خبر محققو الشاباك فوق القانون..نبيل دكور

الساعة 12:41 م|22 نوفمبر 2010

محققو الشاباك فوق القانون..نبيل دكور

 نفتتح هذه المقاله بمقطع مُقتبس من مقابلة صحفية مع أرييه روتر, المستشار القانوني السابق للشاباك, كانت قد نُشِرت في صحيفة "مكور ريشون" الأسرائيليه, في تاريخ 18.2.2002, حول أساليب التحقيق القاسيه التي يستخدمها محققو الشاباك:

"قال لي شبتاي زيف, بعدما عرفت أني تًعّينت خلفا له: هل تذكر الألتماس الذي قُدِم للمحكمه العليا ضد اساليب التحقيق؟ عليك أن تسافر الى القدس لأن المحكمه العليا ستبت في ذلك غدا. لم أكن أعلم ما سوف يحدث في جلسة المحكمه حتى أخر لحظه قبل بدأها, وأذ بالقاضي المسمى ماتسا يقرأ قرار المحكمه. فهمتُ مباشرة أن المحكمه أبطلت كل ما كان قائم حتى ذلك الوقت. كان ذلك صدمه بالنسبه لي. خرجت من قاعة المحكمه وأتصلت هاتفيا مع جهاز الامن العام, طلبت منهم جمبعا أن يخرجوا من جلساتهم وقلت لهم يا اصحابي هناك قرار يلزمنا أن نتوقف حالا عن ممارسة كل ما قمنا به بمراكز التحقيق. وفعلا أوقفنا ذلك وعَطّل هذا الشيئ نشاطنا في البدايه. لكني أعتقد اليوم أن الامر لم يكن صعبا لأننا أبتكرنا أساليب وطرق أخرى بديله أكثر حنكه".

ليست هذه المقاله سوى محاولة للأجابة على سؤال: هل يمكن, حسب القانون الأسرائيلي ملاحقة محققي الشاباك قانونيا وبالتالي محاكمتهم لأستخدامهم التعذيب والتنكيل بحق معتقلين أثناء التحقيق؟؟

في البدايه وقبل الخوض في الرد على على ذلك لا بد من التطرق وبشكل مسبق للتعريف القاوني -الدولي والاسرائيلي- لمصطلح "التعذيب".

في سنة 1991 صادقت اسرائيل على "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة" وتُعرِّف هذه الاتفاقية الدوليه "التعذيب" في الماده رقم (1) كما يلي: "أي عمل يتم بموجبه أيقاع ألم شديد أو معاناه سواء كانت بدنيه أم نفسيه, يلحق عمدا بشخص ما, بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث معلومات أو أعتراف أو معاقبتة على عمل أرتكبه هو او شخص ثالث, او تخويفه أو ارغامه هو أو شخص ثالث". كما وتفرض هذه الاتفاقيه (الماده 2) حظرا تاما على أستخدام التعذيب أو التنكيل (معامله قاسيه و/او مهينه و/او لا انسانيه) ولا تسمح للدول بتجاوز هذا الحظر في أي ظرف كان حتى في ظروف وحالات قاهره وطارئه كالحرب او عدم استقرار سياسي. أن المسئولية في حالة انتهاك الحظر ليست فقط على الدوله بل ايضا على من يرتكب ذلك وهو معرض للمحاكمه في بلده أو خارجها ( الماده 4 و5).

أما على صعيد القانون المحلي, فمن الجدير ذكره أنه ليس هناك ماده قانونية أسرائيلية مستقلة تُعَرف "التعذيب" بشكل محدد ومباشر والسبب في ذلك هو أن المشرع الاسرائيلي أختار, حتى الان, عدم الألتزام بالأتفاقية الدولية وعدم سن قانون جنائي يحرم التعذيب كجرم محدد ومنفصل مطابق للتعريف الوارد بالاتفاقية أو متماشيا معه على الاقل. وعلى الصعيد القضائي فقد تجنب القضاء العالي الاسرائيلي الخوض مباشرة في صلب تعريف مصطلح "التعذيب" كما ورد في اتفاقية الأمم المتحده أعلاه ويظهر ذلك بشكل جليّ ومعمق في حكم هام ومفصلي أصدرته محكمة العدل العليا في أيلول 1999 بكامل هيئتها القضائيه (تسعة قضاه) في التماس قدمته (عام 1994 ) اللجنه العامه لمناهضة التعذيب في اسرائيل ضد رئيس حكومة اسرلئيل وجهاز الامن العام وفي التماسات اخرى لمنظمات حقوق أنسان وآخرين حيث طولبت المحكمه العليا باصدار أوامر تحظر على محققي الشاباك من إستخدام أساليب ووسائل تعذيب أثناء التحقيق. لكن ما يجدر ذكره هنا انه وِفقاً لهذا الحكم تقرر بالأجماع أن التحقيق الذي يتخلله تعذيب أو تنكيل أو اذلال وتحقير يُعتبر غير معقول وبالتالي فهو محظوروكذلك ايضا التحقيق الذي يتخلله استخدام طرق ووسائل قد تُسبّب ألماَ. هذا هو ذاته قرار المحكمه الذي تطرق أليه المستشار القانوني السابق للشاباك في المقابله الصحفيه كما ورد في الافتتاحية أعلاه.

بعدما وقفنا على المفهوم القانوني لِمصطلح "التعذيب", يُطْرَح السؤال: هل يقوم فعلاَ محققو الشاباك بتعذيب المعتقلين؟ بكلمات أخرى, هل يقوم محققو الشاباك بأستعمال أساليب تحقيق عنيفه وقاسيه بدنيا ونفسيا ينطبق عليها تعريف "التعذيب" أعلاه؟؟ الجواب هو نعم يقوم جهاز الشاباك بأستخدام التعذيب وبممارسة أساليب تحقيق قاسيه ومؤلمه تمس بسلامة وبكرامة الذين يتم التحقيق معهم من أجل النيل من إرادتهم و أنتزاع أعتراف منهم, ويشهد على ذلك مئأت الشهادات والإفادات الحيه التي أدلى بها معتقلون أمنيون وسياسون في العقد الأخير أمام منظمات حقوق انسان التي قامت بدورها برفع شكاوى لفتح تحقيق جنائي ضد رجال المخابرات فضلا عن نشر تقارير لفضح ممارسات التعذيب في أروقة التحقيق.

( أنظروا تقرير أعدته اللجنه العامه لمناهضة التعذيب في اسرائيل وقامت بنشره في شهر ديسمبر 2009 يحمل عنوان "دون المستوى" حيث يبحث التقرير موضوع الحصانه التي يتمتع بها محققي الشاباك ويشير الى تقديم ما يقارب 600 شكوى منذ عام 2001 ولم يفتح بهن أي تحقيق جنائي ضد محققي الشاباك على استخدامهم التعذيب وتقرير آخر صدر سنة 2007 عن المنظمتين الاسرائيليتين "هموكيد" و"بتسيلم" واستند الى إفادات أدلى بها 73 معتقلا فلسطينيا سجنوا في الفترة الممتدة بين تموز من عام 2005 الى آذار من عام 2006. واتهم التقرير الجهاز القضائي الإسرائيلي بالتغطية على جرائم التعذيب، مشيرا الى أن المعتقلين الفلسطينيين قدموا 500 شكوى منذ عام 2001 ضد محققي جهاز الشاباك، لكن لم يتم فتح تحقيق في أي من هذه الشكاوى).

من حيث نوعية وخصوصية الوسائل والأساليب التي يقوم محققو الشاباك باستخدامها للتعذيب فكما تَبيّن من إفادات وشهادات مئات المعتقلين يمكن فرزها الى صنفين: الأعتياديه والخاصه.

من الأساليب الاعتياديه (الدارجه) التي يتعرض لها غالبية المعتقلين والتي تهدف غالبا تحطيم معنوياتهم وبالذات عندما يتعرض لها المعتقل متراكمه ومندمجه ببعضها, يُذكر:

الأنقطاع عن العالم الخارجي ومنع اللقاء مع محامي; العزل في زنزانة خانقة تفوح منها روائح كريهة; تكبيل الأيدي إلى الخلف من وراء مسند كرسي التحقيق بصوره مؤلمة على مدار كل ساعات النهار; التحقيق مع المعتقل وهو في هذه الوضعيه لمدة أسابيع; السماح للمعتقل أن يخلد للنوم في ساعات متأخره ليلاً لأوقات قصيرة على فرشة رقيقه وقذرة, داخل زنزانة ضيقة مُضاءة ليلا ونهارا بنور باهت مُتعب للنظر; اللّطم, الركل والضرب; البصق والشّتم والتهديد وإستعمال كلمات وألفاظ نابيצ; إعتقال الأقارب كوسيلة ضغط; التنكيل على يد أسرى ومعتقلين متعاونين "العصافير".

بالنسبه لأساليب التعذيب من الصنف الخاص, يُستدل من الإفادات الوارده أمام منظمات حقوق ألانسان التي تعنى بمناهضة التعذيب والتنكيل أن هناك أنماط خاصצ قاسيه يستخدمها المحققون بشكل متكرر, بالاضافצ للأساليب الأعتياديצ, وذلك في حالات خاصצ يَدّعي المحققون ضرورة إستخدامها لما يحمل المعتقل من معلومات خطيرة وعاجلة, أهمها:

حرمان المشتبه به من النوم لمده طويلة تزيد عن يوم; أستعمال القيود بصورة مؤلمة وشدها لدرجه تمنع سريان الدم; أسلوب الهز- يقوم المحقق بشد الجسم ألى الامام ثم دفعه الى الوراء مره تلو الاخرى من خلال الامساك بالصدر حيث ألايدى مكبلة بمسند الكرسي الى الخلف; طي الجسم بشكل قوس على مقعد بدون مسند وتسمى هذه الوضعيه "الموزه"; أجبار المعتقل على جلوس القرفصاء على اطراف اصابعه المصحوب بالدفع وتسمى هذه الطريقه "بالضفدع"; التعرض للبرد بشكل متواصل عن طريق عزل المشتبه به مكبل اليدين والرجلين في غرفة صغيرة يعمل فيها مكيف لتبريدها بشكل شديد طوال النهار; شد الذراعين الى الوراء ووضعهم عل طاولة حيث اليدين مكبلات الى الخلف; تسليط ضوء ساطع على العينين; التعرّض للموسيقى الصاخبة بشكل متواصل مما يؤثّر على الحواس.

أن ما ورد أعلاه من أنماط خاصه لطرق تحقيق قاسية والتي لوحظ استخدامها مراراً وتكرارا ليس إلا ّ على سبيل الذِّكْر لا الحصر. فقد تبين من افادات بعض المعتقلين الذين تم التحقيق معهم انهم عُذبو بأساليب خاصه لا تقل قسوة لكنها لم تتكرر مع غيرهم أو لم تُذكر على الأقل في إفادات معتقلين آخرين, منها:

شَبْح المعتقل على ظهره على سرير من الباطون وفتح الذراعين والرجلين الى الجانبين باتجاه زوايا السرير وتكبيل كل يد وكل رجل بحديده مُثبته بزاوية السرير; إبقاء المعتقل في هذه الوضعيه لمدة ايام حيث لا يسمح له بقضاء حاجته ويقدم له الغذاء مره في اليوم وهو في نفس الحاله; إصطحاب المعتقل بشكل مفاجئ معصب العينين ومكتوف الايدي الى مركز سري ومجهول بعيدا عن سجنه وضربه بشكل مبرح بالمسدسات والأرجل, من قبل أشخاص لم يرهم من قبل, حتى درجة الأغماء وفقدان الوعي; وخز كف يد المعتقل بأظفرحاد بإصبع المحقق; ضرب المعتقل بما يسمى "ضربة جافة" لا تترك أثرا واحيانا على الأعضاء التناسليه; زج المعتقل مع سجناء جنائيين الذين يعتدون عليه باشكال عده.

من الجدير ذكره في هذا السياق وحسب تقارير صادره عن عدة مراكز لدراسة شؤون الأسرى الفلسطينيين أن حوالي 170 أسيرا فلسطينيا قد أستشهد, منذ عام 1967, تحت التعذيب في دهاليز السجون الاسرائيليه.

نعود إلى الموضوع الأساس الذي تحاول مقالتنا بحثه وهو: هل يمكن ملاحقة محققي الشاباك قانونيا ومحاكمتهم لإرتكابهم التعذيب بحق الذين يتم التحقيق معهم؟؟ ألا يجوز تقديم شكوى ضد محققي المخابرات لأنتهاكهم كرامة المعتقل وحقه الطبيعى والأساسي بسلامة بدنه ؟؟ أليس من حق كل معتقل ان لا يتمّ الاعتداء عليه وتعذيبه او التنكيل به ؟؟ أليس حال محققي الشاباك كحال كل موظف دوله يمكن محاكمته حين يرتكب جرم اثناء تأدية واجبه ؟؟ هل محققي الشاباك يتمتعون بحصانة خاصة ولا يُطبّق عليهم مبدأ المسؤولية الجنائية ؟؟ هل محققو الشاباك فوق القانون ؟؟.

في الحقيقيه, إن القانون الاسرائيلي بوضعه الحالي ليس فقط لا يحمِ المعتقلين من التعذيب اثناء التحقيق معهم لا بل يوفر للمحققين التغطيه والحمايه الكافيه من ملاحقتهم قانونيا.

رغم أن التعذيب حُرّم بشكل مُطلق في القانون الدولي (العرفي والانساني والعهود الدوليه) وبالذات في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها اسرائيل منذ 1991 إلاّ ان القانون الاسرائيلي الداخلي لم يتبَنّ بعد ما تنص عليه هذا الاتفاقيه. ليس هناك مادة قانونية جنائية أسرائيلية منفصلة تحظر من إرتكاب جرم يُدْعى "تعذيب" الأمر الذي يتعارض مع المتطلبات المنصوص عليها في الماده رقم (4) للأتفاقيه. أن قانون العقوبات الأسرائيلي يشمل نصوص ومواد تنهي عن القيام بأعمال أجرامية كإستعمال القوه أوالعنف أو ألضغط على يد موظفي السلطه ولكنه لا يتضمن ذلك مواد ونصوص تخص جرم "التعذيب" بشكل محدد.

على صعيد القضاء الأسرائيلي, فرغم أهمية الحكم الهام والمفصلي (المذكور أعلاه) الذي أصدرته محكمة العدل العليا سنة 1999 والذي بحسبه تقرر, من جملة ما تقرر, بإجماع تسعة قضاة, أن كل عملية تحقيق يتخللها تعذيب أو تنكيل أو اذلال وتحقير تعتبرغيرمعقولة وبالتالي يجب تحريم هذا النوع من التحقيق (بناءً عليه أمرت المحكمه بإلغاء أربعة طرق تحقيق قاسية), ورغم ان قرار الحكم أبطل كليا توصيات "لجنة لنداو" التي سمحت للمحققين إستخدام وسائل ضغط معقول على المعتقلين اثناء التحقيق, إلا أن هذا الحكم أتاح للمحققين إستخدام ما يسمى "وسائل تحقيق بدنيه" في الحالات الخطره (القنبلة الموقوتة) حيث هناك "ضرورة للدفاع" عن حياة آخرين من خطر داهم. هذا ألامر يتعارض كليا مع مبدأ الحظرالمُطلق على أستخدام التعذيب المنصوص عليه في الماده (2) للإتفاقيه والتي بحسبها لا يجوز تبرير التعذيب بأي ظروف إستثنائيه مهما كانت.

لقد أستغل محققو الشاباك هذه الثغرة في قرار الحكم حيث أعتبروها تصريح ضمني يُتيح لهم أستخدام وسائل واساليب تحقيق بدنية قاسية ضد كل من يتم التحقيق معه بقضايا أمنية بحجة خطوره الموقف وكون الحالة "قنبله موقوته" وبذريعة أن "وسائل التحقيق البدنيه" لم تكن ألاّ "نتيجة ثانوية" لأحتياجات التحقيق. في هذه الحاله يوصي المستشار القصائي للحكومه بأغلاق الشكوى ضد المحققين لتوفر الحجه الدفاعيه لديهم (قنبله موقوته) التي تعفيهم من الملاحقة قانونيا.

بمُقْتضى الماده 49 ط1.(أ) لقانون الشرطه (تعديل رقم 12, سنة 1994) يمكن رفع شكوى ضد محققي الشاباك لإرتكابهم مخالفات أثناء مزاولة عملهم ألى المستشار القضائي للحكومه المُخوّل بدوره بتحويل الشكوى الى وحدة التحقيق مع رجال الشرطه ["ماحش"] لفتح تحقيق فيها. في تقرير للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل الذي ُنشر في ديسمبر 2009 (الذي أشرنا أليه أعلاه) وحسب معطيات أعلنتها الدولة نفسها، تبين انه قُدمت منذ العام 2001 أكثر من 600 شكوى عن حالات تعذيب أرتكبها محققي جهاز الأمن العام، دون أن يُفتح في أي منها تحقيق جنائي ضد المحققين. وفي خلاصة أساسية توصل اليها هذا التقرير تبين أنه لا يوجد في إسرائيل جهاز حقيقي للتحقيق في الشكاوي عن حالات تعذيب. كما وأشار التقرير أن هذه الحقيقة تخلق نوع من الحصانة المطلقة لمحققين ارتكبوا مخالفات جنائية خطيرة وهذا ما يشكل عمليا موافقة بل وتشجيعا من جهاز تطبيق القانون لعمليات التعذيب التي تتم في غرف جهاز الأمن العام. ومن الأمور التي تَحْدُث ايضا، حسبما ما ورد بالتقرير, أنه بدلا من ان يُفتح تحقيق جنائي في شكاوي التعذيب يتم فحص الشكاوى بأيدي موظفي جهاز الشاباك، لدى ما يسمى مراقب شكاوي المستجوَبين. يقدم الأخير توصياته القاضية بإنهاء التحقي دون تحويل أي منها للتحقيق الجنائي. هذه السياسه تحظى دون استثناء بمصادقة المدعي العام المسؤول عن مراقب الشكاوى في نيابه الدوله ولدى المستشار القضائي للحكومة. وهكذا فإن المستشار القضائي للحكومة والعاملون من طرفه يمنحون شرعية شاملة للتعذيب في إسرائيل. يخلص التقرير ويشيرإلى واقع غير مقبول حيث تساعد الأجهزة القضائية العليا في إسرائيل، بشكل منهجي ومباشرفي منع أجراء تحقيقات جنائية ضد متهمين بالتعذيب وهذا يشكل انتهاكاً واضحاً للواجب القانوني المفروض على سلطات تطبيق القاون لفتح تحقيق كلما قدمت شكوى حول جرائم خطرة وانتهاكاً لتعهدات اسرائيل تجاه القانون الدولي.

ما يساهم ايضا في حماية مُنفّذي التعذيب ويسهل عليهم تنفيذ مآربهم - الأمر الذي يحظى بدعم ملحوظ من قبل محكمة العدل العليا - هو تخويل محققي المخابرات صلاحية منع اللقاء بين المشتبه به وبين محاميه لمدة اسابيع وإعفائهم من ضرورة توثيق التحقيقات بالصوت أو بالصورة.

ضف إلى ذلك كله الحصانة القانونية التي بدأ يتمتع بها محققي الشاباك منذ عام 2002 بعدما سن الكنيست قانون خدمات الأمن العام الذي جاء أصلا لينظم مبنى وصلاحيات جهاز الأمن. فوفق الماده 18 لهذا القانون لا يمكن تحميل موظفي الجهاز أي مسؤولية جنائية كانت أو مدنية على أعمال قاموا بها بقصد سليم وبشكل معقول اثناء تأدية واجبهم. من الواضح جدا ان حسب هذا القانون الذي يعفي المحققين من المسئولية الجنائية قد بات من المستحيل محاكمة محققي الشاباك وبالتالي معاقبتهم لاستخدامهم أساليب تعذيب أي كانت.

تحدياً لسياسة وأد الشكاوى ضد محققي الشاباك المُتّبعه لدى نيابة الدوله والمستشار القضائي للحكومه وبالذات لما يتمتع به هؤلاء المحققين من حصانه نتيجة لتلك السياسة, قامت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في اسرائيل مؤخراً (بواسطة أحد محامي طاقمها القانوني كاتب هذه المقاله), كمحاوله جاده لملاحقة المحققين قانونيا, بتقديم ألتماسين الى محكمة العدل العليا لألزام المستشار القضائي للحكومه (إستنادا على الصلاحيه المخوله له حسب بند 49ط1.(أ) لقانون الشرطه) بفتح تحقيق جنائي ضد محققين من جهاز الشاباك وبالتالي مقاضاتهم لأستخدامهم التعذيب بحق معتقلين فلسطينيين أثتاء التحقيق معهم في سجني الجلمه والمسكوبيه في القدس.

وقد أستند الإلتماس على عدة أدعائات قانونيه, أهمها: ينبغي على الشرطه ذات الاختصاص ("ماحاش") فتح تحقيق جنائي بشكوى ضد محققي الشاباك كأي شكوى أخرى تُقدم للشرطة لكون الأفعال لتي ارتكبوها المحققون بحق المعتقلين من نوع "جرم"; الخطورة الجمة للأفعال التي قام بها المحققون وبالذات حقيقة توفّر أدله دامغه (وثائق طبيه مثلا) التي تُثبت أرتكابهم لهذه الأفعال تستدعي تحويل الشكوى مباشرةً للتحقيق الجنائي; المصلحة العامة تفرض على السلطات القضائيه تطبيق القانون دون تمييز, لذا على كل من يرتكب جرم الخضوع للتحقيق الجنائي حتى لو كان محقق مخابرات; مجرد أنتهاك حقوق دستورية واساسية للمعتقلين أثناء التحقيق معهم كالحق في الكرامة والحق بسلامة البدن يُلزم محاكمة المسؤؤلين عن هذا الأنتهاك; الأجراء التي تقوم به نيابة الدوله أي فحص الشكوى التي يتقدم بها ضحايا التعذيب ضد محققي الشاباك على يد مراقب شكاوى (موظف شاباك) يتعارض كليا مع تعليمات الأتفاقيه الدوليه لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها اسرائيل ومع توصيات الهيئات الدوليه المنبثقه عن هذه الاتفاقيه التي تأمر بفتح تحقيق جنائي مباشرة بعد تقديم شكوى التعذيب وعلى يد هيئة تحقيق مستقله.

دفاعا عن المستشار القضائي للحكومه, قامت نيابة الدولצ بتقديم طلبات للمحكمه لرفض التداول بالالتماسين وطالبت ردهم بأدعائات مختلفצ ألا أن المحكمצ قررت سماع أقوال وأدعائات الملتمسين وعليه عينت المحكمצ مواعيد جلسات للبت بالألتماسين أمام هيئצ مكونצ من ثلاث قضاצ.

في الختام, رغم معرفتنا المسبقه لأمكانية النجاح الضئيله جداً للقضية وتوقعاتنا للمصير الغير مرضي الذي ينتظرالألتماسين, ويعود ذلك للأسباب القانونية التي تتناولها المقالة, لكن مما لا شك فيه, أنها المرة الأولى التي يُقَدم فيها إلتماس إلى محكمة العدل العليا في اسرائيل لأصدار أوامر لتحويل محققي شاباك لتحقيق جنائي ولربما لمقاضاتهم فيما بعد, لأرتكابهم جرائم تعذيب بحق معتقلين فلسطينيين. لذا سوف يشكل هذا الأمر محكا للمحكمة العليا وتحديا لها للبت في قضايا حساسة وهامة جدا كهذه.

 

* محام يعمل في منظمة "اللجنة العامه لمناهضة التعذيب في أسرائيل" وناشط في الدفاع عن حقوق المعتقلين والأسرى الفلسطينيين