خبر التسلل إلى حياتنا الشخصية على الإنترنت .. هل ماتت الخصوصية؟

الساعة 04:12 ص|15 نوفمبر 2010

التسلل إلى حياتنا الشخصية على الإنترنت .. هل ماتت الخصوصية؟

فلسطين اليوم - وكالات

«الخصوصية ماتت... وعلينا دفنها». تلك هي الخلاصة التي خرج بها المحقق الأميركي في دعاوى «خصوصية الانترنت» ستيف رامبام قبل أعوام، واضعاً كل ما يحكى عن إجراءات تقنية وقانونية لحماية حياتنا الشخصية على الشبكة الالكترونية في خانة «الأساطير».

ولعلّ رامبام يبدو محقاً، وما يؤكد قوله هو استمرار السجال حول «خصوصية الانترنت»، والذي تجدد خلال الأسبوعين الماضيين، على خلفية الدعوى القضائية التي رفعتها إحدى المنظمات الحقوقية الأميركية ضد شركة «غوغل» العملاقة، بعدما تبيّن أن خاصّية «باز» (Buzz)، التي أضافتها الشركة على خدمات التواصل الاجتماعي، قد نقلت كل عناوين البريد الالكتروني الخاصة بمستخدمي خدمة «جي مايل» إلى الشبكة الالكترونية، ما جعلها متاحة لكل الأعضاء من دون استئذان أصحابها.

لكنّ للحقوقيين والمشرّعين رأياً آخر، فالخصوصية بالنسبة لهم حق أساسي لا يموت، ولهذا فإنّهم يعتقدون أنّ القوانين ما زالت قادرة على حماية الأفراد من «الانتهاكات الالكترونية» للخصوصية، وإن كانوا يقرّون بالصعوبات التي تحول دون حماية هذا الحق بشكل مطلق، وذلك بالنظر إلى الوتيرة السريعة لتطوّر «ثورة المعلوماتية»، فضلاً عن الطابعين الكوني واللامركزي لشبكة الانترنت، ما يجعل التعامل مع ظاهرة انتهاك الخصوصية أمراً بالغ التعقيد.

احذر... أنتَ مراقب!

ويجمع خبراء المعلوماتية على أن ما حدث مع مستخدمي موقع «غوغل» من انتهاك للخصوصية ما هو إلا نموذج بسيط للخطر الذي يتهدد متصفحي الشبكة الالكترونية، متحدثين عن وسائل عديدة يمكن لجهات معينة أن تستخدمها لرصد كل حركة نقوم بها على شبكة الانترنت.

ولعلّ هذه الانتهاكات قد تصل حد التسلل إلى ملفاتنا الشخصية، وربما مراقبتنا عبر الكاميرات المثبتة في أجهزة الكومبيوتر الخاصة بنا من دون أن نشعر بذلك، وهو أمر، «وإن كانت القدرة عليه متفاوتة بالنظر إلى نظم الحماية والتشفير التي يعكف المبرمجون على تطويرها بشكل مستمر، إلا أنّه يبقى ممكناً، أقله من الناحية النظرية»، حسبما يوضح خبير في المعلوماتية لـ«السفير».

ويشير الخبير إلى أنّ خرق الخصوصية على شبكة الانترنت يمكن أن يتم من قبل جهات ثلاث أساسية هي: مزوّد خدمة الاتصال بالانترنت (Internet Service Provider)، والمواقع التي يزورها المتصفح، بالإضافة إلى مخترقي الشبكة (Hackers) أفراداً أو أجهزة أمنية واستخباراتية.

ويوضح أن باستطاعة مزوّد الخدمة أن يرصد كل ما تقوم به على الانترنت (مكان وزمان الدخول إلى الشبكة، المواقع التي تم تصفّحها، الكلمات التي جرى البحث عنها، الحوارات، الرسائل الالكترونية المتبادلة... إلخ)، وذلك من خلال رقم الانترنت الخاص بالمستخدم (Internet Protocol)، وأدوات أخرى تعرف بالـ«Proxy» و«Packet Sniffer»، وهي برمجيات قادرة على تحليل كل حركة تجري على الشبكة الالكترونية.

ويشير الخبير إلى أنّ شركات الانترنت غالباً ما تحرص على سرّية هذه المعلومات، بحيث ترفض تسريبها إلا بطلب خاص من السلطات القضائية المختصة، لكنه يوضح أنّ «ذلك لا يعني أن هذه المعلومات محميّة من اختراقات أجهزة الاستخبارات الكبرى».

ويضيف الخبير أنّ المواقع الالكترونية التي يزورها المتصفح قادرة بدورها على تحديد حركته فيها، وذلك من خلال إدخال ملفات صغيرة تعرف باسم «Cookies» على القرص الصلب (Hard Disk) في جهاز الكومبيوتر. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ المنتديات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وأهمها «فيسبوك» و«تويتر»، غالباً ما تتضمن ثغرات تمكّن المتطفلين من الاطلاع على أدق التفاصيل الشخصية للمشتركين فيها، وإن كانت هذه المواقع تعمل باستمرار على ابتكار سبل لحماية الخصوصية.

أما الاختراق (Hacking)، فيمثل التحدّي الأكبر الذي يواجه الأفراد والشركات والمواقع الالكترونية، وهو يبدو أشبه بحرب مفتوحة لا قاعدة ثابتة لها سوى استفادة كل طرف من ثغرات الطرف الآخر. وهي تتم عادة عبر برامج معقدة وأشكال مختلفة، قد تصل إلى حد رصد تحركاتنا الشخصية، عبر اختراق أجهزة الكومبيوتر المحمولة، وربما مراقبتنا داخل منازلنا.

تحدّيات قانونية

ولعلّ واقعاً كهذا يطرح إشكاليات معقّدة حول سبل التعامل قانونياً مع ظاهرة انتهاك الخصوصية الفردية على الشبكة الالكترونية.

وفي هذا الإطار، يقول الخبير في قانون التكنولوجيا، ورئيس لجنة المعلوماتية في نقابة المحامين في بيروت، الدكتور طوني عيسى لـ«السفير» إنّ «مسألة الخصوصية بدأت تظهر مع انتشار استخدام أجهزة الحاسب الآلي في السبعينيات، حين تبيّن أن المعالجة الآلية للبيانات والمعلومات يمكن أن تنجم عنها مخاطر جدّية تطال الحياة الخاصة للأفراد، خصوصاً إذا تمت هذه المعالجة من دون علم أصحابها أو موافقتهم الصريحة».

ويضيف عيسى أن ما يزيد من هذه التحديات هو أن الانترنت «شبكة مشرّعة وغير مركزية، إذ لا وجود لسلطة وحيدة تديرها أو تتحكم بتدفق المعلومات والبيانات عبرها، فضلاً عن طبيعتها الكونية التي تشكل عنصر تعقيد إضافي ناتج عن عدم خضوع هذه الشبكة إلى قوانين أو محاكم محددة».

ويشير عيسى إلى أنّ «الدول التي أدركت باكراً حجم هذه المسألة، بادرت منذ السبعينيات إلى إصدار تشريعات خاصة بحماية الحياة الفردية. وقد عمدت هذه الدول، لا سيما الأوروبية منها، إلى تحديث تشريعاتها تباعاً، وذلك مع تقدم التقنيات»، موضحاً أنّ من بين ما تفرضه هذه التشريعات «موجب الالتزام بالغاية المحددة مسبقاً من جمع المعلومات»، و«عدم التصرف بها من دون موافقة أصحابها»، فضلاً عن منح مجموعة من الحقوق للأفراد، من بينها «حق الوصول إلى المعلومات لتصحيحها».

ويلفت عيسى إلى أنّ «النظرة المتشددة التي تبديها دول الاتحاد الأوروبي تقابلها نظرة مختلفة كلياً لدى الدول الانغلوساكسونية، وعلى رأسها الولايات المتحدة»، التي تميل إلى إهمال القوانين الإلزامية أو الآمرة، لصالح ما يعرف بـ«التنظيم الذاتي»، أي حث الأطراف المعنيّة على احترام خصوصية الأفراد بموجب سياسات اختيارية، على اعتبار أن التشدد قد يؤدي إلى التضييق على حرية المعرفة وحرية الوصول إلى المعلومات.

غياب التشريعات في لبنان

ويبدو هاجس الخصوصية الالكترونية غائباً أو مهملاً بالنسبة للمشرّع اللبناني، بالرغم من أنّ عدد مستخدمي شبكة الانترنت في لبنان يناهز 23 في المئة من عدد السكان.

وفي هذا الإطار، يقول عيسى إنه «لا توجد في لبنان نصوص قانونية خاصة بموضوع حماية الخصوصية الفردية أو حماية الأفراد من المعالجة الآلية للبيانات، وبالتالي فإن المسألة برمتها غير منظمة بعد، ولا يوجد موقف رسمي أو قانوني واضح حيالها».

ويشير عيسى إلى أن «هناك أكثر من اقتراح قانون حول المعاملات الإلكترونية مطروح حالياً أمام المجلس النيابي، وهذه الاقتراحات تتضمن مواد خاصة بحماية الحياة الفردية والخصوصية، كما تنص على إيلاء مسألة الحماية إلى هيئة رقابية تنشأ لهذه الغاية»، لكنه يوضح أنّ «اقتراحات القوانين هذه لا تحظى بإجماع، حيث توجد مخاوف من أن تؤدي الصيغ المطروحة، ليس فقط إلى عدم تحقيق الغاية المرجوة، وإنما إلى إيجاد وضع مربك ناجم عن إمكان تحول الهيئة المقترحة - التي من المفترض أن تحمي الحياة الخاصة - إلى هيئة رقابية قد تمارس رقابة صارمة على مبدأي الحرية الفردية وحرية التعبير اللذين يكفلها الدستور».

وبانتظار صدور التشريعات الخاصة الملائمة، يبقى السؤال حول الإجراءات القانونية التي يمكن للمتضرر أن يتخذها في حال وجد أن خصوصيته قد انتهكت. ويجيب عيسى بأنّه «لا يمكن الجزم بأنّ مَن انتهكت حياته الخاصة عبر شبكة الإنترنت أو أية وسيلة إلكترونية حديثة يستطيع، في ظل الواقع التشريعي الحالي، أن يحمي حقوقه، فضلاً عن احتمال حصول تضارب وإرباك على صعيد المحاكم بسبب عدم وجود نص قانوني واضح وصريح يرعى هذه المسألة»، لافتاً إلى أنه «لهذا السبب، يجب على مستخدمي الإنترنت في لبنان التزام الحذر والوعي، وتجنّب تزويد المواقع التي لا تبدو موثوقة أو آمنة بالمعلومات الشخصية».

برغم ذلك، يوضح عيسى أن «ثمة إمكانية لمراجعة القضاء المختص أو الطلب من الأجهزة المختصة بإجراء التحقيق اللازم، كاللجوء مثلاً إلى مكتب مكافحة الملكية الفكرية وجرائم المعلوماتية لدى قوى الأمن الداخلي»، وإن كانت «النتيجة في اكتشاف المعتدين ومعاقبتهم غير مضمونة لا سيما في ظل الوضع القانوني الراهن».

بذلك، يمكن القول إنّ الخصوصية الفردية تسير في دائرة الكترونية مفرغة: الانترنت بات من أولويات الحياة، تفاصيل حياتنا تتدفق إلى الشبكة الالكترونية، وثمة ثغرات كثيرة تسمح بتسريبها رغماً عن إرادتنا. فهل حقاً «ماتت الخصوصية»؟ أم أن خبراء المعلوماتية والقانون ما زالوا قادرين على إيجاد حل يكسر هذه الدائرة؟ وفي ظل المعركة المفتوحة بين «ثورة المعلوماتية» و«الخصوصية الفردية»، إلى متى يبقى لبنان على الهامش؟