خبر تركيا.. خطأ قاتل في السياسة الخارجية..أيمن خالد

الساعة 02:30 م|25 نوفمبر 2010

تركيا.. خطأ قاتل في السياسة الخارجية..أيمن خالد

قبول تركيا بفكرة الدرع الصاروخية يعتبر خطأً كبيراً في السياسة الخارجية، بغض النظر عن التوصيات أو التحفظات التركية على طريقة وكيفية استخدامها، فالمسألة بمجملها لا نفهمها من خلال العواطف، وإنما للسياسة قراءة مختلفة، فالنوايا الحسنة، لا تصلح في هذا المقام بالمطلق، لأن هناك قاعدة منطقية وواضحة للجميع، أن حلف الأطلسي ليس حلفا نظيفاً يعمل على إنصاف دول المنطقة، كما أن هذا الحلف لا يمارس دورا دفاعيا عن نفسه بالمطلق، بل هو قوة استعمارية بشعة مارست الدول الكبرى فيه وتمارس أدوارا غير نظيفة من أفغانستان إلى العراق وتستعد لتقسيم السودان وغيره.

السؤال الصحيح الذي يجب على الحكومة التركية أن تجيب عليه، هو ما مبرر وجود تركيا في حلف الأطلسي بعد أن انتهت مبررات وجود هذا الحلف، فمعلوم أن هذا الحلف صُنع في وجه الاتحاد السوفييتي، ولكن مع انتهاء هذه الحقبة التي أعطت سابقا لتركيا مبررات تاريخية بالوقوف ضد روسيا، ترجع إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى. غير ان تركيا لا تملك اليوم أي مبرر لوجودها في هذا الحلف، لأن الوظيفة التي يقوم بها هذا الحلف اليوم، لا تنسجم أبدا مع الشارع التركي الذي انتخب هذه الحكومة على أساس (حكومة تفكر بمنطق حل المشكلات الداخلية وتحويل المشكلات الخارجية إلى صفر) وفي وسط هذه المعادلة، تصبح موافقة تركيا على مشروع الدرع الصاروخية بمثابة ضربة في الصميم لأحلام الناخب التركي، الذي لا يريد أن يكون بلده جزءا من أي عملية حربية خارجية.

تركيا عمليا أعطت بهذه الموافقة مشروعية لقضية الدرع الصاروخية، وهذا يعني أنها أعطت مشروعية لفكرة الهيمنة على الآخرين، وهي السياسة التي تنتهجها الدول المؤثرة في حلف الأطلسي، وكلنا يعلم، أن هذه الدرع غير موجهة لحماية دول حلف الأطلسي، وإنما هي عملية ذات طابع عدواني، وهذه الصواريخ هي مجرد إعلام حربي موجه لحماية السياسة الحالية للحلف، بغض النظر عن الواقع الحقيقي، وما وراء هذه الصواريخ مصالح إعلامية واقتصادية لبعض دول الحلف، لكن وجود فكرة الصواريخ، لا تخدم تركيا ولا دول المنطقة، ولا المستقبل ولا السياسة التي تقوم على فكرة (مشاكل صفر).

حلف الأطلسي يعيش عمليا أزمة كبيرة، هي بالضبط أزمة وجود، وهذا الحلف يستعد للذوبان، لأنه يفتقر لشروط الأحلاف العسكرية التي تحتاج عدوا يكون الصراع معه مبررا، بغض النظر عن محاولات توسيعه شرقا، فالدول التي يتم ضمها للحلف، هي فقط من اجل عملية ضخ مزيد من المقاتلين الشباب أو بالأحرى أصبح عنوان الحلف البحث عن المرتزقة الشبان في أي دولة يمكن أن تصبح رافداً، لزجهم في صفوف حلف مريض، غرق في أفغانستان، ويحاول الآن جلب مزيد من الجنود عن طريق ضم دول بقايا الاتحاد السوفييتي، ولا نستغرب في ظرف تاريخي معين، أن يتم توسيع الحلف لاحقا ليضم دولا في افريقيا، وربما في لحظة تصبح الصومال عضوا في الحلف، وهكذا فهو حلف لم يعد هناك مبرر لبقائه، غير انه يريد أن يبقى لتكريس منهج الهيمنة لا غير.

هذا منطق عجيب، يجعلنا نسأل تركيا سؤالا مهما، وهو ما الفرق بين تركيا ذات السياسة النظيفة وبين دول الحلف المؤثرة التي لا تحترم تركيا ولا تحترم توجهات تركيا السياسية، ولا تعطي دورا حقيقيا وفاعلا لتركيا بالدخول للاتحاد الأوروبي وبشكل مختصر، إن أزمة تركيا هي في حرمان الأوروبيين لها من التكنولوجيا التي تلزمها، وإذا كانت تركيا تريد مداعبة العقل الأوروبي أو الغربي عموما بغية الاستفادة من التكنولوجيا العسكرية، فهذا أيضا لا يعتبر منطقيا، لان ما تحتاجه تركيا هو أن تترك هذا الحلف، لتعطي السبيل إلى غيرها من الدول باتخاذ نفس الخطوة، فالعالم لا يحتاج أحلافا عسكرية، تجيد سفك الدماء وصناعة نكبات تاريخية للشعوب.

اليوم أمام تركيا فرصة تاريخية لكي تأخذ دورها في عالم المستقبل، أو أنها ستكون مجرد دولة، كأي دولة تجاوزها الزمن، خصوصا ان العالم بمجمله يشهد حركة سياسية فاعلة، وتبدلاً على صعيد الجغرافيا السياسية، يشمل دولاً عديدة في مختلف القارات، بدت ملامح هذا التبدل في أكثر من صعيد، وأظن أن وضع العالم خلال فترة وجيزة، سيكون شبيها بالحالة السياسية التي سادت الكون في أعقاب الحرب العالمية، مع اختلاف بسيط (أو كبير) أن العالم الذي تغير عقب الحرب الكونية الأولى ثم الثانية، نتجت التغيرات فيه عن حروب كبيرة، بينما المتغيرات القادمة، ستكون ناتجة عن حروب صغيرة، بالمقاييس العلمية للحرب.

على الساسة الأتراك أن يعيدوا قراءة هذا الخطأ القاتل في السياسة، أو أنهم سيركبون في القطار الذي لن يوصلهم إلى محطة اسمها مشاكل صفر وإنما محطة أم المشاكل.

' كاتب فلسطيني

-عن القدس العربي