خبر مملكة السر بقيت مغلقة- هآرتس

الساعة 02:51 م|04 ديسمبر 2010

مملكة السر بقيت مغلقة- هآرتس

يوجد شيء ما فوضوي وصبياني معا في ظاهرة "ويكيليكس". فمثل الولد الصغير مع لباس الملك الجديد الذي يتبيّن دهشا أن عالم الكبار مليء بالنفاق، والرياء وعدم النزاهة على خلاف مطلق لما ربوه عليه، ويعزم على أن يكشف على الملأ أكاذيبهم – يتناول "ويكيليكس" عالم الدبلوماسية وقواعد السرية فيه. إن جوليان أسانج مثل ولد يرفض أن يكبر يقلب المائدة بتصرف فوضوي ويكشف عن كل ما أحرزته يده كي يروه.

والنتيجة سلسلة ادراكات آسِرة لجوهر الدبلوماسية. فمن جهة، وبرغم الكشف بالجملة عن ربع مليون وثيقة بعضها في الحقيقة ذو حساسية، يبدو أن الكشف لم يكد يمس جواهر تاج الامن القومي لامريكا أو حليفاتها. يبدو أن اطلاق الوثائق لم يؤدِ الى الكشف عن أسرار دولة لم تكن معلومة حتى الآن، في السياسة أو الاستخبارات أو التكنولوجيا.

تبيّن سريعا أن الوثائق المسربة لم تغير كثيرا شكل ادراك الخبراء الاكاديميين (الذين لم تُكشف لهم المواد السرية) لمجالات تخصصهم. لم يتعلم كاتب هذه السطور أي شيء جديد من قراءة محضر جلسة محادثة مستشار الامن القومي عوزي أراد ورجاله للوفد الامريكي برئاسة نائبة وزيرة الخارجية، ايلين تاوشر، التي جاءت في كانون الاول 2009 لتنسيق المواقف في الشؤون الذرية. إن ما قدّرت أن يُقال في اللقاء قد قيل بالتقريب.

اذا استثنينا التلون والنمائم، فاننا لم ندرك شيئا في الحقيقة من كشوف "ويكيليكس". فالمادة في عمومها ساذجة. يتبيّن أنه يوجد في المادة المكشوف عنها قدر كافٍ من السم الدبلوماسي لاحراج حكومة الولايات المتحدة وعدد من حليفاتها احراجا كبيرا. على سبيل المثال برغم انه لا يوجد جديد في العلم بأن دبلوماسيين امريكيين طُلب اليهم التجسس على زملائهم، وفي ضمن ذلك جمع عينات دي.ان.ايه، فان حقيقة أن الطلب تم باسم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون محرجة بل مخجلة بلا شك. وان حقيقة ان عبد الله ملك السعودية عبّر بصوته عن هوى أو أمل أن تسحق الولايات المتحدة رأس "الأفعى" الايرانية ليست مفاجئة لكنها تظل محرجة.

لم ينجح الولد الصغير "ويكيليكس" في الوصول الى أسرار التاج – فبعد كل شيء يُحفظ جوهر مملكة السر حفظا لا يُمكّن من التغلغل اليها – لكنه نجح في الوصول الى مناطق كثيرة في مملكة السرية. يبدو أنه كان الافتراض أن الناس يدركون الفرق بين الأسرار الحقيقية والامور التي تستحق السرية وأننا جميعا نحترم السرية وتبين أن ليس الامر كذلك.

ويكمن هنا ادراك آخر هو التضاؤل المستمر للدبلوماسية بصفتها أداة في السياسة. كانت الدبلوماسية في الماضي البعيد أداة مركزية للسياسة، ورأى الزعماء دبلوماسييهم الكبار، ولا سيما سفراؤهم في عواصم مركزية، قنوات شخصية تنقل في سرية وتكتم رسائل سياسية حساسة. واصبح اليوم يوجد احتياج أقل لهذه الوظيفة. فالقادة يتعارفون شخصيا، ويلتقون لقاءات متقاربة في اجتماعات قمة، ويعلمون انه لا يوجد أكثر سرية من الاتصال الشخصي. أصبح الدبلوماسيون ملخصين يكتبون ما يُقال في أحاديث القادة وعندما يصبح الموضوع حساسا يطلبون في أدب الى الدبلوماسي الخروج من الغرفة.

نظرت في التسعينيات في أرشيفات امريكية لأكثر المراسلات الدبلوماسية التي صدرت عن سفارة الولايات المتحدة في تل ابيب في الستينيات. كان اكثر المادة ساذجا فقد كان ثمة استعراضات سياسية أو اقتصادية تشبه الاستعراضات الصحفية واحيانا نميمة. وكان رئيس بعثة الـ سي.آي.ايه في تل ابيب في ذلك العهد، جون هادن، هو الذي أوضح لي ان الامور المهمة حقا، التي تتعلق بالسياسة في المستوى العالي أو بالذرة أو بالاستخبارات لا توجد في أرشيفات وزارة الخارجية الامريكية. فهذه الامور على العموم لا تُكتب في الورق وعندما تُكتب لا تبلغ أبدا علم الدبلوماسيين.