خبر الاعتذار الإسرائيلي لتركيا- نظرة عليا

الساعة 09:55 ص|13 ديسمبر 2010

الاعتذار الإسرائيلي لتركيا- نظرة عليا

بقلم: نافا لفنهايم

الدينامية الحيوية في أعقاب المساعدة التركية في اطفاء الحريق الهائل في الكرمل والمداولات المتقدمة في جنيف بين ممثلين أتراك واسرائيليين تطرح مرة اخرى مسألة الاعتذار لتركيا عن نتائج السيطرة بالقوة على سفينة "مرمرة". من جهة، هناك خط يقوده وزير الخارجية افيغدور ليبرمان ويقضي بأن الاعتذار للأتراك ليس فقط استسلاما للارهاب بل وايضا في كل الاحوال لن تؤدي أي بادرة طيبة الى تحسين العلاقات. بالمقابل، هناك من يدعي بأنه من اجل المصالح الاستراتيجية لاسرائيل في المنطقة مرغوب فيه أن تتنازل عن كبريائها وتعتذر. في ضوء الاتصالات الاخيرة بين اسرائيل وتركيا يبدو أن وجهة اسرائيل نحو الاعتذار. واذا ما حصل هذا بالفعل، فان بؤرة الاهتمام ستنتقل من مسألة هل ستعتذر اسرائيل الى مسائل كيف ستعتذر وعلى ماذا. ومن ناحية الجوهر، ثمة لشكل وسياق الاعتذار في الساحة السياسية أهمية جمّة.

الاعتذار، الاعراب عن الأسف والندم أصبحت في العقدين الأخيرين أداة تستخدمها العديد من الدول في الساحة السياسية الدولية. هكذا، مثلا، اعتذار اليابان عن هجومها في الحرب العالمية الثانية ومؤخرا اعتذار وزير الخارجية الياباني عن فترة الحكم الاستعماري في جنوب كوريا؛ طلب المغفرة من الرئيس الالماني عن الكارثة في اثناء خطابه في الكنيست في العام 2000؛ اعتذار كندا في 2010 عن فشلها في العمل في الوقت المناسب لمنع قتل الشعب في رواندا. بالفعل، الاعتذار يمكنه أن يكون أداة ناجعة ولكنها ذات امكانية كامنة اشكالية، يمكنها أن تؤدي الى تدهور العلاقات بدلا من تحسينها. وعليه فينبغي التصرف فيها بحذر وحكمة. في المداولات التي تجري الآن توجد لدى اسرائيل عدة امكانيات "لصيغ الاعتذار" لتختار منها. أولا، الاعراب عن الأسف الذي هو الامكانية الأكثر راحة لاسرائيل. فالاعراب عن الأسف يسمح بعدم أخذ المسؤولية وفي نفس الوقت يخلق الانطباع بأنه قُدم اعتذار. بعد وقت قصير من السيطرة بالقوة على سفينة "مرمرة"، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وزير الدفاع اهود باراك بل ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان عبروا في تصريحات مختلفة عن الأسف على المصابين. المشكلة في الاعراب عن الأسف هذا كانت ضمن امور اخرى انه "ابتُلع" في خطابات عنيت أساسا بتبرير الحدث من الجانب الاسرائيلي. وهكذا، فقدت حالات الاعراب عن الأسف هذه معناها وقوتها. اذا اختارت اسرائيل مرة اخرى الاعراب عن الأسف، فسيتعين على مثل هذا الاعراب عن الأسف أن يحصل على مركز المنصة وأن يكون موجها لمواطني تركيا وذلك لكي يكون أكثر نجاعة من سابقه.

الاعراب عن الأسف لا يساوي في قيمته الاعتذار وعليه فلا ينبغي العجب من أن الاتراك يطالبون بالاعتذار. ولما كان الاعتذار يتضمن بُعد المسؤولية، فان ما ينبغي أخذ القرار فيه والتباحث فيه فهو مدى المسؤولية التي تكون اسرائيل مستعدة لأخذها. بكلمات اخرى، على ماذا مستعدة اسرائيل أن تعتذر؟ بالطبع اذا كانت اسرائيل تعتذر فانه يمكن ايجاد صيغة تقلص المسؤولية. ولكن، اذا ما اختارت اسرائيل أن تدفع تعويضات لعائلات القتلى والجرحى ايضا، فيمكن أن نرى في ذلك أخذا للمسؤولية. وعليه، فان مجرد دفع التعويضات الرمزية فيه معنى أكثر اتساعا. القرار هو بالتالي اذا كانت اسرائيل ستعتذر والقرار هل ستدفع تعويضات يتعلقان الواحد بالآخر. مسألة التعويضات معقدة بقدر لا يقل عن مسألة الاعتذار لانه يمكنها أن تكون مدخلا لسلسلة من المداولات والدعاوى التي ربما على المدى البعيد ستساهم في حل الازمة ولكنها في المدى القصير ستواصل اشعال النوازع في الطرفين حول مسألة الاسطول.

مسألة المسؤولية هي المسألة التي ستحسم في نهاية المطاف اذا كانت المفاوضات بين اسرائيل وتركيا ستنجح أم ستفشل. ولا يعود السبب في ذلك فقط الى آثار حدث الاسطول بل وايضا الى معنى الاعتذار والتعويضات عن اعمال عسكرية اخرى لاسرائيل لم تُعطَ تعويضات عنها. فضلا عن ذلك، فان للاعتذار آثار ايضا على اعمال مستقبلية. لا ريب انه في حالة اعتذار اسرائيل وتعويضها تركيا سيُطرح السؤال لماذا لم تتصرف هكذا في حالات مشابهة اخرى. وبالفعل، رئيس الوزراء نتنياهو شدد على أن الاعتذار لن يشكل أساسا لدعاوى ضد جنود الجيش الاسرائيلي. مثل هذا الاعتذار يجب أن يشرح الموقف الاسرائيلي لما حصل ويتضمن كلمة "لكن" بعد الاعراب عن الاعتذار. مشكوك أن توافق تركيا على مثل هذه الصيغة.

وسواء أعربت اسرائيل عن أسفها مرة اخرى، اعتذرت أو رفضت بادرة طيبة اخرى لتركيا، ينبغي أن نتذكر بأن الاعتذار، ولا سيما ذاك الذي يُعطى في سياق سياسي، ليس عصا سحرية. هكذا مثلا، قبل بضعة اشهر من الاسطول، أُهين السفير التركي واسرائيل اعتذرت في نهاية المطاف حسب صيغة قبل بها الاتراك. ولكن في أعقاب الاعتذار لم يحل تحسن في العلاقات بين الدولتين. العكس هو الصحيح – العلاقات تدهورت. في هذا السياق ينبغي طرح مسألة استعداد الطرفين لاقتراح الاعتذار وقبوله. في حالة إهانة السفير فُرض الاعتذار على اسرائيل ومع أن تركيا قبلت الاعتذار فلم يكن في ذلك مثابة غفران. في نهاية المطاف، المنفعة التي في الاعتذار كانت طفيفة. في ضوء المساعدة التركية لاطفاء الحريق في الكرمل تغيرت الأجواء بين الدولتين. اسرائيل مستعدة الآن للنظر في الاعتذار والاتراك، رغم تصريح الرئيس غول في ايلول الماضي عن ان الاتراك لن يغفروا حتى لو اعتذرت اسرائيل، يبثون الاحساس بأنهم مستعدون لأن يكونوا أكثر تسامحا مما في الماضي. ولا يزال، حتى لو سارت القيادة الاسرائيلية والتركية نحو هذه الخطوة، فان نجاح الاعتذار على المدى البعيد، ذاك الاعتذار المؤدي الى المصالحة، منوط الامر باستعداد مواطني الدولتين للاعتذار والغفران. اذا لم يكن هذا قائما، فان النوايا الطيبة من جانب الزعماء لحل الازمة من خلال الاعتذار يمكنها أن تؤدي الى طريق مسدود بل والى وضع أكثر تعقيدا. اذا كان الاعتذار يترافق ومعارضة الجمهور الاسرائيلي فان الاتراك سيُشككون بصدقه ومصداقيته وقدرته على أن يؤدي الى تغيير أو أي نتيجة ذات مغزى. واذا ما أخذ الجمهور الاسرائيلي الانطباع بأن مواطني تركيا غير مستعدين لأن يغفروا، فلماذا سيؤيدون الاعتذار الذي لا يؤدي الى حل النزاع؟. هكذا، فان أداة الاعتذار يمكنها أن تثبت كأداة غير ناجعة. أغلب الظن، فان الطرفين واعيان لذلك وبالتالي فانهما يتداولان ويتجادلان على صيغة الاعتذار التي تكون مقبولة من الطرفين: صيغة حل وسط تحمي موقف اسرائيل ولكن تُقبل ايضا في تركيا.

وختاما، يوجد أمام اسرائيل الآن معضلة شديدة. اذا كانت اسرائيل معنية بأن تعطي أملا في تسوية العلاقات مع تركيا يُخيل انه لن يكون مفر من الاستجابة للطلب التركي بالاعتذار والتعويض الى جانبه. من جهة اخرى، لا بد أن اسرائيل تتساءل هل نيّة تركيا هي المصالحة أم مواصلة الخط العدواني تجاهها رغم الاعتذار؟ في هذه اللحظة يمكن أن نُخمن بأنه سيكون من الصعب الاتفاق على مسألة المسؤولية. ولا بد أن تركيا سترغب بمسؤولية أوسع من تلك التي يمكن لاسرائيل أو هي مستعدة لطرحها. هكذا، فانه رغم الاستعداد الذي أعربت عنه اسرائيل للاعتذار فليس مؤكدا أن بوسعها أن تحققه في ضوء دورها في اعمال عسكرية اخرى في منطقتنا.