خبر الاقتراب من فلسطين يوحّد والابتعاد عنها يفرّق ..معن بشور

الساعة 08:01 ص|14 ديسمبر 2010

الاقتراب من فلسطين يوحّد والابتعاد عنها يفرّق ..معن بشور

 

حدثني صديقي الجزائري ونحن نتوجه إلى قصر الأمم بنادي الصنوبر في العاصمة الجزائرية وهو ينظر بسرور إلى السماء الصافية بعد أيام عاصفة خاف معها الجزائريون من وقوع سيول وفيضانات، كما كان الأمر في المغرب ودول أخرى، فقال: "سبحان الله انظر كيف عادت الشمس تتوهج في سماء الجزائر، جنباً إلى جنب مع وهج فلسطين وشهدائها وأسراها في ملتقى نصرة الأسرى لدى سجون الاحتلال، وقد حجبت أيام العنف في الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد عن دورها التاريخي في نصرة فلسطين لسنوات عدة".

 

وأضاف قائلاً بالحماسة الجزائرية المعهودة: لقد أرادوا أن يبعدوا الجزائر عن تراثها ودورها من خلال عنف متفجر دام، ليس الآن وقت تحديد ظروفه وأسبابه، بل أن ينتقموا من الجزائر وثورتها النموذج لكل ثورات التحرير، ومن ارتباطها العريق بفلسطين عبر شلالات دم انهمرت في شوارعها ودساكرها وقراها على مدى سنوات، ولكن ملتقانا اليوم، بمئات الشخصيات الذين حضروا، يتصدرهم أسرى محررون في فلسطين والعراق، إضافة إلى ذوي أسرى، أكد لهم أن الجزائر على العهد باقية، عهد فلسطين والعراق، عهد العروبة والإسلام، عهد الكفاح والتحرير.

 

وفي قاعة الاجتماعات الكبرى في قصر الأمم قال لي صديقي الفلسطيني والدمعة تلمع في عينيه: "هل تعلم أنه في هذه القاعة انعقد عام 1986 المجلس الوطني الفلسطيني ليعيد ترميم الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تصدعت في أواخر عام 1983، وهل تعلم أنه في هذه القاعة أيضاً أعلن الرئيس الشهيد أبو عمار استقلال فلسطين". وأردف صديقي الذي حضر الاجتماعين قبل أكثر من عقدين ونيف قائلاً: "لم أكن أصدق أننا سنعود للاجتماع في هذه القاعة بعد كل الذي مرّ على العمل الوطني الفلسطيني من محن وانقسامات واحتراب".

 

صديقي من تونس أتى إليّ مهنئاً: بارك الله في كل من خطط وعمل واتصل ونظم من أجل إنجاح هذا الملتقى الذي جمع كل فصائل العمل الفلسطيني والذين لم يكن ممكناً لأحد منا أن يميز تنظيم هذا المتحدث أو ذاك من خلال كلامه، فالخطاب كان واحداً عن الأسرى والمعتقلين، وطيف وثيقة الوفاق الوطني التي أعدها الأسرى والمعتقلون في معتقلاتهم والسجون كانت مرجعية الجميع، والمقاومة الفلسطينية تلاقت بكل قواها مع المقاومة العراقية واللبنانية، ومع الممانعة السورية والسودانية، التركية والإيرانية، العربية والإسلامية والعالمية تحت شعار: الاقتراب من فلسطين يوحد والابتعاد عنها يفرق ويشتت ويمزق، وقضية الأسرى ليست قضية إنسانية فقط، بل إنها قضية سياسية بالدرجة الأولى، قضية وطنية وقومية وعالمية، لذلك اجتمع في ظلها متضامنون من كل القارات، ومن كل الديانات، ومن كل الدول، ومن كل التيارات، ومن كل الأحزاب والقوى والشخصيات والرموز.

 

أما جورج غالاوي أحد أبرز رموز الحركة العالمية المناصرة لقضايا العرب، ومعه المحامي الأمريكي الذائع الصيت ستانلي كوهين، فقد قالا معاً على طاولة عشاء أقامته جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي احتضنت الملتقى وبذلت جهوداً فائقة لإنجاحه: "بعد ملتقانا في اسطنبول حول القدس قبل ثلاث سنوات، وحول حق العودة في دمشق قبل عامين، وحول الجولان في القنيطرة، وحول وحدة السودان في الخرطوم، وحول دعم المقاومة، وحول ملاحقة جرائم الحرب الأمريكية في العراق ولبنان، من كان يصدق أننا سنلتقي في الجزائر حول الأسرى والمعتقلين في فلسطين ومعهم إخوانهم في سجون الاحتلال الأمريكي السرية والعلنية.

 

 "إنها بالفعل حركة تواصل وتضامن أممية" كما قال لي صديقي الهندي مانيك موخرجي نائب رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي السابق ورئيس المنتدى العالمي لمناهضة الإمبريالية والعنصرية "الذي شارك في الملتقى برسالة جميلة وقوية ومعبّرة"، "حركة تعكس تحولاً في أسلوب العمل العربي والإسلامي وفي المزاج الغربي والإسلامي، حركة لم تعبر عن نفسها في مؤتمرات وملتقيات فقط، بل أيضاً في قوافل وأساطيل وسفن لكسر الحصار على غزة، وفي مئات المتضامنين الأجانب الذين يتوجهون إلى فلسطين المحتلة لمشاركة أهلها نضالهم ضد الاستيطان والجدار العنصري والاحتلال".

 

وسألني أخ عزيز من العراق ومعه كثيرون: لماذا لا يكون هناك أيضاً تحرك من أجل الأسرى والمعتقلين في العراق، فكان الجواب حاضراً عند الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي خالد السفياني "سيكون هناك مؤتمر قانوني كبير حول كل جرائم الاحتلال في العراق في الذكرى الثامنة للغزو، كما سنسعى ليكون هناك بإذن الله ملتقى دولي لمناهضة العنصرية في مدينة دوربان في جنوب إفريقيا، وفي الذكرى العاشرة بالذات لملتقى دوربان الشهير الذي أجهضت نتائجه المهمة أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

 

وحين استحضر رئيس اللجنة التحضيرية للملتقى أمين عام المؤتمر العام للأحزاب العربية عبدالعزيز السيد في كلمته الافتتاحية كلاماً قاله رئيس الجمهورية الجزائرية عبدالعزيز بوتفليقة في القدس عام 1964 (وكان وزيراً للخارجية آنذاك) إن "استقلال الجزائر لن يكتمل إلا باستقلال فلسطين" علق كثيرون: "وكذلك لن يكتمل استقلال أي بلد عربي أو إسلامي إلا باستقلال فلسطين، بل لن يكتمل استقرار العالم وحريته إلا بهزيمة آخر وأخطر قلعة عنصرية في العالم وهي النظام العنصري المحتل في فلسطين".

 

الجميع وبعد أن صوت بالإجماع على "إعلان الجزائر" وتوصيات الملتقى في مبادرة ديمقراطية لافتة أقدم عليها رئيس الجلسة الختامية أمين عام جبهة التحرير الجزائرية عبدالعزيز بالخادم حين عرض الإعلان والتوصيات على التصويت، خرج الجميع يردد "ماذا بعد الملتقى؟ هل ستكون هناك خطوات لاحقة؟" وهنا اقترحت آي ماري ليزين رئيسة مجلس النواب البلجيكي السابقة جملة أفكار قابلة للتنفيذ من قبل الملتقى.

 

مديرة عام الملتقى، مديرة عام المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن رحاب مكحل كانت تجيب المتسائلين: حين يكون العزم جزائرياً، والقضية فلسطينية، والإرادة عربية شعبية فإن ما جرى هو خطوة ستتلوها خطوات على الطريق الصحيح، فالتواصلية كما كتب المفكر اللبناني العربي الكبير منح الصلح هي بنت الوحدوية ولغتها العصرية.

 

* رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن