خبر التصعيد الإسرائيلي إلى أين..؟..د. أحمد يوسف

الساعة 05:20 م|21 نوفمبر 2010

اعتادت إسرائيل على استمراء العدوان على شعبنا الفلسطيني ثم القيام بالشكوى عندما يتحرك الضحية للدفاع عن نفسه بما لديه من إمكانيات عسكرية أو إعلامية متواضعة... فالأسبوع الماضي دوىّ انفجار هائل في سماء قطاع غزة، تبين بعد لحظات أنه استهداف لأحد كوادر تنظيم جيش الإسلام، حيث قامت طائرة إسرائيلية بإطلاق صاروخ أدى إلى تفجير السيارة وتفحيم جثة الشهيد النمنم إضافة إلى إصابتين من المارة.

وفي ثاني أيام العيد، والفلسطينيون منشغلون بأحد أعيادهم الدينية أطلقت إحدى الطائرات الإسرائيلية صاروخاً باتجاه أحد السيارات أدى إلى تدمير السيارة وتقطيع جسد مواطنين إلى أشلاء.

لم يتوقف القصف الإسرائيلي خلال الأيام الماضية؛ إما من الطائرات أو قذائف المدفعية... والسؤال الذي ربما لا يحتاج إلى جواب هو: هل تريد إسرائيل التغطية على جرائمها التي أزكمت الأنوف، والتي صنّفها تقرير جولدستون بأنها جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية.؟ أم أنها انتهاكات جديدة تضاف إلى سجلها الدامي، حيث تمضي الجريمة بدون عقاب.. وتكفي الإشارة – فقط – إلى ما اقترفته إسرائيل من جرائم مؤخراً مثل الاعتداء على أسطول الحرية في 31 مايو الماضي واستشهاد تسعة أتراك على سفينة مرمرة وجرح قرابة الأربعين، وكذلك الممارسة المتكررة للقرصنة في عرض البحر بحق قوافل المتضامنين الدوليين ضد الحصار المفروض على قطاع غزة.؟!!

أم أن حكومة نتانياهو تحضر لضربة موجعة لحركة حماس، وتعمل من خلال تصريحات زعمائها السياسيين وقادتها العسكريين على تهيئة الأجواء القانونية والمبررات الأخلاقية للقيام بذلك عبر تقديم لائحة اتهام لحماس تغطي على جريمتها القادمة.؟ فمرة تتهم حماس بأنها تمتلك صواريخ تهدد سلامة الطيران المدني والحربي الإسرائيلي..!! ومرة تزعم بأن بعض فصائل المقاومة تخطط لخطف سواح يهود في سيناء..!! ومرة عن امتلاك كتائب القسّام لصواريخ يصل مداها إلى تل أبيب...الخ

لاشك بأن حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة تعمل على خلق أجواء توتر بهدف تصعيد الحالة مع قطاع غزة، لاستمرار حرف البوصلة بعيداً عن جرائمها وتعدياتها الاستيطانية بحق أراضي وممتلكات الفلسطينيين في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة.

إن الحكومة الفلسطينية في غزة قد حددت أولويات ما بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع بالعمل لإعادة بناء ما دمرته الحرب من منازل المواطنين، وإصلاح البُنى التحتية، وتشجيع جهود إعادة الإعمار، والأخذ بيد كل الجهات التي تضررت جراء الحصار وخاصة القطاع الصناعي والزراعي... وقد تفهمت قوى المقاومة أولويات هذه المرحلة وعملت على سد باب الذرائع الإسرائيلية، فلم تقم بإطلاق الصواريخ إلا في أضيق حدود الرد على العدوان والتصدي لعمليات الاجتياح.

بالطبع، إن هذا الواقع من الهدوء النسبي في القطاع لا يخدم عقلية جيش الاحتلال وساحته السياسية، لذلك نراهم منشغلين بالتحضير لحرب هنا أو هناك... فمرة تظهر التهديدات وكأن الحرب على إيران يمكن أن تقع في أي لحظة، ومرة على حزب الله باعتبارها حتمية، وبعدها يأتي التأكيد بأن الحرب على حماس والحكومة في غزة هي قاب قوسين أو أدنى..!! لاشك، بأن هذه التكتيكات تأتي ضمن مناورات وحسابات دولة قام كيانها الاستعماري الاستيطاني على العدوان، ونجحت في تضليل الرأي العام العالمي بدوافع اعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين ودول الجوار.

إن مسلسل المخادعات الإسرائيلية للمجتمع الدولي لا تتوقف حلقاته، فهذه الدولة المارقة عاشت على سيف العدوان وستنتهي به... وكلما وجدت نفسها في ورطة سياسية أو أمنية أو حتى رأي عام لجأت إلى الحرب لحرف المسار، وكسبت تأييد حلفائها الأوروبيين والأمريكان.

إن إسرائيل على وعي بأن المصالحة الفلسطينية ستضعها في زاوية حرجة مع المجتمع الدولي، لانتفاء مبررات المماطلة بغياب الشريك الفلسطيني، لذلك تدفع دائما في اتجاه تكريس القطيعة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتسعير جذوة الخلاف بين فتح وحماس.

لقد انكشفت كل أوراق الخديعة التي تلعب بها إسرائيل، فلم تعد حججها في تبرير الاستيطان في الضفة الغربية مقبولة لأحد، وبالتالي – وفي لحظة كهذه – تحاول البحث عن انشغالات للمجتمع الدولي والرأي العالمي بعيداً عن هذا الملف... من هنا، تأتي هذه الاستهدافات المتسارعة لبعض عناصر المقاومة بهدف جرّها للرد العسكري، ومن ثمّ القيام بعمليات أوسع ضد القطاع والدخول في دوامة تحرف البوصلة الأممية والجهات الدولية عن القيام بدورها في إلزام الحكومة الإسرائيلية بما هو مطلوب كاستحقاق شرعي للفلسطينيين في دولة حرة ومستقلة.

شيء مثير للضحك والاستهجان أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بارتكاب الجريمة وتقديم الشكوى إلى الأمم المتحدة في آن واحد.. إنها حالة من الاستخفاف بالمجتمع الدولي اعتادت عليه الحكومات الإسرائيلية، وللأسف كانت أمريكا تجاري إسرائيل في أكاذيبها وادعاءاتها وتوفر لها الغطاء الإعلامي والدبلوماسي، وتحميها "بالفيتو" الذي يحبط كل جهد دولي  لتوجيه إدانة لحليفها المدلل إسرائيل.

إن رؤية سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة ميرون رفين يقدم شكوى رسمّية للأمين العام للأمم المتحدة يتهم فيها المقاومة الفلسطينية بالقيام بعدة هجمات صاروخية تتضمن قذائف فوسفورية هو شيء يثير التقزز حقاً.

لقد تمكنت إسرائيل عبر سنوات احتلالها للأراضي الفلسطينية من استغفال العالم وخداعه بالاعتماد على دعم ماكينتها الدعائية في عملية التضليل وغسيل أدمغة السياسيين والإعلاميين في الغرب، ومن ثمّ كسب الرأي العام الغربي إلى جانبها.

اليوم لم تعد ألاعيبها تنطلي على أحد، فعالم الفضائيات كشفت زيف ادعاءاتها، حيث تأتي الصور الحيّة لتبطل سحر الماكينة الدعائية لإسرائيل، فالعالم اليوم تحول بواسطة التطور الإعلامي الهائل من قرية كونية (Global Village) إلى حارة واحدة (Neighborhood) يمكن بسهولة الإطلاع على كامل أسرارها دون عناء.

إن العالم يقول لإسرائيل ولنتانياهو اليوم " كيف أصدقك وهذا أثر فأسك!؟ ".. إن العالم والمجتمع الدولي لم ينس صبرا وشاتيلا، ولم تغب عن عينيه مشاهد مذبحة قانا، ولا الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في عدوانه الأخير على قطاع غزة، والتي لا يمكن أن تتوارى ألوانها الدامية خلف ثوبٍ يشفُّ عما تحته.. إن صور ألاف الضحايا تحت أنقاض المباني التي دمرتها قذائف الدبابات والمدفعية الإسرائيلية أو الطائرات الحربية على رؤوس أهلها لن تُمحى من الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني ولا حتى من ذاكرة أحرار العالم.. لقد فقدت إسرائيل مصداقيتها – المزعومة - أمام دول وشعوب العالم، وهي اليوم في محنة أخلاقية كبرى، ولكنها ما تزال تراهن على استنقاذ حالتها من الغرق بالاعتماد على قوة نفوذها داخل الكونجرس الأمريكي وضعف الرئيس باراك أوباما، وكذلك بإظهار تعاليها على المجتمع الدولي نظراً لهشاشة وعجز السياسة الأوروبية بشكل عام، وكذلك لتشرذم الساحة العربية، وبدون شك لحالة الانقسام داخل الصف الفلسطيني، الذي – برغم الأزمة والحالة الكارثية التي عليها قيادته - ما يزال يراوح مكانه منتظراً أن يأتي إليه "التتري من بني صهيون" ليجز رأسه.

لم يعد في القوس منزع، لا بّد أن تتوحد ساحتنا، وأن نخرج من حالة "القصعيّة" والتجخية السياسية، وأن ننهي وضعية الانقسام ونتهيأ للمفاجآت الإسرائيلية، وتقديم رؤيتنا للعالم كشعب يبحث عن وطنه، ويفتش عن استقرار لأجياله القادمة.

بالأمس كنّا نطالب مصر بأن تجمعنا في القاهرة لساعة واحدة ونحن سننهي خلافاتنا وتحفظاتنا حول ورقتها وسنوقع بعدها.. ترددت مصر، وطالبنا الوزير عمر سليمان بأن نأتي بورقة التفاهمات الفلسطينية - الفلسطينية أولاً،  ثم نأتي القاهرة على الرحب والسعة.

والآن وبعد اجتماعين في دمشق تبدو الأمور من خلال تصريحات المسئولين في فتح وحماس وكأن الولادة متعسرة.. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كانت القاهرة على صواب عندما طالبتنا بأن ننهي جلسات التفاهم بعيداً عنها ثم نأتي إليها متفقين لتوقيع ورقتها، والتي هي في الأصل صياغة فلسطينية لفتح وحماس؟!!

أم أننا جميعاً – وللأسف - لم نبلغ حُلم السياسة ولم نملك حكمة دهاقنتها، وسنظل – كعادتنا - ننطح الصخر، حتى يُقال فينا: "وأوهى قرنه الوعل".!!