة بالإضافة إلى غزة، على أن تكون بدون حدود ودون إخلاء المستوطنات، مع ضرورة الاعتراف بسلطة دولة إسرائيل على كتل الاستيطان فى الضفة، وفى ظل التسليم بالحد الشرقى (حد نهر الأردن بعمق 14 كيلومترا بدعوى الحفاظ على أمن إسرائيل).

أما فى المرحلة الثانية التى يفترض فيها التطرق إلى المسائل الجوهرية، فالقدس تبقى تحت السيادة الإسرائيلية مع البحث عن «حل مبدع» لتنظيم سير الحياة فيها (!).. أما اللاجئون فإنهم لا يعودون إلى بلداتهم فى إسرائيل، ولكن مشكلتهم تحل من خلال منظومة دولية.

(4)

المعروض على الطاولة الآن من جانب نتنياهو وليبرمان هو ذات المشروع الذى رفضه الجميع فى البداية: دولة فلسطينية مؤقتة منزوعة الصلاحية والعافية تقام على 66٪ من الضفة، لا مكان فيها للقدس ولا أمل فى عودة اللاجئين وهى خلاصة تستدعى على الفور السؤال التالى: ما العمل إذن؟

ما يدهش المرء أن وصول عملية التسوية إلى الطريق المسدود لم يحرك شيئا فى العالم العربى، باستثناء دعوة لجنة المتابعة العربية للاجتماع. ذلك أننا لم نسمع مثلا عن أية مشاورات على مستوى القمة حول الموضوع.

وهذا السكون خير مشجع لإسرائيل على أن تتشبث بموقفها وأن ترفع سقف طلباتها، وهى مطمئنة إلى أن العرب أصبحوا منزوعى القدرة على الحركة، وأن أنظمة المنطقة باتت تعول على الموقف الأمريكى وتنتظره، خصوصا أنها باتت مشغولة بما سمى بالخطر الإيرانى، وقلقها أقل إزاء استمرار الاحتلال الإسرائيلى. أما السلطة الفلسطينية فإن رئيسها أبومازن ما فتئ يتحدث عن سبعة خيارات هى: المفاوضات شريطة وقف الاستيطان ــ مطالبة الجانب الأمريكى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية فوق الأراضى المحتلة عام 67 ــ إذا رفضت أمريكا ذلك يتم اللجوء إلى مجلس الأمن مع مطالبة واشنطن بعدم استخدام الفيتو ــ إذا استخدمت واشنطن الفيتو يتم اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ــ مطالبة الأمم المتحدة بوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية ــ وقف تطبيق الاتفاق الموقع مع إسرائيل ــ حل السلطة ووضع إسرائيل أمام مسئولياتها كدولة احتلال.

فيما يبدو فإننا لا نكاد نلمس شيئا يوحى بأن العرب جادون فى مواجهة التحدى والاستكبار الإسرائيلى، أو بأن السلطة الفلسطينية تملك شجاعة الإصرار على شىء من الخيارات السبعة التى تحدث عنها أبومازن.

ومن ثم فإن الإسرائيليين حين يجدون أن جرأتهم وصلافتهم وتماديهم فى الاستكبار والغرور يقابل بمثل تلك الأصداء المسكونة بالوهن والذل، فسيكون من الغريب حقا أن يستجيبوا لشىء مما يتمناه الفلسطينيون والعرب الذين لم يجرؤ أحد منهم على أن يتحدث عن تعزيز الصف العربى لمواجهة الاعصار، ولا عن الرجوع إلى الشعب الفلسطينى واستمزاج رأيه الحقيقى فيما هو مطروح.

ناهيك عن أن أحدا لم يجرؤ على النطق بكلمة «المقاومة» السلبية منها والإيجابية كأسلوب فى إدارة الصراع وإنهاء الاحتلال.