خبر التغيير السياسي ثم التغيير الوزاري..هاني المصري

الساعة 05:30 م|07 ديسمبر 2010

التغيير السياسي ثم التغيير الوزاري..هاني المصري

 

طغى حديث التعديل الوزاري مرةً أخرى على القضايا الأخرى، ولم يرافق هذا الحديث ولم يسبقه ــ كما هو مفترض ــ التطرّق إلى التغيير السياسي الذي تفرضه تطورات عملية السلام بعد توقفها جراء التعنت الإسرائيلي ومحاولات الإدارة الأميركية إقناع حكومة نتنياهو بتجميد الاستيطان تجميداً مؤقتاً لمدة ثلاثة أشهر يستثني القدس مقابل مكاسب أمنية وسياسية وعسكرية سخية جداً.

قبل الحديث عن تعديل أو تغيير الحكومة لا بد من التوقف أولاً أمام ماذا نريد وكيف نواجه التحديات والمخاطر الجسيمة التي تهدد القضية الفلسطينية بمختلف مكوناتها (الأرض والشعب والحقوق والإنسان).

 

وعندما نبلور إجابة عن هذين السؤالين يكون المطلوب بعد ذلك تشكيل حكومة جديدة كلياً، من الأفضل أن تكون حكومة وحدة وطنية، وإذا تعذر ذلك يتم تشكيل حكومة تمثل منظمة التحرير بمختلف فصائلها تكون خطوة أولى على طريق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.

 

قبل تعديل الحكومة أو تغييرها بحكومة جديدة، يفترض بلورة رؤية إستراتيجية متكاملة قادرة على التصدي لمهمات المرحلة الراهنة وبعدها تصبح مسألة الحكومة وبرنامجها والوزراء مطروحة. فشكل الحكومة وبرنامجها وأشخاصها مرتبط بما نريد تحقيقه منها، فهي مجرد وسيلة وليست غاية بحد ذاتها.

فإذا كان الاختيار مرةً أخرى سيقع على الرهان على المفاوضات وانتظار استئنافها مهما كان الثمن ومهما استغرق ذلك من وقت نكون بحاجة إلى تأكيد الاستمرارية للحكومة الراهنة سواء بتعديل محدود أو موسع بهدف تحسين أدائها وتخفيف التوتر القائم بين الحكومة وبين أوساط فاعلة في حركة فتح.

وإذا كنا فعلاً أمام بلورة واتباع خيارات وبدائل أخرى نحتاج إلى حكومة من نوع جديد، من حيث البرنامج والوزراء. فوقف المفاوضات بحاجة إلى أشخاص معنيين، ووقت المجابهة السياسية بحاجة إلى أشخاص آخرين، فلكل زمان دولة ورجال.

 

وإذا كنّا أمام بلورة واتباع خيارات أخرى تستجيب للتحديات الجسيمة الراهنة لا ينفع استمرار الرهان على استئناف المفاوضات ولا طرح بدائل ليست في يدنا مثل التوجه للولايات المتحدة الأميركية لكي تعترف بالدولة الفلسطينية أو لكي تحمل إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات أو لكي لا تستخدم الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل إصداره قراراً يعترف بالدولة الفلسطينية، فمثل هذه الخيارات إضاعة للوقت، لأن الإدارة الأميركية منحازة لإسرائيل، وازدادت انحيازاً مؤخراً بعد الانتخابات النصفية للكونجرس الأميركي، بدليل أنها أخرجت الفلسطينيين عملياً من المعادلة، حين انشغلت منذ أكثر من شهرين في مباحثات مع إسرائيل للاتفاق على صفقة شاملة لا تقتصر على شروط استئناف المفاوضات وإنما تتناول مختلف القضايا بصورة تؤكد فيها الشروط والمصالح الإسرائيلية.

 

إن الإدارة الأميركية لن تغيّر سياساتها بسبب التمنيات والمطالب والتوسلات وإنما عندما تدفع ثمناً لانحيازها لإسرائيل أكبر من المكاسب التي تحققها.

إذا أردنا اتباع خيارات أخرى بديلة عن خيار المفاوضات الثنائية المباشرة كما أصبح ضرورياً وملحاً للغاية، نكون بحاجة إلى تغيير شامل يبدأ بوضع الإستراتيجية الكفيلة بتحقيق الأهداف الوطنية ولا ينتهي بتشكيل حكومة جديدة ببرنامج جديد يتناسب مع مهمات مرحلة ما بعد انهيار المفاوضات.

كيف ستتمكن الحكومة القائمة حالياً من استكمال بناء مؤسسات الدولة وإقامتها في آب من العام القادم وفق ما حددته في برنامجها إذا كنا مقبلين على مجابهة سياسة شاملة مع إسرائيل.

إن جميع الخيارات الأخرى البديلة عن المفاوضات أساسها تعزيز الصمود وإعطاء الأولوية لإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني والشراكة السياسية الحقيقية والأسس الديمقراطية كطريق مضمون لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، كما ترتكز إلى تنظيم مقاومة شاملة للاحتلال، واستعادة البعد العربي والدولي للقضية الفلسطينية، وإنهاء أو وقف أو تعليق التزامات السلطة مع إسرائيل لأنها تجاوزت اتفاق (أوسلو) كلياً رغم سوئه ولم تطبق الالتزامات الإسرائيلية فيه. فلا يعقل أن تتدهور العملية السياسية كلياً، بينما يتم تطبيق الالتزامات الفلسطينية من جانب واحد، وبينما المسار الأمني يتواصل ويتعزز وكأنه لا علاقة له بالمسار السياسي.

 

إن مواصلة السلطة تطبيق التزاماتها خصوصاً الأمنية تجعل إسرائيل لا تكترث بالمرة إذا استمر التوقف في المفاوضات، فأمن الاحتلال في هذه الفترة في أحسن أحواله، وإسرائيل ماضية في تطبيق مخططاتها التوسعية والاستيطانية والعدوانية والعنصرية بصورة غير مسبوقة دون مسار سياسي وفي ظل انقسام سياسي وجغرافي فلسطيني يستنزف الطاقات الفلسطينية ويدخل السلطتين الفلسطينيتين المتنازعتين في سباق للحصول على الشرعية وتثبيت الهدنة مع الاحتلال، بحيث إن أقصى ما يمكن تحقيقه في هذه الظروف هو تحسين شروط حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال.

 

إن اسرائيل تريد المفاوضات لكسب الوقت ولكي تغطي على ما تقوم به من خلق حقائق احتلالية على الأرض، ولقطع الطريق على الجهود والمبادرات والخيارات والبدائل الأخرى الرامية لحل الصراع.

كل دقيقة تمضي دون استخلاص الدروس والعبر من التجارب السابقة وشق الطريق أمام بدائل أخرى عن خيار المفاوضات تشكل خسارة يجب أن نحرص على عدم إضاعتها.

إن الاكتفاء بتعديل الوزارة وعدم الالتفات إلى معالجة التحديات والمخاطر الجسيمة المحدقة بالقضية الفلسطينية، بحيث يكون تعزيز تمثيل فتح بالحكومة أو تغيير بعض الوزراء لا يقدم حلاً ولا يمثل خشبة الخلاص، وإنما يشكل تهرباً من مواجهة القضايا الحقيقية ونوعاً من الانحياز إلى الاستمرار بالتعلق بأذيال المفاوضات وما يسمى عملية السلام، رغم أن هذه العملية قامت منذ البداية على أسس خاطئة وأصبحت بحاجة إلى مراجعة جذرية شاملة، من فترة طويلة، لم تبدأ وإنما تعززت منذ مرور شهر أيار من العام 1999 دون التوصل إلى اتفاق نهائي يضع حداً للاحتلال ويقيم الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة ذات السيادة على حدود 1967 بما فيها القدس.

-عن الأيام المحلية