خبر غزّة: أيدٍ ناعمة في مهن خشنة

الساعة 04:16 ص|15 نوفمبر 2010

غزّة: أيدٍ ناعمة في مهن خشنة

حفر البرك لتخطّي ظروف الفقر والبطالة

فلسطين اليوم- وكالات

وصلت نسبة البطالة عند النساء إلى 95 % (الأخبار)تحفر الأيادي الناعمة في تربة زمن صعب، بحثاً عمّا يسدّ حاجتها. هناك اقتحمت النساء سوق عمل لم يكن يخطر ببالهن يوماً، فبطالة أزواجهن جعلتهن مستعدات للحفر بأظفارهن للوصول إلى ما يوفّر لهن لقمة العيش... من بين أنياب الحصار، ومن أجل أجر زهيد، تجسدت معاناة نسوة في ممارسة أعمال شاقة. يبدأ يومهن مبكراً، وينتهي بعدما تسحب الشمس خيوطها. وبين تلك الساعات، تنهمك نواعم غزة في الحفر، وكل أمانيهن تجاوز ظروف أسرهن الصعبة. مهنة صعبة أقبلن عليها حباً وكرهاً، حباً في عمل يدخل عليهن أي أجر في ظل أزمة خانقة منعتهن من مجرد الاستمتاع بأنوثتهن، وكرهاً لذلك الشقاء الذي كتب على جباههن وهن يصارعن لهيب الشمس الحارقة مقابل أجر لا يتعدى 60 شيكلاً (نحو 18 دولاراً) يوميّاً، تخرج نسوة في غزّة من بيوتهن كل يوم إلى المناطق الزراعية في شمال القطاع لحفر البرك، ضمن مشروع تشغيل المزارعين، الذي يرعاه اتحاد لجان العمل الزراعي بتمويل من «جمعية المساعدات الإنسانية للاتحاد الأوروبي» وبشراكة مع «المؤسسة الإسبانية للعمل ضد الجوع».

وفي جو يحاصره الغبار، كما الآلام التي تحاصر حياتهن، تحكي سميحة أبو هويشل قصتها مع الحياة، فتقول: «بالتأكيد لم آت للعمل هنا مختارة، بل هي الظروف الصعبة التي دفعتني إلى العمل في هذه المهنة الشاقة».

وتعول سميحة أسرة مكونة من أربعة أبناء وبنتين، بعد وفاة زوجها، وتقول: «أطفالي لا يزالون صغاراً، ولم أجد من الأعمال ما يغني عن العمل في حفر البرك، وربما أنا مجبرة على هذا العمل لأنني لا أجيد مهنة معينة ولا أحمل شهادة جامعية، لكنني أحمد الله؛ إذ إنني وجدت عملاً من الأساس؛ لأن الظروف صعبة على الجميع، والكل يبحثون عن أي عمل ليجلب قوت يومه، ويغني أطفاله عن مرارة السؤال».

في المكان ذاته، تجابه إحدى النساء صعوبة العمل، وبصوت متقطع تقول نادية المصري: «كلنا حياتنا صعبة، لكننا محظوظات؛ فقد سجل عدد كبير للعمل في هذا المشروع، إلا أنه اختيرت 25 امرأة فقط. وأن تجد عملاً هذه الأيام، فهذا بحد ذاته إنجاز بغضّ النظر عن طبيعته».

وتضيف المصري، وهي تضرب الأرض بمعولها: «لا أحد يهتم إن كان هذا العمل يناسب النساء أو لا؛ فنحن في زمن يحاول الجميع رجالاً ونساءً توفير احتياجاته، وزمن انتظار المرأة في البيت لرجل يأتي لها بمال وفير انتهى، وأصبحنا مجبرات على الخروج لنعمل بأيدينا في حفر البرك، ولو كان هناك عمل شاق أكثر من ذلك لعملت فيه، فالعمل يغني عن حاجة الناس ويحفظ كرامتنا».

وعلى الرغم مما بدا عليها من إرهاق، تبدي إحسان الدرة استعدادها للعمل في حفر الصخر، لا الرمال، لإيجاد لقمة العيش لأفراد عائلتها ولتلبية احتياجاتهم. وتقول إنها «لم تجد أي مصدر رزق آخر يساعدها على إعالة أسرتها المكونة من تسعة أفراد، ولهذا فإن العمل في حفر البرك أهون بكثير من رؤية الحاجة في عيون أولادي».

وتشرح إحسان ظروفها الصعبة بالقول: «زوجي لا يستطيع العمل بسبب مرضه الشديد، وعلاجه يتكلف منا مبالغ لا نستطيع توفيرها لو لم أقم بالعمل، ونحن في أيام صعبة، ومن يساعدك اليوم فقد لا يمد لك يد المساعدة غداً، وقد عملت في مهن كثيرة، وما حفر البرك إلا مرحلة».

ولم يقتصر العمل في حفر البرك على ربات البيوت، بل هو الطريق الوحيد الذي وجدته خريجات جامعيات. وانضمت الطالبة الجامعية عهد عماد إلى زميلاتها في حفر البرك بعد تراكم الرسوم الجامعية عليها، ما يهدد تسلمها لشهادتها الجامعية. وتقول: «درست في جامعة الأقصى تخصص تربية رياضيات، واعتمدت على القروض الجامعية لسداد رسومي، وبسبب تراكمها، لم يعد بإمكاني تسلم شهادتي، فاضطررت إلى العمل، وقد شجعتني إحدى صديقاتي على ذلك، وبالفعل التحقنا بالعمل، مشجعة إحدانا الأخرى».

ورغم أن هذا العمل يوفّر دخلاً جيداً لها، إلا أن عهد تؤكد أنها لن تكمل في هذا العمل فور تسلمها شهادتها، لأنها ستتقدم إلى امتحانات التوظيف، على أمل أن تراعى ظروفها وتحصل على وظيفة أفضل من العمل في حفر البرك.

وبشيء من المرح الذي يخفي وراءه آلاماً كثيرة، تتساءل المتخرجة الجامعية سمية سويلم: «لماذا أنتظر عملاً قد لا يأتي؟ زمن الوظائف الجاهزة للخريجين انتهى، وعلى كل إنسان أن يبحث عن أي عمل». وتضيف: «لا أزال شابة، وأستطيع العمل في مهنة تتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً. وأكثر ما يواجهني من صعوبات هو تحفّظ الأهل على مثل هذه الأعمال التي تتطلب جهداً كبيراً. لكنني تمكنت من إقناعهم بعدما تأكدوا من عمل النساء في جانب منفصل عن الشبان الذين يعملون معنا في المشروع ذاته».

ويشير رئيس اتحاد لجان العمل الزراعي محمد البكري إلى وجود نشاط غير عادي لدى النساء في العمل بهذا المجال الصعب، وقد أثبتن من خلال هذه المهنة أنهن يستطعن خوض غمار الأعمال التي ظلت لوقت طويل حكراً على الرجال، فقد نجحن في حفر برك تتسع لـ120 كيلومتراً مكعباً.

ويوضح البكري أن الهدف الأساسي من تبني اتحاد لجان العمل الزراعي لهذا المشروع وتشغيل المرأة للمرة الأولى ضمن مشاريع يقدم لها الدعم من مؤسسات دولية بقوله: «الهدف أولاً هو توفير مياه عذبة من لتنويع المحاصيل الزراعية وزيادة دخل المزارعين في شمال مناطق قطاع غزة، التي تعد الأكثر خصوبة في القطاع، وصنفت سابقاً بأنها سلة القطاع الغذائية لولا عمليات التجريف والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة والمتكررة التي دمرت القطاع الزراعي». ويضيف البكري أن الفكرة «حققت هدفاً إضافياً في محاربة ظاهرة التسول النسوي، من خلال مؤسسات لا تقدم إلا الدعم الإغاثي على شكل معونات». ويتابع: «سنستمر في العمل، وسنحاول في المشاريع المقبلة زيادة مشاركة المرأة، لما أبدته من تفانٍ، ولكسر حاجز البطالة لديهن، البالغ حسب آخر الإحصاءات أكثر من 95 في المئة، مقارنة بنسبتها لدى الرجال، المقدرة بنحو 80 في المئة». وذكر أن المشروع سيستمر لمدة 15 شهراً، وقد أسهم في توفير 1068 فرصة عمل حتى الآن، وينفذ المشروع على ست مراحل كل مرحلة تمتد لأربعين يوم عمل.