خبر خطر من اليمين

الساعة 02:58 م|04 ديسمبر 2010

خطر من اليمين

بقلم: بن-درور يميني

تجميد للتجميد. في أيام التسريبات العظمى من انتاج ويكيليكس، الثرثرة الدبلوماسية تعفينا من البحث السياسي الحقيقي. هذا وهم قصير المدى. المواقف التي أعرب عنها في هذه الصفحات في صالح التجميد، ضد توسيع المشروع الاستيطاني، مع تقسيم البلاد، جعلتني أنال وابلا من ردود الفعل. بعضها متحدٍ.

هذا نقاش هام. هذا ليس جدلا بين كارهي اسرائيل ووطنيين. لعله البحث الاهم في مستقبل اسرائيل. واجب اجراؤه. مقال نشره مؤخرا د. ران برتس، يتضمن معظم الادعاءات الاساسية التي وجهت الي. برتس هو ممثل واضح لليمين سوي العقل، ليبرالي لا يسعى الى منح المواطنة لجموع الفلسطينيين، لا يؤيد الطرد، وليس فيه ذرة من عنصرية.

لليمين، كما ينبغي أن يقال، توجد ادعاءات جديرة ضد اليسار، بما في ذلك الصهيوني. ولن أكلف نفسي العناء للرد على بعض هذه الادعاءات لان ادعاءاته هي ادعاءاتي. يخيل لي ايضا انه يوجد بيننا توافق أساس: للشعب اليهودي يوجد حق ليس فقط في تقرير المصير في دولة ذات سيادة بل وايضا في الحفاظ على أغلبية يهودية، في ظل اتخاذ كل الوسائل الديمقراطية لهذا الغرض. من هنا فصاعدا يبدأ الخلاف.

* * *

الادعاء الاول لبرتس هو، "اين يعارض العالم حق أي شعب في المكوث في وطنه التاريخي؟... حقيقة أنه يمكث على هذه الارض ابناء شعب آخر لا ترفع ولا تنزل من حيث حق المطرودين في وطنهم، بالضبط مثلما لا يلغي الغزاة لشقة ما ادعاء المالكين الشرعيين بها".

خطأ. شعوب كثيرة اقتلعت من مكانها. اكثر من 50 مليون نسمة اجتازوا تجربة تبادل السكان في القرن الاخير. 20 مليون منهم في اوروبا وحدها، في عقد بعد الحرب العالمية الثانية. وبالنسبة للكثيرين كان هذا اقتلاع من "وطن تاريخي". اقليم كوسوفو هو وطن الشعب الصربي. "يهودا والسامرة" خاصتهم. الالبان مكثوا هناك، طردوا، واعيدوا بعد رد سريع وحازم من الاسرة الدولية. وميلوشوفتس بالذات، الذي بادر الى الطرد، جعل الصرب يخسرون اقليم البلاد لابائهم واجدادهم. يمكن ان نواصل بطرح المزيد من النماذج. غير أن اليراع يقصر على ذلك.

برتس لا يقصد، ولكن ادعاءه، مع ذات قصة "الغزاة الى الشقة"، سمعته لعدد لا تحصى من المرات من الناطقين بلسان الدعاية الفلسطينية. ومثلا برتس، هم ايضا يدعون بان لا فارق بين الخليل وبئر السبع. اذا كان برتس محقا، ولكل شعب حق في العودة، فللفلسطينيين ايضا يوجد مثل هذا الحق. غير أن برتس وامثاله من اليسار مخطئون. لا يوجد حق كهذا. فالعالم سلم بالتبادل الجماعي للسكان، لغرض خلق دول قومية. ومن اللحظة التي نشأت فيها دول قومية – فلا مزيد لعودة المطرودين الى الجانب الذي سبق أن اقيمت فيه الدولة. هكذا هنا ايضا. كان تبادل للسكان. الاسرة الدولية اعترفت، ولا تزال تعترف، بدولتين قوميتين. وعندما يوضح بان الفلسطينيين مستعدون لان يقيموها الى جانب اسرائيل – وليس بدلا من اسرائيل – فسيكون بوسعهم ايضا أن يحققوا هذا الحق.

* * *

الادعاء الثاني لبرتس هو ان "كل الانسحابات الاخيرة – خلافا للوعود – جعلت وضع اسرائيل الاستراتيجي اسوأ... تسليم اراض وتخريب مستوطنات سيتبين مرة اخرى كقصور وكخطأ تاريخي وسينضم الى جملة الاخطاء التاريخية التي جبت ثمنا وطنيا وثمنا دمويا باهظا".

ليس بالضبط. الانسحابات الاكبر جاءت بالذات من جانب حكومات اليمين: بداية كان هذا مناحيم بيغن، الذي نفذ الانسحاب من سيناء، بما في ذلك اخلاء مستوطنات، والانسحاب الثاني كان لاريك شارون الذي اخلى قطاع غزة. مشكوك أن يكون برتس يريد العودة الى سيناء. فالسلام مع مصر، رغم أنه سلام بارد، اجتاز اختبارات عسيرة. ومصر نجحت فيها.

بالنسبة لفك الارتباط، الحق مع برتس. التنفيذ كان فظيعا، حتى لو كانت الفكرة مبررة. غير أنها هي التي تقرر. حماس على نحو خاص، وفي معظم المراحل القيادة الفلسطينية بأسرها ايضا، لا يريدون تسوية. فلو كان القطاع هادئا – لكان التأييد لانسحاب اضافي يحظى بالتأييد. المعارضة المبررة لفك ارتباط اضافي هو تحصيل حاصل لرد الفعل الفلسطيني. تعلمنا درسا.

الوضع الفلسطيني الحالي لا يسمح بانسحاب اضافي. فقد رفض الفلسطينيون ليس فقط صيغة كلينتون بل وكل اقتراح آخر. وهم يقيدون أنفسهم. لديهم ساعة شرق اوسطية. صبر بلا نهاية. هل حقيقة ان الفلسطينيين يريدون دولة كبيرة تفترض بنا ان نرقص بالذات حسب عزفهم، وان نبني الدولة الكبرى إذ ان هذا بالضبط ما تفعله المستوطنات. فهي تقودنا الى تسوية "الدولة الواحدة". من المجدي ان ننظر الى خريطة التواجد اليهودي. هذه خريطة اسرائيل الكبرى. او فلسطين الكبرى. وهذا لا يقلق بال برتس. أما أنا فيقلق بالي. هذه خريطة تدفع آرنس، حوتبيلي، ريفلين وآخرين الى الحديث عن منح حق المواطنة للفلسطينيين. من ناحيتهم، هذا استنتاج محتم. اليسار المتطرف يروج لذلك. اما اليمين فيصبح مقاول تنفيذ.

* * *

لغرض تبرير توسيع المستوطنات، يدعي برتس: "حتى لو اتسعت المستوطنات الف ضعف، وحتى لو ضمت اسرائيل مناطق، فانها ستفعل ذلك بشكل لا يمس بالحقوق السياسية للفلسطينيين. والاستنتاج واحد: المستوطنات لا تهدد باي شكل وجود السلطة الفلسطينية وعليه فلن تكون بسببها "فلسطين كبرى".

قلبت وقلبت هذا الادعاء الغريب، ولم أجد راحة. فالضم واقامة المزيد فالمزيد من المستوطنات، بادعاء برتس، "لن يمس بالحقوق السياسية للفلسطينيين". فهم، بالنسبة له سيكتفون بمناطق أ. ليس لدي فكرة متى نظر برتس في خريطة السلطة الفلسطينية. فهي تسيطر على اقل من 20 في المائة من الارض. اما المستوطنات، فمنذ اليوم، تسيطر على مساحة اكبر. ويؤمن برتس انه يمكن، عن حق وحقيق، زيادة مساحة المستوطنات ("الف ضعف")، ونيل موافقة دولية على ذلك او موافقة صامتة، والحفاظ على هدوء امني من جانب الفلسطينيين. نحن سنمنحهم بنتوستانات صغيرة، وبالمقابل، سيكافحون ضد حماس وسيقولون شكرا على كل طريق التفافي وخانق. يتبين أن الهذيان لا يوجد فقط في اليسار.

الخوف من خلق كيان واحد، في أعقاب توسيع المستوطنات، والاقتراحات لمنح حق المواطنة للفلسطينيين (من اليسار ومن اليمين) يستبعده برتس بالادعاء بان "ليس فقط الفلسطينيون، العالم واليهود في اسرائيل، بل وايضا عرب اسرائيل سيعارضون ذلك. وحتى الامم المتحدة تعارض اليوم خلق كيانات ثنائية القومية".

أخشى أن يكون برتس يعاني من انقطاع عن الواقع. أولا، يوجد اليوم معسكر آخذ في الاتساع، من اليسار (في العالم الواسع) ومن اليمين (ريفلين، آرنس، حوتبيلي، التسور وغيرهم وغيرهم)، يؤيد اعطاء حق المواطنة للفلسطينيين. غير أنهم في هذا الموضوع مثلما قال ذات مرة الحكيم الاعظم، "ليس الواقع يسير خلف الاعتقاد بل الاعتقاد يسير خلف الواقع". بمعنى، ليست الاراء هي التي تخلق دولة واحدة. انه الواقع الذي يخلق الاراء المؤيدة لها.

برتس لا يكتفي بما هو موجود. فهو يريد "الف ضعف". والفلسطينيون، على حد نهجه، سيسكتون كالسمك. فهو سيمنحهم "حكما ذاتيا". ربما يقول لنا برتس، ستقوم دولة فلسطينية. ولكنها ستكون صغيرة. جد صغيرة. تقريبا مناطق أ التي هي اليوم. هذيان سبق أن قلنا؟ سنقول مرة اخرى.

لتهدئة الخوف الديمغرافي يعرض برتس مرة اخرى مجموعة اليمين التي تدعي أن عدد الفلسطينيين اقل مما أخافونا به. حتى لو كانت التقديرات المنخفضة صحيحة – فلا يزال محق البروفيسور امنون سوفير الذي يحذر مثل نبي الغضب ضد عودة فلسطينية، ضد غزو للمهاجرين والمتسللين، ضد خلق دولة ثنائية القومية. وبالضبط مثل رجال اليسار، الذين يؤيدون توطين المتسللين ومهاجري العمل ويدعون بانه "لا توجد مشكلة ديمغرافية"، هكذا ايضا رجال اليمين يدعون بانه "لا توجد مشكلة ديمغرافية". لديهم قاسم مشترك. فهم لا يعربون عن تأييد رسمي لـ "دولة واحدة كبرى"، بل هم فقط مروجوها.

* * *

بزعم برتس، لا فرق بين المستوطنات في عهد الحاضرة وبين المستوطنات في مناطق يهودا والسامرة. في حينه لم يكن هذا استعمارا (وأنا موافق) اما اليوم فهو استعمار. هذا هو بالضبط الادعاء المناهض للصهيونية: ادعاء "اللافرق". وبالفعل يوجد فرق. الصهيونية انتصرت وذلك لانها دوما عرفت كيف تحظى بالشرعية الدولية. العرب قالوا لا للجنة بيل، لا لمشروع التقسيم، لا للاعتراف باسرائيل، لا لباراك، لا لكلينتون، لا لاولمرت. وهم يدفعون ثمنا باهظا. اسرائيل تتفتح وتزدهر. صحيح ان هناك تشويه للصورة. صحيح ان هناك نزع للشرعية، ولكن العالم الحر، باغلبيته الساحقة، يعترف بشرعية دولة اسرائيل. العالم الحر في معظمه يعارض حق العودة. وها هو، امام ذات الشرعية للدولة اليهودية والديمقراطية، يقف معسكر مزدوج: يسار غريب الاطوار ويمين مستوطن، يؤدي الى نزع الشرعية.

معظم زعماء العالم الحر ايدوا اقامة دولة اسرائيل وكلهم يؤيدون اليوم جود دولة اسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي. غير أنه لا يوجد زعيم واحد في العالم الحر يؤيد توسيع المشروع الاستيطاني. كما أن اصدقاء اسرائيل الكبار في البلدان الغربية، بما في ذلك اغلبية يهود الولايات المتحدة يقولون ويوضحون: "نعم لدولة يهودية وديمقراطية. لا لدولة كبرى او ثنائية القومية.

برتس يقترح الاستخفاف بكل العالم وتثبيت حقائق ناجزة. خلق واقع مخيف. شطب الفارق بين تل أبيب والخليل. غير أن هذا الشطب بات يعمل في الاتجاه المعاكس. من يصر على لصق شرعية تل أبيب بشرعية الاستيطان داخل الخليل – سيفقد شرعية تل أبيب. لقد سبق لهذا ان حصل.

هذه الامور هي طرف الشوكة. هناك ادعاءات اخرى جديرة بالبحث. لليمين، كما سأكرر، توجد ادعاءات صحيحة. اما استنتاجاته فخطيرة. وفي كل الاحوال، هذه الايام بالذات والتي يوجد فيها تجميد للتجميد، والواقع ثنائي القومية يبنى ويزدهر، يجب التحذير والحذر لان الحلم الصهيوني في خطر. ليس فقط من جانب اولئك الذين يمقتون الحلم الصهيوني بل وايضا من جانب اولئك الذين يعربدون باسمه.