خبر الاغتيالات الإسرائيلية في غزة وخلفياتها الحقيقية / صالح النعامي

الساعة 05:19 م|23 نوفمبر 2010

الاغتيالات الإسرائيلية في غزة وخلفياتها الحقيقية / صالح النعامي

قد يكون من المفارقة أن يتزامن كَيْل المديح الإسرائيلي لِمِصْر لتعاونها الاستخباري مع أجهزتها الأمنية مع حملة الاتهامات التي وجَّهتها تل أبيب للقاهرة بزَعْم أنَّها لا تفعل بِما فيه الكفاية من أجل وقف عمليات تهريب السلاح من مصر إلى قطاع غزة، ومع عمليات الاغتيال التي نفَّذها الجيش الإسرائيلي في غزة واستهدفت نشطاء ينتمون إلى تنظيم "جيش الإسلام"، وهو إحدى الجماعات التي تتبنَّى أفكارَ السلفية الجهادية. وقد شرع الجيش الإسرائيلي في تنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال ضد قيادات في "جيش الإسلام"، وذلك بزعم أن هذه القيادات كانت تُخَطِّط لتنفيذ عمليات اختطاف ضد سياح إسرائيليين وأمريكيين في سيناء. ولكي تُضْفِي مصداقية على مزاعمها، حرصت المحافل الرسمية الإسرائيلية على تَسْرِيب معلومات إلى وسائل الإعلام الصهيونية بأن حملة الاغتيالات تَمّت بناءً على تعاون أمْنِي استخباراتي أمريكي مصري إسرائيلي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل إقدام إسرائيل على تنفيذ عمليات الاغتيال بحقّ نشطاء التنظيمات الفلسطينية يُدلِّل بالضرورة على أن هناك مسوغاتٍ حقيقية تبرِّر شنّ عمليات الاغتيال ضدهم؟ التجارب الفلسطينية في هذا السياق تَنْفِي ذلك بالضرورة، فعلى سبيل المثال، قام الجيش الإسرائيلي بتصفية ثمانية عشر ناشطًا من " كتائب القسام " خلال عامي 2001 و2002، وحرص على تبرير كل عملية من هذه العمليات بأنّ المستهدف كان له دورٌ في تنفيذ عملية " الدولفيناريوم " الاستشهادية في تلّ أبيب مطلع عام 2001 والتي نفَّذها سعيد الحوتري، الناشط في " كتائب عز الدين القسام "، والذي كان يَقْطُن مدينة قلقيلية، بينما كان نشطاء "كتائب القسام" الذين تَمّت تصفيتهم يتواجدون في معظم مدن الضفة الغربية من الخليل حتى جنين، فهل يُعْقَل أن كل هؤلاء كان لهم دورٌ في تنفيذ هذه العملية. إنّ الدم الفلسطيني لدى الصهاينة أرخص من أن تُقدّم مسوغات معقولة لتبرير إهراقه، ففي الحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة، زعمت أن ثمانين بالمائة من الذين قامت بقتلهم هم من نشطاء المقاومة الفلسطينية، مع العلم أن القاصي والدانِي يعلم الآن أن العكس هو الصحيح، حيث إن أكثر من 80% من الشهداء هم من المدنيين. لدى الصهاينة قاعدة أساسية في المجال الدعائي تقوم على تعظيم دور المستهدف بعمليات الاغتيال وذلك من أجل التدليل على قيمة " الإنجاز" المتمثِّل في عملية التصفية، وهذا بات معروفًا.

قد تكون لدى المخابرات الإسرائيلية معلوماتٌ حول نوايَا تنظيم فلسطيني ما نحو تنفيذ هذه العملية أو تلك من عمليات المقاومة، لكن الإسرائيليين غير مستعدين لأخذ أي مخاطرة ما دام العلاج المقترح تنفيذ عمليات اغتيال بحقّ فلسطينيين، وبالتالِي فبمجرد وجود معلومات حول نوايا قد لا تَرْقَى إلى التخطيط والتجهيز، فإنّ الاحتكام للقوة العارية متمثلة في الاغتيالات هو الحل. إنّ تنفيذ عمليات اختطاف ضد سياح إسرائيليين وأمريكيين في سيناء يتطلب وجود بِنْيَة تحتية بشرية وإمكانيات مادية وتجهيزات لوجستية من الصعب التصديق أنها تتوفر لتنظيم فلسطيني. بالطبع هنا لا يمكن أن نتجاهل حقيقة الانتشار الكَثِيف للأمن المصري في سيناء، حيث إن الاستراتيجية الأمنية المصرية تقوم على أساس أن تنفيذ عمليات الاختطاف يشكِّل ضربة سياسية واقتصادية هائلة لمصر، حيث إن هذا سيزيد الضغوط السياسية على النظام في القاهرة، وستؤدِّي إلى توقف قدوم السياح إلى سيناء، مع العلم أن السياحة هي من مصادر الدَّخْل الرئيسة بالنسبة للخزانة المصرية.

لكن إن كانَ من الصعب تصديق الرواية الإسرائيلية بأن هناك مخططات جادة لتنفيذ عمليات اختطاف، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الدوافع الحقيقية للتصعيد الإسرائيلي على القطاع؟

يبدو أنّ هناك سَبَبَيْن أساسيين يدعوان إسرائيل لهذا التصعيد وتسويغه بهذه التهم أو تلك:

أولاً: تقوم العقيدة الأمنية الإسرائيلية على أنَّ عمليات الاغتيال بحقّ التنظيمات الصغيرة قد تؤدِّي إلى إنهاء وجودها، أو تقليص فعاليتها إلى أبْعَد حدٍّ. وبالتالِي فإن كانت إسرائيل تَخْشَى أن تُفاجَأ من قِبَل تنظيم يَنْضَوِي تحت إطاره عددٌ قليل من الأعضاء، فإنَّها تعتقد أن تصفية هيئاته القيادية قد تؤدِّي إلى القضاء عليه. وهذا بالضبط ما دفع إسرائيل عام 1992 لتصفية الشيخ حسين موسوي زعيم حزب الله، حيث كان الحزب في نظر إسرائيل مجموعةً صغيرة وأن تصفية الموسوي ستؤدي بالضرورة إلى تدمير قدرة الحزب على مواصلة العمل المقاوم، وهذا ما ثبت عكسه فيما بعد.

ثانيًا: إنّ إسرائيل مَعْنِيّة دائمًا بأن تكون هناك لائحة اتهام جاهزة لحركة حماس لتسويغ شنّ حملة أو حرب على قطاع غزة وقْتَما حانت الظروف الدولية والإقليمية والداخلية الإسرائيلية. فعلى الرغم من أنّ المخابرات الإسرائيلية تدرك حجم الخلاف بين جماعات السلفية الجهادية في فلسطين وحركة حماس، فإنّها زعمت أن التخطيط لتنفيذ عمليات الاختطاف من قبل هذه الجماعات تَمّت بعد أن أعطت حركة حماس الضوء الأخضر لهذه التنظيمات للقيام بهذه العمليات. والذي يعزّز لائحة الاتهام الإسرائيلية ضد حماس هو إطلاق صاروخ جراد على إسرائيل من قطاع غزة وسقوطه في محيط مدينة "أوفكيم" شرق القطاع، وزعم إسرائيل الواهِي بأن العبوة التفجيرية في الصاروخ تشتمل على الفوسفور، وهو ما لا يَنْطَلِي على طفل لم يتجاوز العامين، فتضمين الفسفور في الوسائل القتالية يتضمن تقنيات عسكرية عالية لا تتواجد إلا لدى عددٍ محدود جدًا من الدول، على رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وهما الدولتان اللتان سارعتَا لاستعماله، أمريكا في الحرب على مدينة الفالوجا بالعراق، وإسرائيل في الحرب على قطاع غزة.

الذي يُدلِّل على أن الحديث يدور عن مجرد حرص على تضخيم لائحة الاتهام ضد حركة حماس هو مسارعة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان إلى تقديم شكوى للأمم المتحدة، وذلك للحصول لتشريع شنّ العدوان على القطاع وقتما حانت الظروف.

وبالفعل فقد تَعالَت نَبْرة الجدل الداخلي في إسرائيل حول حتمية شنّ حملة كبيرة أخرى على قطاع غزة على غرار الحرب الأخيرة بعد كل هذه التطورات، مع العلم أنّ الظروف الدولية والإقليمية لا تُساعِد إسرائيل حاليًا على تسويغ شنّ حرب، كما أن صُنّاع القرار في تل أبيب يدركون أنّ شنّ حرب على غزة حاليًا لا يمثل مصلحة إسرائيلية في الوقت الحالي.

إنّ ما يجب الانتباه إليه هنا هو حقيقة النوايا الإسرائيلية وسَبْر أغوارها والتحوُّط منها، وهذا ما يتطلب بالضرورة تنسيق بين كل الفصائل الفلسطينية بشأن عمليات المقاومة وتكتيكاتها وظروف تنفيذ العمليات، فإن كان العدو مَعْنِيًّا باستدراج الفلسطينيين إلى النقطة التي تسمح له بشنّ العدوان الإجرامي في ظروف مثلى، فإن الحِكْمة تقتضي عدم مساعدته على نَيْل ما يخطِّط لتحقيقه، وذلك بصياغة برنامج عمل وطني مشترك يتم فيه الاتفاق على قواسم مشتركة تكون مَحَطّ إجماع.