خبر متى يتوقف هذا الهراء؟ د. محمد مورو

الساعة 12:42 م|24 نوفمبر 2010

متى يتوقف هذا الهراء؟ د. محمد مورو

أعرف أن الإنسان ممكن أن ينخدع مرَّة أو مرتين أو عشر مرات، ولكني لا أفهم كيف يقبل استمرار الخداع لسنين طويلة، اللهم إلا إذا تحوَّل هذا الأمر إلى نوع من الإدمان الخطير الذي يصل إلى حد الخلل وفقدان العقل والمنطق.

 

هذا هو حال العرب عامة والفلسطينيين خاصَّة فيما يتصل بالزعماء والقادة أو بعضهم على الأقل في مسألة الجري وراء وهم السلام المزعوم والاستمرار في الذهاب إلى التفاوض, مع أن الأمر قد ظهر واستبان وأصبحت الحقيقة العارية مائلة أمام الجميع في العالم, فلن تعطي إسرائيل شيئًا حقيقيًّا لهؤلاء اللاهثين وراء وهم السلام, وبصرْف النظر عن رأينا في السلام أو الحل الذي يجري وراءه هؤلاء الزعماء، والذي هو تفريط كبير في الحقوق التاريخيَّة للأمَّة, إلا أن هذا المأمول غير متاح لا أمريكيًّا ولا إسرائيليًّا.

 

والأعجب أن تراوح أمريكا مكانها فتعطي إسرائيل ميزات جديدة لوقف ما يسمى بالاستيطان, وهذا الموقف مؤقت بالطبع, إذن يمكن العودة إلى الاستيطان من جديد وبكثافة أعلى للوقف المؤقت, وهكذا فإن إسرائيل حصلت على ميزات جديدة بدون مقابل حقيقي, ثم إن الجدية كانت تقتضي ليس وقف الاستيطان فقط, بل إزالة المستوطنات كليًّا, مرة واحدة أو جزئيًّا, ناهيك عن أن إسرائيل تصرُّ أن القدس دائمًا خارج الصفقات الأمريكيَّة الإسرائيليَّة ولا تجميد للمستوطنات بها.

 

في الصفقة الأخيرة التي لم تنجحْ بعد, وينتظر أن تتضح خلال أسابيع, عرضت الولايات تزويد إسرائيل بالمزيد من السلاح والتعهُّدات الشفويَّة والخطيَّة لحماية أمن إسرائيل مقابل مجرد تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة شهور, ووافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ذلك، ومن المنتظر أن يعرض الأمر على مجلس الوزراء المصغَّر في إسرائيل للموافقة عليه على أساس أن القدس خارج نطاق الصفقة الرامية إلى منح إسرائيل حزمةً من الحوافز مقابل استئناف تجميد المستوطنات ما عدا القدس, على كلِّ حال فإن وهم السلام بات حقيقةً معروفة حتى للأطراف الأخرى, ولا ندري لماذا لا يدركه العرب والفلسطينيون حتى الآن, فالسيد فلاديمير جيرينوفسكي نائب رئيس مجلس الدوما الروسي الذي طالما كان يؤيِّد العرب ويزور العراق وليبيا أيام صدام حسين, بل كان يهاجم اليهود ومتهم بالعداء للساميَّة اعترف بأن القضية الفلسطينيَّة لا حلَّ لها, وأنه لا فرصة لإقامة الدولة الفلسطينيَّة في القرن الحادي والعشرين, وأن على الفلسطينيين القبول بالأمر الواقع وتناسي مطالب إنشاء الدولة الفلسطينيَّة المستقلَّة, وأضاف أن الفلسطينيين لا يقبلون بالمساحة المتاحة لإقامة دولتهم, وأن الإسرائيليين لا يقبلون التنازل عما في حوزتهم من أراضٍ، فضلًا عن قضية القدس التي قال أن الإسرائيليين لا يقبلون بتقسيمها, ويرفضون التخلي عنها عاصمةً موحَّدة للدولة اليهوديَّة.

 

وإذا كان جيرينوفسكي قد اعتبر تصريحات ليبرمان عن أنه لا سلام هناك, وأنه لا دولة فلسطينيَّة هناك على أي مساحة, ولا عودة للاجئين ولا تنازل عن القدس إلخ، اعتبرها تصريحات جادَّة, إذن لماذا لا يدرك القادة الفلسطينيون في رام الله, والقادة العرب عمومًا، أن الجري وراء الوَهْم لم يعد يليق بهم, وان الطريق الوحيد لانتزاع الحقوق هو طريق المقاومة, وأن الجدية والرجولة تقتضي البحث عن وسائل جادَّة للمقاومة، سواء بدعم حماس والجهاد الفلسطيني, أو إنشاء حركات مقاومة من خلال فتح على غرار كتائب شهداء الأقصى أو غيرها, وإعلان إفلاس طريق المفاوضات, وإلا فإن الأمر قد وصل إلى حد الهراء والملهاة التي تعكس في وجهِها الآخر المأساة العربيَّة والفلسطينيَّة المعاصرة.