خبر فلسطين… عملية سلام وعملية مصالحة أيضا..ماجد عزام

الساعة 04:27 م|13 نوفمبر 2010

فلسطين… عملية سلام وعملية مصالحة أيضا..ماجد عزام

ابتدع وزير الخارجية الامريكى السابق هنرى كيسنجر قبل ثلاثين عاما تقريبا مصطلح عملية السلام وطوال هذه الفترة كان الحرص كبيرا على العملية بغض النظر عن تحقيق السلام الذى اختصر فى اجراءات ومفاوضات لا نهاية لها بدلا من تكريس المفهوم عبر وقائع على الارض .

كيسنجر ابتدع المصطلح متعمدا عن سبق اصرار وهو سعى الى استخدام العملية من اجل تحقيق اهداف تكتيكية واستراتيجية للولايات المتحدة واسرائيل فى المنطقة ومن غزو لبنان ومحاولة تحطيم منظمة التحرير فى ثمانينات القرن الماضى الى الانسحاب الهادىء من العراق وعزل ومحاصرة ايران-وحلفائها- فى الوقت الحالى كانت عملية السلام حاضرة دائما لنسج التحالفات وتمرير السياسات واعطاء الانطباع ان امريكا لا تتوانى عن بذل الجهود لحل القضية المركزية للعرب وللمسلمين وبالتالى فانها تستحق الثمن عبر الانخراط العربى والاسلامى فى سياستها العامة فى المنطقة .

وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونديليزا رايس قالت بعد انطلاق مسيرة انابوليس نهاية العام 2007 ان هذه المسيرة تعتبر بمثابة الرد الامريكى والدولى على المتسائلين والمشككين بجدية وصدق النوايا من اجل التوصل الى اتفاق سلام نهائى فى فلسطين والمنطقة .

كما الولايات المتحدة تعاطت اسرائيل دائما مع عملية السلام بذهنية انتهازية ومزدوجة المعايير من رابين حيث محاربة الارهاب و عملية السلام غير موجودة الى تسيبى لفنى التى رات العملية ضرورية لاطلاق يد اسرائيل فى محاربة الارهاب وبدونها ما كان بالامكان الذهاب برايها الى حربى لبنان وغزة وحسب افادتها امام لجنة تيركل لولا غياب العملية لما كان اسطول الحرية وتداعياته السلبية متعددة الابعاد على الدولة العبرية .

فى الايام الاخيرة سمعنا عدة تصريحات ومواقف صادرة عن مسؤولين عرب واجانب تتحدث عن الاثار الضارة لجمود عملية التسوية وضرورة بذل الجهود لاستئنافها باسرع وقت ممكن لان الواقع الحالى –– يخدم المتطرفين واعداء السلام فى المنطقة اى اننا بصدد السعى لاستئناف العملية باى شكل من الاشكال بغض النظر عن الجوهر والوصول الى الهدف المفترض اى السلام .

اذا كانت المواقف الامريكية والاسرائيلية غير مستغربة قياسا الى السياسات المتبعة من طرفهم خلال العقود الاخيرة فان من المستغرب ان نرى هذا الاستلاب العربى وحتى الفلسطينى تجاه "صنم" العملية التى لم تؤد الى نتيجة فى العقدين الماضيين بل على العكس كانت اضرارها على العرب اكثر من منافعها ويمكن لمسالة الاستيطان ان تقدم دليلا ملموسا وحاسما على ذلك حيث كان عدد المستوطنين فى الضفة والقدس قرابة مائتى الف عند توقيع اتفاق اوسلو وبات عددهم الان يتجاوز نصف مليون مستوطن .

اعتقد بل اجزم ان المعطيات السابقة واضحة لصناع القرار الفلسطينى والعربى غير ان الافتقاد الى الارادة الشخصية والسياسية الضرورية من اجل الخروج بالاستنتاجات المناسبة وبالتالى بلورة المسار البديل ناهيك طبعا بالمصالح الشخصية والامتيازات والمنافع التى يوفرها الانخراط فى العملية بغض النظر عن الوصول الى الهدف النهائى .

كان عملية واحدة لا تكفى وتبدو فى الافق محاولات لخلق عملية ثانية تتعلق بالمصالحة الفلسطينية وبنظرة الى الوراء يمكن الاستنتاج ان العملية بدات منذ خمس سنوات تقريبا عبر وثيقة القاهرة 2005 ثم وثيقة الوفاق الوطنى 2006 فاتفاق مكة 2007 وبتقييم اقل تشاؤما يمكن القول ان عملية المصالحة بنسختها الاخيرة بدات عبر حوارات القاهرة التى امتدت لعام تقريبا قبل ان تتم بلورة الورقة المصرية للمصالحة في تشرين اول اكتوبر الماضى وحتى الان لم توقع حماس عليها بينما قامت فتح بذلك ناهيك بالطابع الانتقالى والمرحلى للورقة والذى يمتد لعام تقريبا من لحظة التوقيع المشترك لكل من حماس وفتح .

الطابع الانتقالى والمرحلى ليس سلبيا ويمكن قبوله اذا اقتصر على عام واحد تتم خلاله تهيئة البيئة السياسية الفلسطينية لتكريس المصالحة على الارض والشروع فى اعادة الاعمار فى غزة والتحضير لانتخابات شفافة ونزيهة وديموقراطية بالتوازى مع اعادة بناء وهيكلة على اساس وطنى ومهنى للاجهزة الامنية غير ان السيناريو الاسوا قد يتم عبر استنساخ النموذج العراقى بمعنى ان لا تاتى نتائج الانتخابات حاسمة وتتواصل الحوارات والنقاشات حول كيفية تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق تلك النتائج بينما يتكرس الانفصال والانقسام والتباعد بين الضفة وغزة وخلق وقائع متراكمة تجعل من الوحدة امرا بعيد المنال .

فى الفترة الاخيرة يمكن رؤية مساع لربط او علاقة ما بين العمليتين بمعنى ان عملية المصالحة تتكفل الحفاظ على الواقع الفلسطينى الراهن وتمنع انفجاره او تدهوره نحو الاسوا بما لا يؤثر سلبا على العملية الاولى اى عملية السلام ناهيك عن اعطائها الافق الزمنى اللازم والحيوي لها لعام او لعامين وربما اكثر من ذلك .

كانت المصالحة الفلسطينية وما زالت ضرورة حيوية للمشروع الوطني ويجب عدم تحويلها الى عملية باى حال من الاحوال عبر التوقيع على الورقة المصرية والتنفيذ على اساسها اضافة الى ورقة التفاهمات الفلسطينية الداخلية والذهاب الى الانتخابات وفق بيئة ملائمة واحترام نتائجها وتشكيل حكومة وحدة وطنية فى ضوئها وعلى قاعدة وثيقة الوفاق الوطنى واعادة الحياة والوحدة الى المؤسسات من اجل تلافى التمديد المفتوح للعملية الاولى بل والاستعداد الجدى لما بعدها لجهة بلورة الخيارات الوطنية البديلة واذا لم يحدث ذلك فسوف تتواصل العمليتان فى مدى زمنى مفتوح ويتابد الانفصال الفلسطينى بينما تفرض اسرائيل الحقائق والوقائع على الارض وصولا الى تصفية نهائية للمشروع الوطنى الفلسطينى .

-مدير مركز شرق المتوسط للإعلام