خبر واشنطن: من حل الأزمة إلى إدارتها ..عريب الرنتاوي

الساعة 04:44 م|10 ديسمبر 2010

واشنطن: من حل الأزمة إلى إدارتها ..عريب الرنتاوي

لن تترك واشنطن المنطقة نهباً للفراغ، حتى وهي في ذروة الاعتراف الصريح بفشلها، ذلك أن فراغاً مغرياً كهذا من شأنه أن يجذب أطرافاً إقليمية ودولية إلى واحدة من أهم الساحات وأكثرها حيوية في حسابات الأمن والاقتصاد والمال والطاقة الأمريكية، ولهذا السبب بالذات، ستنتقل واشنطن بعد فترة وجيزة من إعادة التقييم والتقويم، إلى أسلوب "إدارة الأزمة" بعد أن تعذّر حلها، أو بالأحرى بعد أن فشلت في حلّها.

 

بهذا المعنى، فإن واشنطن ستبقي العرب والفلسطينيين، المجردين من كل خيار وورقة قوة، معلقين في "حبال أوهامها"، وها هو أول غيث التهافت العربي ينطلق على شكل نصائح من القاهرة للرئيس عباس: أن تريث لا تستعجل البحث عن خيارات وبدائل أخرى، فالإدارة الأمريكية تستحق فرصاً إضافية كلما أهدرت المزيد من الفرص، والمفاوضات في ظل الاستيطان، أفضل من الاستيطان بلا مفاوضات، والسبب وفقاً لـ"عباقرة" الدبلوماسية المصرية، أن الاستيطان مستمر في كل الأحوال، ومن الأفضل أن نتدارك ما يمكن تداركه، وتلقف ما تلقي لنا "إسرائيل" به، من بقايا الأرض الحقوق وفتات الكرامة، في أبشع تعبير عن العجز والهزيمة والتخاذل.

 

عباس يذهب إلى لجنة المتابعة العربية في القاهرة كلما احتاج غطاء ومظلة أو سلم يهبط به عن قمة الشجرة، وكلما احتاج إلى شبكة أمان يلوذ بها، قبل أن تفضي "الهرولة السريعة" إلى كسر عنقه أو ذراعه، ودائماً تستجيب هذه اللجنة لطلباته، لكأنها مصممة على مقاس "التخاذل العربي"، بعد أن تحوّلت إلى "دار إفتاء" تمنح المهل والصكوك والفتاوى التي تذهب جميعها في اتجاه واحد: التساوق مع واشنطن، والسير حتى نهاية شوط التفريط والتنازل، برغم الضجيج اللفظي - الفوق ثوري - المصاحب لاجتماعاتها والصادر عن "معالي الأمين العام".

 

ستقوم واشنطن بإعداد خطط بديلة لما جاء به ميتشيل، وربما يخرج "ساحر الحل الإيرلندي" من الحلبة نهائياً، لتأتينا رموز جديدة، أو رموز قديمة بتفويض جديد ومهمة جديدة، وسنشرع في استقبال الموفدين والمبعوثين، وسيطل علينا بعض "كتاب الهزيمة" بنصائحهم و"كتبهم المفتوحة" للرئيس عباس، لا تتهور ولا تنتحر سياسياً، واصبر على أوباما ومن سيأتي بعد، حتى تضيع الأرض والحقوق، قطعة تلو الأخرى، وبمباركة منا وحراسة مشددة للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وبغطاء منّا وتسهيل، تجعل الاحتلال مجانيّاً وبلا أي كلفة من أي نوع، ودائما تحت شعار "التنسيق الأمني" و"بناء الدولة تحت الاحتلال".

 

ها هي واشنطن تغلق فصلاً من فصول انفرادها وتفردها، وها هي أوروبا تصل للحظة الحقيقة والاستحقاق. لقد قالوا لنا إننا لا نريد أن "نعطّل" على ميتشيل أو أن "نشوش" على مهمته، ها هو الرجل ينسحب من التداول، وها هي المهمة تبلغ طريقاً مسدوداً فماذا أنتم فاعلون، وما تنتظرون، هل نتوقع مبادرة أوروبية أصيلة، أم هي أوروبا نفسها، تقوم بدول "الدوبلير" كما في لغة السينما، إلى حين يستعيد الممثل الأصيل دوره ويسترد ألقه.

 

وقبل أن نسأل ماذا سيفعل الآخرون، علينا أن نسأل ماذا سنفعل نحن. هل سيفعّل الرئيس خياراته السبع، هل هي خيارات أصلاً، هل يمكن التعويل عليها إن نجحت أو فشلت، هل يمكن أن تحدث استدارة في حياة الفلسطينيين وكفاحهم في سبيل الحرية والاستقلال، ألم يحن الأوان للتفكير بخيارات وبدائل أخرى. هل آن الأوان للتخلص من "العقد والحسابات الشخصية" و"الأنا المتضخمة" والتواضع أمام مطلب الشعب الفلسطيني باستعادة الوحدة الوطنية اليوم وليس غداً، ومن دون إبطاء؟.

 

نحن لا نفهم كيف تذهب بنا الخيارات والبدائل في كل اتجاه، وصولاً للأرجنتين وتشيلي، ولا نقوى على الوصول إلى دمشق، لمحاورة قادة حماس، أو إلى غزة لرفع الحصار عن شعبنا المحاصر هناك. لا أدري كيف تشمل مروحة اتصالاتنا ومشاوراتنا العالم بأسره، ونترك أهم ملف في يد نفر من الشخصيات الفلسطينية، يرتفع منسوب "الولدنة" لديها على منسوب المسؤولية الوطنية والتاريخية. لا أدري إلى متى سنظل نصغي لكل الذين يعيشون هواجس الحركات الإسلامية والإخوانية في بلدانهم، ويريدون للسلطة الفلسطينية أن تكون ذراعاً رديفاً في حربهم على معارضاتهم الإسلامية، ورأس حربة في مشاريع الوارثة والخلافة والتمديد والتجديد.

 

ها هو "درب الأوهام" يصل إلى نهايته، ولم يعد أمامنا سوى واحد من خيارين: إما اليقظة والانتباه لما يحاك لنا ويجري حولنا، وإما المضي في درب الهاوية الذي لا مستقر له، ولا ضوء في نهاية نفقه المظلم الطويل. إما استئناف الحركة الوطنية واستنهاض الشعب من جديد، وإما الاستمرار في اللهاث خلف قيادات خائبة، ومسؤولين مرعوبين، قالت فيهم "ويكيليكس" ما لم يقله مالك في الخمر، إنها لحظة الحقيقة والاستحقاق، إنها لحظة تاريخية والتاريخ لا يرحم من يتخلف عن دربه أو يبدد فرصه أو يجري بعكس منطقه واتجاهات هبوب رياحه.

 

صحيفة الدستور الأردنية