خبر معمِّر عاصر الأتراك والانجليز والاردن والاحتلال والسلطة ولا زال يسبق أحفاده إلى أرضه

الساعة 08:16 ص|27 نوفمبر 2010

معمِّر عاصر الأتراك والانجليز والاردن والاحتلال والسلطة ولا زال يسبق أحفاده إلى أرضه

فلسطين اليوم: نابلس

يستيقظ الحاج يوسف اشتية (أبو احمد) مع خيوط الفجر الأولى كل يوم، ويقصد، سيرا على الأقدام، أرضه التي تبعد عن بيته نحو كيلو متر واحد في قرية النصارية، شمال شرق مدينة نابلس.

يحتضن (أبو احمد) فأسه بكفيه الخشنتين، ويعزق الأرض ويعتني بها وينجز جزءا كبيرا من العمل قبل أن تشرق الشمس وتدب الحياة في القرية ويلحق به أحفاده.

و(أبو احمد) ليس في الخمسينات من عمره ولا حتى في التسعينات، فقد قفز عمره عن 105 سنوات، ومع ذلك فهو يتمتع بقوة جسدية وذاكرة وروح دعابة ربما لا يملكها شباب هذه الأيام.

ويقول إنه واحد من أكبر رجال فلسطين سنا، وانه سعيد بذلك، فقد عاصر فترة الأتراك ومن بعدهم الانجليز فالأردن ثم إسرائيل وأخيرا السلطة الفلسطينية، وجعبته مليئة بالذكريات.

ويؤكد (أبو أحمد) لصحيفة القدس المحلية، أنه قادر على العمل في أرضه ولا يشعر بتعب كثير رغم كبر سنه، ويعتقد إن سر قوته تكمن في حفاظه على نظامه الغذائي وعدم تناوله المشروبات الغازية، وكثرة تناوله العصائر الطبيعية، إضافة إلى حركته اليومية، وابتعاده عن التدخين أيضا.

يعود (أبو احمد) بذكرياته إلى عدة عقود خلد، ويتحدث عن ثلاث نساء تزوجهن، قبل ان يتوفاهن الله جميعا، مشيرا إلى انه أنجب منهن 11 ولدا وبنتا.

يتحدث عن أرضه وكأنها كل شيء بالنسبة له، ويقول: "الأرض هي العرض، وتعني الوجود والثبات والتمسك بفلسطين، وسأبقى متمسكا بها إلى أن يتوفاني الله".

يترك اشتية حديثه عن أرضه ويقف محدقا ببيوت قريته، مشيرا بعكازه التي تلازمه دائما إلى البيوت الحديثة، قائلا:" لم تكن هذه البيوت جميعها في القرية، إنما كان هناك بضع بيوت مبنية من الطين وألواح الصفيح".

ويروي (أبو أحمد) كيف وقف أهالي نابلس والقرى المحيطة مصطفين على جانبي شارع فيصل بالمدينة أيام حرب ال67 لاستقبال الجيش العراقي، الذي ساد الاعتقاد انه سيأتي محررا، لكن المفاجأة التي حصلت هي أن الجيش الإسرائيلي هو الذي دخل المدينة.

يضيف (أبو أحمد): "من زمان ما كان في عندنا إلا راديو واحد في القرية، والكل يروح يسمع أخبار منه، ووصلتنا أخبار انه الجيش العراقي بده ييجي على فلسطين ويحررها، واحنا كنا نحب العراق وأهلها، فطلعنا نستقبلهم إلا إننا تفاجئنا بأن إسرائيل هي إلي دخلت البلاد مش العراق".

وبتنهيدة لا تخلو من الحسرة يقول أبو احمد: "أيام زمان قبل ما تيجي إسرائيل كنا مع الأردن وكنا نروح ونيجي وين ما كان بدون تصاريح ومن دون ما نمرعن حواجز، نحمل بضاعة لعمان ونجيب منها على الحمير ونبيع في الحسبة العتيقة في عمان".

ويضيف: "كنا نسافر من النصارية للعبدلي في عمان بواسطة الباص بـ 15 قرشا فقط، وأبوي كان يسافر في اغلب الأحيان على الدواب والحمير".

ويتابع: "والله الحياة زمان رغم كل المصاعب والمشقة إلا أنها كانت أجمل من اليوم، كانت العلاقات الاجتماعية بين الناس أقوى، اليوم الأخ ما بطيق أخوه، ولا بعرف عنه اشي، الكل مشغول في حاله".

وما ينفك (ابو احمد) يلقي ابيات من الشعر بعضها من تأليفه واخرى يحفظها منذ صغره، ويقول انه محب للشعر كثيرا، ويجيد القاءه..

ينادي ( ابو احمد) إحدى حفيداته قائلا: هاتي رغيف "يقمق" وجيبي معه "ياغورت"، ممازحا إياها باللغة التركية، ويقصد رغيف خبز ولبن.

ويتذكر يوم أخرج الانجليز الأتراك من ديارنا بقوة الطائرات، التي جعلت جنود الجيش التركي يهرولون فارين عبر "الشريعة" باتجاه الأغوار خوفا من الانجليز وحفاظا على أرواحهم.

ويقول: "جميعنا لا شك يكره الانجليز بسبب احتلالهم لفلسطين وتنكيلهم بأبنائها إلا ان لي دافع آخر يزيدني حقدا عليهم، وذلك بسبب قتلهم لأعز صديق لي (أبو عبد الله) الذي استطاع إسقاط طائرتين حربيتين من طائرات الجيش الانجليزي".

ويتقن أبو احمد التطبيب ومعالجة الناس من الآم الظهر، ويأتيه المرضى للعلاج، ويقول "ما من مريض دخل بيتي وتلقى علاجي إلا رجع إلي شاكرا بعد شكر الله لأنني استطعت شفاءه".