خبر د.إياد السراج يكتب عن أجراس السلام وطبول الحرب وأم المعارك الفلسطينية

الساعة 06:02 م|05 ديسمبر 2010

د.إياد السراج يكتب عن أجراس السلام وطبول الحرب وأم المعارك الفلسطينية

هناك ما يشبه الإجماع لدى المحللين السياسيين في فلسطين وإسرائيل والعالم أنه لن تقوم الدولة الفلسطينية في المستقبل المنظور؛ وذلك بسبب نتنياهو وحكومته وأولوياتهم بالسيطرة على الأرض والهروب من السلام، فكيف لنا أن نفهم ما يحدث حولنا؟

هناك أربعة مسائل متداخلة:

أولاً/ إنهاء الانقسام..أم المعارك

ك ينتشر شعور مؤلم لدى الفلسطينيين بأن الصلح مع إسرائيل بات أقرب من صلح فتح وحماس وأن هناك صفقة سياسية تعتمد على بقاء الانقسام وفي هذا فإن الرؤية الوطنية واضحة وهي أنه لا بد من إنهاء الانقسام حتى يمكن الحديث عن الدولة، أعتقد أن هذا هو سبب تصاعد الحركة المصرية مؤخراً باجتماع عمر سليمان وخالد مشعل في مكة. إن دافع مصر القومي هو الحفاظ على فلسطين كوحدة جغرافية واحدة وألا يكون مشروع الدولة المرتقب على أرض الضفة الغربية وحدها، كذلك فلمصر منظورها لأمنها الاستراتيجي والذي يصب أيضاً في وجود فلسطين موحدة وألا تنتهي غزة وحيدة ومعزولة على الحدود المصرية، ويبدو أن الحكومة المصرية قد استطاعت تجنيد قوى  وحركات عقائدية بل ودول وقيادات من أجل التأكيد على أن الهدف يجب أن يكون الدولة على الضفة وغزة مما يعني أولاً إنهاء الانقسام فدون ذلك لن يحدث السلام ولن تقوم الدولة، على أنه من الأكيد أن مشروع المصالحة صار مرتبطاً بالعملية السلمية ومدى نجاحها، وربما يكون هذا الارتباط سبب للتباطؤ في المصالحة الفلسطينية بعد الانفراج الأول في دمشق ويبدو أن هناك انتظاراً للتقدم في عملية السلام في إسرائيل.إن الانقسام هو تجسيد لمخطط إسرائيل والبناء في مربعه خيانة وطنية وإنهاء هذا الانقسام هو أم المعارك الفلسطينية اليوم؛ وحتى ينتهي فلابد من الاتفاق على حل للمعضلة الأخيرة (بعد الاتفاق على موضوع المنظمة والانتخابات بسهولة مفاجئة) وهي المسألة الأمنية: أي من يحمل السلاح؟ والخلاف حول تشكيل وصلاحيات الأجهزة الأمنية في غزة والضفة.موقف حماس المعلن والمبدئي هو المطالبة بتطبيق أية اتفاقات على الضفة وغزة في آن واحد، ولكن في الضفة هناك تنسيق أمني بين الأجهزة الفلسطينية وإسرائيل، ذلك التنسيق كلف الفلسطينيين شهداء ومعتقلين وقمع الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وأثر على تقدير الناس للمشروع الوطني لبناء الدولة وأيضاً على مكانة السلطة وقياداتها وعلى رأسهم أبو مازن وفياض، غير أن ذلك كان هو الثمن الذي قدرته قيادة السلطة  أنه لابد من دفعه من أجل تجريد إسرائيل من السلاح الذي تستعمله دائماً للتهرب من استحقاق السلام؛ فلم تعد إسرائيل قادرة اليوم على القول أن الفلسطينيون يمارسون العنف ولا يريدون السلام، فالوقائع على الأرض تدل على العكس تماماً سواء في الضفة أو غزة، وتلك كانت أيضاً استحقاقات خارطة الطريق التي لم تلتزم بها إسرائيل ويعرف العالم كله ذلك، واعتمد تقدير قيادة السلطة هذا على المراهنة على التأييد الدولي وخاصة الأمريكي لمشروع بناء الدولة على أمل تأييد قيامها، لكن ذلك الأمر يحتاج اليوم الى إعادة تفكير على ضوء احتمال فشل مسيرة السلام. للخروج من مأزق الأجهزة الأمنية فإنه يمكن الاتفاق على تحضير الخطط اللازمة لإعادة تأهيل الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة على أن يتم تأجيل تنفيذها لحين إقامة الدولة على أن يبقى الوضع الأمني كما هو في الضفة وغزة ويتم تدريجياً إنهاء العلاقة مع الاحتلال في الضفة، ويتم الإفراج عن المعتقلين من فتح وحماس في الجانبين والتوقف عن انتهاك القانون وحقوق الإنسان في الضفة وغزة، بالإضافة إلى الإقرار بأن الدولة الفلسطينية لن تكون دولة محاربة وأنه لن يكون هناك ميليشيات مسلحة بل قوة شرطية لحماية الأمن الداخلي فقط.وهنا نشير إلى الدور الذي يقوم به د. سلام فياض وهو يتمتع بمركز ثقة متميز لدى المجتمع الدولي، و لديه احترام لدور فتح التاريخي، و احترام لحركة حماس وقياداتها؛ وقد قال لي مرة أنه جمعته علاقة احترام ومحبة مع السيد اسماعيل هنية أيام أن كانوا في وزارة واحدة، وقد أكد لي السيد/ إسماعيل هنية ذلك.لهذا كله فإني في الوقت الذي أحرض سلام فياض على أن تكون عملية بناء المؤسسات أكثر انسجاماً مع روح العدالة بمنع التعديات على القانون واحترام حقوق الإنسان وتنفيذ قرارات المحاكم، فذلك يصب في مصلحة الوفاق الفلسطيني وأحرضه أيضاً على أن يلعب دوراً تصالحياً؛ فهو يعرف أنه لن تقام الدولة أو يكون سلام دون أن تكون حماس شريكاً كاملاً.ولا بأس من تشكيل لجنة مؤقتة بين حكومة غزة ورام الله فهو إجراء مؤقت يمكن البناء عليه، ليتبعه تشكيل حكومة وموحدة مؤقتة ثم الذهاب للانتخابات، ولكن الانقسام يرتبط اليوم بقيام الدولة فإن لم تصل المفاوضات إلى نهايتها بالاتفاق على إقامة الدولة فسيظل الوضع كما هو عليه وربما يفتح الباب لحروب جديدة.

 

ثانياً/ إسرائيل الفرصة الأخيرة:

كان رحمة الله عليه ياسر عرفات يقول إن قيام الدولة أقرب من مرمى حجر، وأعتقد أنها أصبحت قريبة برغم وعورة المسار، فإن الفرصة السانحة لإسرائيل اليوم لن تتكرر؛ فهي لن تجد بعد اليوم من يتفاوض معها، وبدلاً من التفاوض ستجد نفسها محاصرة في حرب المقاطعة الدولية وتصبح هدفاً لليسار العالمي وقوى الإسلام باعتبارها دولة خارج القانون وتتصف بالعنصرية، ويقيناً فإن هناك حالة حراك سياسي في داخل إسرائيل والجاليات اليهودية القوية في العالم لاستغلال هذه الفرصة الأخيرة وتعرف إسرائيل ان بوابة السلام مع العرب والعالم الإسلامي ستكون إقامة الدولة الفلسطينية.كذلك فإنها ربما الفرصة الأخيرة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذلك أنه إن لم يتم ذلك بالمفاوضات فسيتغير مسار الكفاح الفلسطيني إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل تصل إلى الأمم المتحدة بكل تعقيداتها وسيفتح الباب أيضاً لاحتمالات الصدام المسلح والعنف بكل أشكاله في المنطقة كلها بما فيه العنف الداخلي. وإلى مواجهة احتمال عودة الاحتلال وقيام دولة الأبرت هايت العنصرية أو قيام الدولة الواحدة ثنائة القومية .

 

ثالثا/ مروان البرغوثي.. رجل المرحلة:

الإفراج عن مروان البرغوثي مرتبط بالمصالحة الداخلية والمفاوضات مع إسرائيل وليس فقط بموضوع شاليط.  مروان يحتاجه الجميع ويستطيع التعامل مع الجميع فقد حافظ د. فياض على علاقة قوية معه طيلة السنين وينتظر الكثيرون في "فتح" مروان البرغوثي لقيادة المرحلة القادمة وتنظر أوساط هامة في إسرائيل إلى مروان باحترام وإلى أنه رجل سلام وتستطيع حماس أن تتواصل مع مروان أكثر من غيره ولكن من المؤكد أن الإفراج عنه مثله مثل المصالحة الفلسطينية قد بات واضحاً ارتباطه بعملية السلام والانفراجات فيها.

 

رابعاً/ أوباما.. الحرب والسلام:

يراهن أوباما على تحقيق المعجزة وهي اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين يضمن أمن إسرائيل وقيام دولة فلسطينية، ويمهد لعلاقة طبيعية بين العرب والمسلمين والولايات المتحدة والغرب.يدفع أوباما بكل قوته وبإغراءات شديدة ورشاوي أمنية وسياسية لإسرائيل من أجل أن تقبل حكومتها بالاتفاق على الحدود والأراضي خلال فترة جديدة لتجميد البناء في المستوطنات تمتد لثلاثة شهور يتم خالها الاتفاق على الحدود والاراضي.وإذا ما تحقق الانفراج في مفاوضات السلام، فستنشط من جديد حوارات المصالحة الفلسطينية (بعد التباطؤ المفاجئ والمقصود الذي أعقب إنطلاقة الامل) وكذلك المفاوضات المتعلقة بالإفراج عن البرغوثي وبقية الأسرى مقابل شاليت.وفي تلك الحالة، سيتحقق لأوباما نصراً كبيراً ربما يساعده داخلياً في مواجهاته مع أعدائه السياسيين وربما يساعد حزبه الديمقراطي في الانتخابات القادمة، فهو بتحقيق السلام في الشرق الأوسط يكون قد أسدى لإسرائيل خدمة كبيرة ستجعل اليهود في أمريكا يقفون إلى جانبه، ومن ناحية أخرى سيكون أوباما قد حقق اختراقاً في علاقة أمريكا مع العرب والمسلمين وسيكون قد استحق جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها مسبقاً دون إنجاز ودون بريق، وبالتالي يكون أوباما قد جنّب المنطقة ويلات حرب جديدة، والحقيقة أن جميع أطراف الصراع ليست حريصة على حرب جديدة.فالكل يدرك أن الحرب لن تحقق تقدماً ولا نصراً لأي من الفرقاء. وتقديري أن أوباما يصر على عدم الدخول في حرب جديدة وهو لن يسمح بسهولة بحرب في الشرق الأوسط وخاصة على غزة.بدائل..المقاومةوأخيراً، فإن علينا نحن الفلسطينيين أن نقدر خياراتنا ونحسم أمورنا وأن نحقق وحدتنا وأن نسير في طريق المصالحة الداخلية وإقامة الدولة وإقرار السلام فذلك هو طريقنا نحو الحرية ونحو النمو والتقدم وامتلاك نواصي القوة دون التخلي عن حقوقنا التاريخية وخاصة حق العودة الذي لا يمكن التفريط به أصلاً باعتباره حقاً فردياً وجمعياً تضمنه قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ولا يسقط بالتقادم. وعلى الفلسطينيين ان يحسموا خياراتهم والتفكير على مستوى القيادة بخطط استراتيجية وليس مجرد التكتيك، وأنه في حالة فشل إسرائيل للوصول الى اتفاق السلام يضمن للفلسطينيين الحد الادني من حقوقهم، يبقى لدينا خيار أصيل وهو المقاومة الشاملة ضد الاحتلال والاستيطان الذي نفذ كالسرطان في أحشائنا منذ "اوسلو" اللعينة، إن معركة الصمود على الأرض التي يقودها سلام فياض بالضفة لبناء المؤسسات يجب حينئذٍ أن تصبح حركة مقاومة سلمية واسعة ويبقى أيضاً حل السلطة والطلب من الأمم المتحدة وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت الوصاية الدولية لحماية الأرض من إسرائيل وحمايتنا من أنفسنا ومساعدتنا وتدريبنا على إقامة دولة المؤسسات تمهيدا لإعلان الاستقلال.