خبر أمريكا تعود- معاريف

الساعة 11:29 ص|12 ديسمبر 2010

أمريكا تعود- معاريف

بقلم: بن كاسبيت

بتأخير طفيف لسنة ونصف السنة قرر الامريكيون التخلي عن المقبلات والتوجه مباشرة الى الوجبة الرئيسة. المداعبات الاولية فشلت، ولكن بدلا من توديع الطرفين فانهما مطالبان بان يقفزا الان مباشرة الى الامر الحقيقي. السرير مقترح، وهو موضوع أمامهما، دافىء وبشوش. الان لنراهما.

وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون وقفت يوم الجمعة الماضي في "منتدى سبان" في واشنطن ورسمت أساس السياسة الجديدة للبيت الابيض. وكان هذا خطاب مركز ولاذع لم يدع مكانا للشك. من اعتقد بانه بعد فشل اتصالات التجميد الثاني يعتزم الامريكيون سحب يدهم من هذه المشكلة، اخطأ خطأ جسيما. الوزير دان مريدور، الذي يشارك هو ايضا في مداولات هذا المنتدى، قال الاسبوع الماضي لاعضاء السباعية انهم اذا كانوا يعتقدون بانه سيكون الان بعض الهدوء، فانهم مخطئون. وقال مريدور ان "هذه مجرد مهلة قصيرة، مثلما في كرة السلة. وهم سيعودون على الفور".

وقد عادوا يوم الجمعة. لقد ارتكب الامريكيون كل الاخطاء المحتملة بالنسبة للاتصالات بين اسرائيل والفلسطينيين، ولكنهم لم يفقدوا روحهم القتالية. بل العكس. نتنياهو لا يريد تجميد؟ لا مشكلة. الان فليرسم لنا خريطة. هذه السياسة يضعها الرئيس براك اوباما وهي تستند الى الحديث الطويل والطيب الذي كان له في الصيف الماضي مع نتنياهو. هذا الحديث الذي اساسه رسم في "معاريف" قبل نحو ثلاثة اسابيع، دفع اوباما الى الفهم بان نتنياهو يريد تسوية. وانه "اجتاز الروبيكون". وانه مستعد لتقسيم البلاد. وان الفارق بينه وبين ابو مازن يتلخص في نحو 10 في المائة من الارض، ويمكن التغلب عليه. وبالتالي، قال اوباما، هيا إذن نضع الان نتنياهو، وكذا ابو مازن في اختبار الواقع. هيا نتحداهما. هيا نجبرهما على الانتقال من الكلام الى الافعال.

الامريكيون سذج، ولكن ليس لدرجة كبيرة. الاحساس الاساسي الذي يسود في واشنطن الان هو أساس الاحباط. كلينتون تحدثت عن هذا بصراحة مفاجئة. وهم يعرفون بانهم لن يتلقوا من نتنياهو أي قشة يتمسكون بها. وفهموا بان كل ما يحاول به عمله هو تمرير الوقت. رئيس الوزراء يعرف بانه تبقت له سنة واحدة للبقاء، بالاجمال 12 شهرا، وذلك لانه في 2012 سيكون اوباما غارقا بعمق في الحملة ولن يكون شيء. إذن هذه السنة قرر الامريكيون استغلالها حتى النهاية. وعادوا الى الجدول الزمني الاصلي. هم يريدون اجوبة. وغدا سيبدأون بالعمل. كلينتون نفسها ستدير هذا. وهم سيطلبون اجوبة واضحة من نتنياهو، وكذا من ابو مازن، في كل واحدة من المسائل الجوهرية: اللاجئين، القدس، الحدود، الامن، المياه، المستوطنات. هنا والان.

كلينتون صرحت بانهم سيحللون المواقف، وسيحاولون تقليص الفجوات، وعندها سيتقدمون باقتراحات الجسر. ومن غير المستبعد ان في نهاية المطاف سنتلقى أربعة – خمسة اقتراحات جسر امريكية تشكل في واقع الامر "صيغة اوباما". وسيكون الطرفان مطالبان بان يجيبا بـ "نعم" او "لا". نتنياهو سيقف في حينه في الزاوية، مع الظهر الى الحائط وسيضطر الى الكشف عن وجهه الحقيقي. فاذا كان قصد حقا ما قاله في المحادثات المغلقة مع اوباما، كلينتون، بيرس، باراك ومن لا، أم أنه في واقع الامر يقصد ما يقوله في المحادثات المغلقة مع بوغي، بيني وأبيه. هيلاري كلينتون نفسها تستخدم تعبير "الباءات الثلاثة" وتقصد بيبي، بيني وبوغي. وهي تعرف انهم ليسوا في جانبها ولكنها تريد أيضا لباقي العالم أن يعرف ذلك.

يوم الجمعة التقت كلينتون بتسيبي لفني في واشنطن، لفني ايضا هنا، في "منتدى سبان" (الحقيقة هي أن نصف العالم يشارك في هذا المنتدى المثير للانطباع والذي يشكل فرصة سنوية نوعية للغاية لتحليل المسائل الحساسة والاكثر تعقيدا في العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة). حتى اليوم امتنعت كلينتون عن دعوة لفني الى لقاءات في واشنطن. رجال نتنياهو ألمحوا لها بان هذا لن يستقبل بارتياح في القدس. ابتداء من اليوم، فانها لم تعد تمتنع. فقد التقت لفني في وزارة الخارجية، مع كل التشريفات الممكنة. اما مع ايهود باراك، الذي يشارك هو ايضا في هذا الحدث، فقد اكتفت في لقاء في الفندق. بث أمريكي واضح آخر وذو صدى لما يجري.

في خطابها أغدقت كلينتون بعدد لا يحصى من الثناء على الفلسطينيين. سلام فياض (نعم، هو الاخر هنا)، ابو مازن، كلهم تلقوا منها عناقا علنيا، ثناءا من الحائط الى الحائط. اما نتنياهو؟ ولا كلمة. وازنت من خلال التشديد اللانهائي بالالتزام الامريكي بامن اسرائيل وما شابه، ولكنها ميزت عن قصد بين أمن اسرائيل وبين حكومة اسرائيل. وهو لا يحصل منها على أي كلمة طيبة. لا علنا، ولا على انفراد ايضا.

المحافل المقربة من كلينتون تروي عن غضبها، عن خيبة أملها، عن حقيقة أنها تعرف أن رجال نتنياهو يتحدثون عن ان الرئيس اوباما عرقل الصفقة التي نسجت بينها وبين نتنياهو وجعل لها خازوقا. وهي لا تحب هذا، ولكنها تفضل ان تشد على اسنانها وان تواصل التقدم الى الامام وذلك لان المهمة، برأيها، أهم من الانتقام: حمل بنيامين نتنياهو، أخيرا، على التحيز الى جهة ما. ان يعرف نفسه. ان يقرر.

ماذا سيفعلون اذا لم يستجب نتنياهو؟ اذا ما تملص مرة اخرى؟ هذه مسألة المسائل. امريكا، بداية 2011 هي امريكا جديدة، أليمة، عديمة الثقة بالنفس. هناك اقوال واضحة عن تقليص ذي مغزى في المساعدات الخارجية. تلة الكابيتول مؤيدة لاسرائيل، ربما حتى مؤيدة لاسرائيل جدا، ولكن هذا لا يعني أن اعضاء الكونغرس لا يفهمون معطيات المعادلة أمامهم. وسيكون لباراك اوباما صعب جدا ان يدفع الشؤون الداخلية الى الامام بسبب نتائج الانتخابات للكونغرس الامر الذي سيشجعه، ربما، على اظهار اداء مفاجىء في الساحة الخارجية – هناك يحتاج الى مرافقة مجلس النواب والشيوخ بقدر أقل بكثير.

لعل هذا هو النذر الشؤم لنتنياهو. ما كان يمكن ان نفهمه من هيلاري كلينتون أمس هو أن اوباما جدي. إما انه جدي في مسعاه لتحقيق سلام تاريخي في الشرق الاوسط، أو انه جدي في هدف الفحص اذا كان نتنياهو جديا. في الحالتين، يدور الحديث عن مهمة صعبة.