خبر إسرائيل ودول الخليج فى ويكيليكس ..حسن نافعة

الساعة 04:55 م|10 ديسمبر 2010

إسرائيل ودول الخليج فى ويكيليكس ..حسن نافعة

 

مازالت العاصفة التى تهب من «موقع ويكيليكس» تثير الذعر فى الأوساط الدبلوماسية. ورغم أن «تسريبات» هذا الموقع لم تكشف حتى الآن عن معلومات يمكن اعتبارها جديدة تماما ولم تحمل مفاجآت يمكن اعتبارها من العيار الثقيل، فإنها ألقت ضوءا ساطعا على مواقف وسياسات وأحداث مهمة، بنقلها من نطاق «الظنون» و«التخمينات» و«الافتراضات» و«الاستنتاجات» إلى نطاق «الحقائق» المدعمة بمعلومات ومعطيات ووثائق.

 

ولأن الخارجية الأمريكية لم تشكك فى صحة ما نشر، مكتفية باستهجانه والسعى لتجريم المسؤولين عن نشره، لم يعد الجدل المثار حوله يتعلق بالمصداقية وإنما بمقدار ما قد ينطوى عليه من «انتقائية»، وبالتالى بمدى كفايتها للإحاطة بكل أبعاد القضايا التى تتناولها. ويعد ما أشارت إليه التسريبات عن علاقة دول الخليج العربى بإسرائيل نموذجا لهذا الوضع.

 

فمن المعروف أن معظم دول الخليج العربى كانت قد بدأت تقيم علاقات متنوعة مع إسرائيل عقب التوقيع على اتفاقية «أوسلو» عام 1993، غير أن بعض ما نشره «ويكيليكس» مؤخرا، نقلا على لسان مسؤولين أمريكيين، يوحى بأن هذه العلاقات لاتزال مستمرة وأن إسرائيل تسعى لتوظيفها من أجل تعميق التناقضات بينها وبين إيران.

 

وقد أشارت إحدى البرقيات المؤرخة فى 19 مارس 2009 إلى أن يعقوب هداس، نائب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أكد لأحد الدبلوماسيين الأمريكيين أن معظم الدول العربية لاتزال تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، رغم تقلصها وانكماشها منذ بداية انهيار «عملية السلام» اعتبارا من عام 2000، وأن دبلوماسيين إسرائيليين على مستوى عال عقدوا اجتماعات سرية مع دبلوماسيين عرب على هامش مؤتمرات دولية،

 

وتبادلوا معلومات استخباراتية مهمة بشأن شحنات أسلحة وتقنيات متطورة متجهة إلى إيران. ويتضح من هذه التسريبات أن إسرائيل تبدو واثقة ليس فقط من قلق المسؤولين الخليجيين من برنامج إيران النووى ولكن أيضا من حسن إدراكهم لما يمكن أن تقوم به فى مواجهة إيران، والذى قد يكون له «مفعول السحر» - حسب التعبير المستخدم - وتنسب بعض هذه التسريبات إلى ديفيد ميلر، المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط فى وزارة الخارجية الأمريكية، قوله إن كل الدول العربية، باستثناء العراق وليبيا، كانت ومازالت لديها علاقات وقنوات اتصالات بشكل أو بآخر مع إسرائيل، مما يوحى بأن جميع دول الخليج بما فيها السعودية، كانت، وربما لاتزال، لديها قنوات اتصال مفتوحة مع إسرائيل.

 

لا يخفى على أحد أن إسرائيل كانت، ولاتزال، تبذل أقصى ما تستطيع من جهد لتعميق التناقضات بين إيران، من ناحية، ودول الخليج العربى، من ناحية أخرى، وتتعمد تسريب معلومات عن البرنامج النووى الإيرانى تثير مخاوف دول الخليج العربى، وتسعى جاهدة فى الوقت نفسه لاستمالتها وإقناعها بالتعاون معها لوضع حد لهذا البرنامج، بحجة أنه يشكل تهديدا مشتركا وأن التخلص منه يمثل مصلحة مشتركة.

 

وعندما تكشف «تسريبات ويكيليكس» عن وجود مثل هذه العلاقات فى نفس الوقت الذى تكشف فيه عن حرص خادم الحرمين الشريفين على اعتبار إيران «رأس الأفعى» الذى يتعين قطعه ويحث الولايات المتحدة على اتخاذ مواقف متشددة منها، بما فى ذلك حضها على توجيه ضربة عسكرية لها، يصبح من الصعب تجاهل أو إغفال الدور الإسرائيلى فى تغذية هذا التصعيد.

 

كنت حريصا فى العديد من كتاباتى السابقة على التحذير من خطورة المحاولات الرامية لإحلال إيران محل إسرائيل كعدو مشترك للعرب وللإسرائيليين معا. وبعد نشر «تسريبات ويكيليكس» أصبحت على قناعة تامة بأن إسرائيل تتخذ من العداء لإيران طريقا ملكيا للوصول إلى منطقة الخليج العربى. وعلينا أن نتذكر أن اختراق إسرائيل لمنطقة الخليج العربى بدأ بالفعل منذ الاحتلال الأمريكى للعراق وأن لإسرائيل الآن وجوداً استخباراتياً مكثفاً فى الشمال الكردى للعراق!.

 

أظن أن الوقت قد حان كى يدرك العرب أن إسرائيل هى المستفيد الوحيد من توجيه ضربة عسكرية لإيران، وأن الدفاع عن المصالح العربية يتطلب فتح حوار جماعى عربى مع إيران لمعالجة كل الملفات العالقة.