خبر كتب أيمن خالد : تركيا وحزب العمال ومخلفات الدولة

الساعة 11:03 ص|04 ديسمبر 2010

كتب أيمن خالد : تركيا وحزب العمال ومخلفات الدولة

الإمبراطوريات التي تنكمش إلى جمهوريات في ظرف تاريخي محدد لا تنتهي مشاكلها، ويمكن أن تظهر هذه المشاكل كأحد مخلفات الماضي، وهنا بالضبط كانت المشكلة الكردية، التي استثمرها في وقت سابق الاتحاد السوفييتي، ليجعل منها نقطة احتكاك ومواجهة مع الغرب، لان الإمبراطوريات العظمى تفكر دائما بخوض حروبها وتصفية حساباتها على طريقة الحرب بالوكالة، لان هذا اقل كلفة عليها.

أرادت الحكومة الحالية تطويق حزب العمال الكردستاني وخنقه، من خلال وضع إستراتيجية جديدة، ومع أن هذه الإستراتيجية لم تكن مكشوفة للإعلام التركي، لكن يمكن قراءة هذه الإستراتيجية، بأنها تسير على خطين متوازيين، الأول: إلقاء حزمة من التعديلات والإصلاحات الداخلية، مع الاستمرار ببعض الضغوط العسكرية، التي لا أظن أن الحكومة الحالية تلجأ إليها أو تفكر فيها كاستراتيجية دائمة، وإنما هي نوع من تكريس هيبة الدولة، والأمر الثاني: هو مختلف تماما، وهو أن الأتراك بدأوا يتوجهون في سياستهم خارجا، ويفتحون الأبواب على مختلف الصعد، وهي سياسة قوية ومهمة، لأنها في المنظور الفكري تعتبر أفضل وسيلة لتقليص حجم مشكلات الداخل، فالدولة التي تعاني مشكلات داخلية، لا تنتهي مشكلاتها بانشغالها الدؤوب فيها، ويمكن أن اختصر المسافة بالقول إن تركيا بهذه الطريقة في السياسة، تحاول الخروج من عقل الدولة أو الجمهورية إلى مستويات الأمة، فعندما تعود تركيا لتفكر بعقل الأمة وهموم الأمة، فهي الطريقة الوحيدة لحل مشكلات الداخل التي هي بالتأكيد نتاج مخلفات عصر الدولة أو الجمهورية، فالأكراد داخل تركيا يعيشون هموم ومستقبل الأكراد، ولكن فتح أبواب تركيا للخارج يعيد طرح وحدة هموم الأمة بأكملها، ويقلص أو يعيد إنتاج هموم البيت الداخلي بشكل أفضل.

تركيا الآن تعيش في حقبة تاريخية فريدة من نوعها، وتعيش فرصة ذهبية من العمر لم تحصل عليها أي دولة من قبل، فهي عمليا تعيش بين قوتين هائلتين، لكنهما منهكتين، فهي بين القوة العسكرية الأمريكية الغارقة بهموم صناعة نصر مستحيل في أفغانستان يعيد لأمريكا هيبة الإمبراطورية، ومن الجانب الآخر هي بين قوة اقتصادية متهاوية، في جارتها العجوز أوروبا، وبالتالي فان تركيا في وسط لحظة تاريخية غير مسبوقة، تستطيع أن تركض في السباق كما تريد، وتستطيع استدراج التقنية الأوروبية وصناعة (صين شرق أوسطية) وتستطيع أيضا أن تغذي أوهام الأمريكيين وتتركهم يسبحون في كهوف تورا بورا بأفغانستان، وتملك أيضا مقدمات صناعة المستقبل، التي ترتكز على تحالفات الجوار، بمعنى مغادرة منطق الدولة إلى منطق الأمة.

في هذه اللحظة التاريخية أهم نقطة في واقع تركيا الحالي أن عموم الغرب بحاجة لها، ولا يستطيع إحياء الصراعات القديمة بوجه تركيا، بمعنى انها دولة تنطلق في ميدان واسع بلا أعداء في الوقت الحالي، وهذه مأثرة مهمة، لان الوقت مناسب لصناعة اكبر قدر من التحالفات، والعلاقات التي تتيح عمقا استراتيجيا للدولة، وتعزز نمط الشراكة وتطرح بدائل اقتصادية تجذب المنطقة إليها بدلا من اقتصاديات الغرب التي تنتعش من خلال الهيمنة وصناعة الأزمات للدول المعنية.

أعداء مستقبل تركيا هم في داخل تركيا، وهم الذين لا يزالون يفكرون بإعادة تركيا إلى عصر الدولة، والانكفاء داخليا، ومثل هذه الخطوة سوف تخلق مشكلات أكثر عمقا وألما من مشكلة حزب العمال الكردستاني، الذي من الطبيعي أن يشهد انكماشا قريبا وانشقاقات داخلية، في حال اســتمرار تركيا بالانفتاح على المنطقة.

عمليا هناك جامع مشترك بين المعارضة التركية متمثلة بحزب الشعب الجمهوري وبين حزب العمال الكردستاني فالجميع يفكر بنفس الطريقة، وكلاهما يحلم بدولة صغيرة مغلقة الأبواب، على طريقة المدن والدول في القرون الوسطى، فالأكراد عمليا لا حل لمشكلتهم بوضعهم في جغرافيا ضيقة، ولكن عندما نعطيهم فرصة لكي يعيشوا معنا هموم الأمة، فهم سيجعلون حزب العمال وراء ظهورهم، كما هو الحال في حزب الشعب الجمهوري، الذي إذا كانت ذات يوم سياسته في مصلحة بناء تركيا، فالسياسة التي ينتهجها اليوم هي سياسة تسعى إلى تدمير مستقبل تركيا .