خبر يا زعماء العرب والمسلمين: غزة تناديكم لفك الحصار..د. أحمد يوسف

الساعة 06:59 ص|18 نوفمبر 2010

 منذ أربع سنوات وغزة تئن تحت وطأة حصار ظالم فرضته دولة الاحتلال، بحيث غدا القطاع مستطيلاً تطوقه الدبابات والبوارج الإسرائيلية في ثلاثة من أضلاعه، أما سماؤه فهي مفتوحة للطيران الحربي الإسرائيلي الذي استباح حرمة كل شيء آمن في القطاع.. ويكفي أن تنظر إلى أعلى لتأخذك الحسرة على خلو فضائنا من أية طيور اعتادت أن تمنح سماءنا لمسة سحرية، كما كنّا نتغنى بأعداد الطيور المهاجرة التي كانت تجد في أرض غزة الدفء والأمان والنسمة الهادئة.. اليوم أزيز الطائرات أفقر السماء حتى من طيورها وجمالها.

 

(انتفاضة كسر الحصار)

 

حاولت إسرائيل منذ أن فازت حركة «حماس» في انتخابات كانون الثاني 2006 أن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني فقامت بفرض الحصار عليه، والتضييق على سبل عيشه الكريم بإغلاق المعابر التجارية الرئيسية معه، وتحديد نوعية المواد المسموح بدخولها إليه.. لا شك أن إبداعات الفلسطينيين في إيجاد البدائل ساقتهم بعد معاناة طويلة لحفر الأنفاق، للوصول إلى مقومات الحياة المطلوبة لسكان القطاع.. نعم؛ لقد تنفس الفلسطينيون الصعداء، لأن أيديهم استطاعت الوصول لما يحفظ استمرار حياتهم وإن كان بأسعار مضاعفة، لكن الأنفاق لا يمكن الإعتماد عليها في تطوير حياة الفلسطينيين وتنمية مجتمعاتهم.. لذلك، قد تخفف الأنفاق شيئاً من المعاناة الإنسانية، ولكنها – بدون شك - لا تنهيها.. من هنا، كانت نداءات الفلسطينيين وصرخاتهم، والتي وجدت لها - والحمد لله - آذاناً صاغية لدى جماهير هذه الأمة العربية والإسلامية، وكذلك لدى أصحاب الضمائر الحيّة في العالم الغربي، وبين جالياتنا المسلمة المتواجدة في الساحتين الأوروبية والأمريكية من خلال حملات وقوافل كسر الحصار.

 

لاشك بأن هذه القوافل قد حركتها دوافع إنسانية بعد الحرب العدوانية على قطاع غزة في كانون الاول 2008، فالمشاهد الدامية على مدار ثلاثة أسابيع متتالية حركت وجدان الأمة من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا، هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى، كان الصدى في العواصم الغربية مفجراً لحالة غضب عمّت الكثير من كبريات المدن مثل لندن وباريس وواشنطن احتجاجاً على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

 

وما أن وضعت الحرب أوزارها، حتى كانت الهبّة الشعبية في طول الوطن العربي وعرضه مطالبة برفع الحصار عن القطاع، وضرورة التحرك لكسره عبر القوافل البحرية والبرية.

 

البداية: غزة حرة

 

جاءوا من البحر أول مرة، ونجحوا في الوصول إلى شاطئ غزة، مجموعة من المتضامنين الغربيين كانوا أول من تحدى البحرية الإسرائيلية وأصروا على الوصول إلى القطاع.. كان المشهد مؤثراً والاستقبال مشجعاً بتكرار التجربة.. وفعلاً تتابعت الجهود وتوسعت، وصارت هذه القوافل الشعبية بمثابة مقدمة لإنتفاضة ثالثة، ولكنها ثلاثية الأبعاد؛ إنسانية وسياسية وإعلامية.

 

أعقب هذه النجاحات في الوصول إلى غزة عبر البحر حركة أوسع عبر البر، بدأت مع قافلة شريان الحياة، ثم قافلة أنصار، ولكنّ هذه المحاولات لم تكن بدون عوائق أو عقبات، ولكن الضغوطات الإعلامية كتبت لها النجاح في الوصول إلى غزة.

 

أسطول الحرية.. دماؤكم انتصرت

 

هزت الدماء التي سالت على سفينة مرمرة في 31 أيار 2010 ضمير العالم كله، وكان الموقف التركي الرسمي صارماً، ومطالباً بلجنة تحقيق دولية لم تستطع إسرائيل رفضها.. وجاءت الإدانات المتكررة والتنديد على ألسنة العديد من وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي والمطالبات بضرورة رفع الحصار عن قطاع غزة، لأن ليس هناك ما يبرره، وقد فتح هذا الحادث المجال لمناقشة أهمية وجود ميناء بحري لغزة يربطها بالعالم الخارجي لتسهيل حياة الناس والتخفيف من معاناتهم.

 

بالطبع، لم يتوقف الأمر عند الإدانة والشجب بل تحرك النشطاء المتضامنون لترتيب قوافل بحرية أخرى تنطلق من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وأيضاً من دول عربية وإسلامية للتوجه إلى غزة في تحدٍ جديد للغطرسة الإسرائيلية.

 

واليوم، وبعد المجزرة التي تمَّ ارتكابها على سفينة مرمرة، أضحت إسرائيل في مواجهة مفتوحة مع العالم، وقد حاولت التهرب من الضغوطات الدولية بادعاء تخفيف حصار غزة، لكن هذه الحيلة الإعلامية لم تنطلِ على أحد، حيث كشفت الحقائق الميدانية أن الحصار وتداعياته الكارثية على حياة الناس ما زالت قائمة.

 

في الحقيقة، أصبحت تضحيات ودماء المتضامنين على أسطول الحرية رمزاً للنضال ضد اسرائيل. وقد تشكلت العديد من اللجان والفعاليات التضامنية في الكثير من الدول الغربية، إضافة إلى شبكات المناصرة في كل بلد عربي وإسلامي، والتي تعهدت بحشد الدعم وتحريك منظمات المجتمع المدني فيها لتسيير قوافل مستمرة ومدد لا ينقطع إلى غزة.

 

لقد كان أسطول الحرية علامة فارقة في جهود كسر الحصار عن غزة، وستبقى مؤسسة الإغاثة التركية (IHH) عنواناً في الذاكرة العربية والإسلامية والغربية لرفض الظلم والحصار المفروض على قطاع غزة.

 

الآن.. ما هو المطلوب؟

 

لقد تطورت جهود كسر الحصار على مدار السنوات الثلاث الماضية، ونجحت في إلقاء الضوء على المعاناة التي يعيشها أهل غزة، وحشدت رأياً عالمياً بضرورة رفع الحصار عن القطاع، وشاهدنا العديد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يأتون لزيارة القطاع ويطالبون إسرائيل أن ترفع يدها وطوقها عن أهالي القطاع، بل ورأينا - كما في زيارة وزير الخارجية الألماني الأخيرة - من يطالب بالسماح للمزارعين بتصدير منتجاتهم للخارج، ويقومون بتدشين مشاريع داخل القطاع في مجالات الصحة والصرف الصحي، والتعليم والمياه، وهذه خطوات إيجابية وتحركات عملية لوضع حدٍ لهذا الحصار الظالم.

 

ويأتي السؤال الذي يدور على ألسنة الكثيرين، لماذا لا يأتي وزراء الخارجية العرب أو رؤساء الدول العربية والإسلامية إلى زيارة القطاع لشد أزر أهل غزة وتعزيز صمودهم؟

 

فعلى مدار سنوات الحصار الأربع، لم يأت لزيارة القطاع – عملياً - إلا أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، والسيد اكمل الدين حسين أوغلوا في جولة استطلاعية للقطاع، وكانت التوقعات أن يكون هذا القدوم سابقة أو مدخلاً مشجعاً للآخرين من وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية.

 

ولكن - للأسف - لم يأت أحد..!! وإن كان بعض الزعماء العرب والمسلمين وعد بذلك، وأرسل مساعدات إغاثيّة عبر الجمعيات والمؤسسات الإنسانية في بلاده.

 

نعم؛ لقد جاءت الكثير من المساعدات الإغاثية من تركيا، والجزائر، وقطر، والبحرين، وماليزيا، ومصر، وليبيا، واليمن، والمغرب، وموريتانيا، وإندونيسيا، وجاءت معها مشاريع إنمائية بانتظار مباشرة العمل بها بعد رفع الحصار.

 

السؤال الأهم الذي كان يُطرح دائماً على ألسنة العامة والساسة، متى يأتي قادة العرب وزعماء الأمة الإسلامية؟!! لقد ناشدنا الجميع، ووجهنا دعوات من خلال هذه القوافل أو عبر مكاتبات ومكالمات هاتفية، ولكننا ما زلنا ننتظر، مع تقديرنا للظروف السياسية والأمنية لكل رئيس وزعيم ولإمكانيات بلاده ومكانتها في المعادلة الدولية من ناحية اختيار توقيت الزيارة وطبيعتها..

 

لا شك أننا بانتظار زعماء عرب ومسلمين لهم خصوصيتهم المميزة في السياسة الإقليمية والدولية، مثل: العقيد القذافي باعتبار أنه الرئيس الحالي للقمة العربية، والسيد رجب طيب أردوغان لمكانته القيادية المشهودة داخل الساحتين العربية والإسلامية وعلاقات بلاده الواسعة مع المجتمع الدولي، وكذلك الرئيس أحمدي نجاد لمواقف بلاده القوية في نصرة الشعب الفلسطيني، والوقوف إلى جانب الحكومة الفلسطينية المنتخبة في غزة.. إضافة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والذي تحظى فلسطين في وجدان شعبه بمنزلة كبيرة واستعدادات للتضحية متميزة، لخصتها مقولة بومدين (رحمه الله) "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".. ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس حسني مبارك، وسمو أمير قطر حمد بن خليفة.

 

لهؤلاء الزعماء والقادة نرفع نداء أهلنا في غزة: إننا بانتظاركم.. لقد كنتم وما زلتم عناوين كبيرة لهذه الأمة العربية والإسلامية، وأننا إذ نهنئكم بعيد الأضحى المبارك لنكرر لكم النداء بأن شعبنا المرابط على الثغر الأقدس إسلامياً؛ أرض الإسراء والمعراج، يناشدكم اتخاذ خطوة شجاعة باتجاه فلسطين وشعب غزة.. إن كتب التاريخ ستفتح صفحاتها لمن يأتي أولاً، ويكسر بخطوته متاريس الحصار، ويعانق أهل غزة.

 

فمن يأتي اولاً! الزعيم الليبي، أم السيد رجب طيب أردوغان، أم احمدي نجاد؟ أم يفاجئنا أمير قطر بزيارة خاطفة..؟

 

من يأتي أولاً، يبقى في قلب شعبنا الأول، ويتصدر – بلا منازع - عناوين التاريخ وصفحات أمجاده.