خبر يوم الشهادة والمقاومة // علي عقلة عرسان

الساعة 05:33 م|12 نوفمبر 2010

يوم الشهادة والمقاومة // علي عقلة عرسان

في الذكرى السنوية ليوم شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان، يوم المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني للبنان ومن أجل القدس وفلسطين، يتحدث السيد حسن نصر الله عن المقاومة والشهادة وإحدى الحسنيين "النصر أو الشهادة"، ويتوقف ملياً عند المؤامرات والتواطؤ الغربي ضدها، بتحالف مع بعض العرب أحياناً، ولمصلحة " إسرائيل" وحلفائها في المنطقة في كل الأحيان.. وفي الذكرى السنوية السادسة للشهيد ياسر عرفات، المتزامنة مع يوم المقاومة الإسلامية ذاك في لبنان، يتحدث الرئيس محمود عباس، ابن فلسطين المحتلة، والشعب المشرد في بقاع الأرض من جراء اغتصاب الصهاينة لوطنه فلسطين، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي والتهويد والاستيطان والاضطهاد والممارسات الصهيونية التي فاقت الممارسات النازية، في فلسطين المحتلة كلها، فيقول، في مهرجان أقيم في رام الله يوم 12 تشرين الثاني/ أكتوبر 2010 بالمناسبة:" ماذا يعنون بدول مقاومة ودول ممانعة؟ أين هي؟.. إن وصف دول عربية بالدول الممانعة والمقاومة، ليس أكثر من «أكذوبة». وبلاش، " لا ضرورة"، الحديث عن المقاومة والممانعة.. هذه مجرد شعارات تنفع للاستهلاك والفضائيات."!؟ هذا كلام رئيس فلسطيني يعتمد التفاوض مع العدو المحتل، بوصفه المدخل الأفضل وربما الأوحد للحل، من دون قوة أو سند من مقاومة  فلسطينية تسند ظهر المفاوض، ويدعو إلى استمرار التنسيق الأمني مع المحتل الصهيوني على الرغم من نقض الصهيوني المعلن لكل اتفاق مع الفلسطيني لا يخدم عدوانه واحتلال ومشاريعه المستقبلية، ذلك التنسيق الذي أعدَّ له وأشرف عليه الجنرال الأميركي كيت دايتون، في إطار خطة مبتداها ومآلها خدمة أمن إسرائيل، وتكريس الاحتلال، وإنجاز التهويد والاستيطان، وملاحقة دموية للمقاومة الفلسطينية ولكل من يطالب بحق العودة والوطن المستقل من أبناء فلسطين.. وهي خطة لم ينتفع منها إلا العدو، حتى في إطار التصفيات الانتقامية بين فصائل فلسطينية.!؟

ومن عجب أن نجد مفارقة " مضكية" بهذا الحجم، بين موقف الرئيس الفلسطيني من المقاومة والممانعة، "على عجرهما وبجرهما!؟"، وموقف السيد حسن نصر الله منهما، في الوقت الذي يغلق فيه نتنياهو كل أبواب التفاوض حول ما تبقى من أرض الضفة الغربية، ولا نقول فلسطين والقدس وحق العودة.. فتلك أُدخلت في ضبابيات التفكير والتدبير إلى ما شاء الله.. ويقود المفاوض الفلسطيني الظامئ إلى عمق الصحراء وسراب لا حدود ولا نهاية له.

ربما كنا سنقول إن الرئيس الفلسطيني على حق، ونلتمس له الأعذار، ونسانده في مواقفه وأحكامه وتساؤلاته حول دور مقاومة دول عربية وممانعتها، من حيث حضور هذا الدور وقوته وتأثيره المباشر في الأحداث، ونتائجه على الأرض.. لو أنه كان هو الذي يقاوم ويرى المقاومة طريقاً للتحرير، ويدعو إليها، ويريد من يسنده في توجهه الوطني ذاك ومقاومته المشروعة ضد العدو الذي يحتل وطنه ويضطهد شعبه، وينتهك حقوق ذلك الشعب وهويته ومقدساته.. ولكن عندما يكون هو مهندس أوسلو الخراب واليباب، ومَن اختار في ظل قيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومقاومته المباشرة وغير المباشرة للعدو الصهيوني، قبل أوسلو بسنوات وسنوات، أن يشكك بجدوى المقاومة الفلسطينية ويقاوم العسكرة الفلسطينية بكل أشكالها، ويختار خيارات مضادة لذلك التوجه برمته، ويعتمد خيارات تفاوضية ـ تنازلية، أفضت إلى كوارث إثر كوارث لحقت بالشعب الفلسطيني وقضيته، وأضرت بروح النضال الفلسطيني والوجدان القومي العربي كله.. فإنه لا يجوز له أن يتساءل عن دور المقاومة التي يرفضها نهجاً ويطعنها في الظهر، ولا عن دول الممانعة التي ترفض التنازل للكيان الصهيوني عن الأرض والحق، والخضوع لشروطه وابتزازه، والتغاضي عن عبثه المنهجي بالقرارات والمؤسسات والقوانين الدولية، وإزرائه بالاتفاقيات والمفاوضات والجهود التي تُبذل لإيجاد حلول لما يُسمى "قضية الشرق الأوسط"، القضية المزمنة بكل المعاني والمقاييس، والمرجحة فيها كفة العدون والبهتان والتزييف بكل صلافة واستهتار ووضوح.. وأن لا يسخر من موقف على الأقل بوجه الكيان الصهيوني المتخَم بالدعم الأميركي المطلق لاحتلاله وعدوانه واستيطانه وتهويده للقدس وفلسطين كلها، وابتزازه وعبثه بالسلام والمقدسات والأرواح وحياة الناس وأمنهم، في هذه المنطقة من العالم.. وهو الكيان العنصري المزود بكل الأدوات والأسلحة والمعدات ذات القدرة التدميرية الفائقة التي لا تضاهيها قوة في المنطقة، إضافة إلى كل ما يملك منها، والمكرس غربياً فوق المساءلة والقانون، والمموَّل باستمرار وبدرجة كبيرة من الولايات المتحدة الأميركية، عدو الفلسطينيين والعرب والمسلمين، التي ثبتَت عداوتها العميقة بالوقائع والممارسات والمواقف، خلال عقود وعهود زخرت بالمؤامرات والسعي لتشويه صورة الإسلام وقضايا العرب والمسلمين ورموزهم وصورتهم أمام الرأي العالم العالمي، وكثر فيها الحصار والعدوان وتدمير قوى ودول عربية وإسلامية، على رأسها العراق وأفغانستان، وملاحقة المقاومة والممانعة في فلسطين خاصة، والفتك بكل من يقول لا لـ" إسرائيل" وللهيمنة الأميركية ـ الاستعمارية الشاملة في الوطن العربي.

إن يوم الشهداء يوم للأمة والوطن، يوم لتعزيز الروح المعنوية والإرادة القومية، ويوم الشهيد عرفات على الخصوص يستحق كلاماً مغايراً لما سمعناه في تلك المناسبة، لا سيما من رام الله.. الموقع الأخير الذي حُوصر فيه من قوى الاحتلال الصهيوني، وقاوم فيه، وأطلق عبارته المشهورة فيه: ".. شهيداً.. شهيداً.. شهيداً..".. إنه يوم يستحق كلاماً يجمع الشعب الفلسطيني على قلب واحد وفي صف موحد، بلسان رئيس يتكلم باسم الشعب، ويتطلع إلى كسب ثقته وثقة فصائله ذات التاريخ النضالي المجيد والمقاومة الباسلة والشهداء الذين يضيء دمهم سماء فلسطين، ويهدي الشعب إلى طرق التحرير والنصر والكرامة.. إن يوم ذكرى استشهاد الرئيس عرفات، ويوم المقاومة الإسلامية في لبنان، يستحق كل منهما كلاماً يجمع ولا يفرق، يقوي العزم والإرادة ولا يفتتهما، يعزز الروح الوطنية والقومية ويشد الناس إلى النضال والصمود والثبات على المبادئ والمواقف، والتمسك بالحقوق، ولا ينتهك الصلات والعلاقات والقيم والمقاومة التي هي روح الشعب ومناط الإرادة ومرتَكز الأمل.. إنه يوم الذين ضحوا بأرواحهم من أجل التحرير والنصر وعزة الأمة العربية كلها، وهو يوم يحتاج من القادة الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً، وفي هذه الظروف بالذات، إلى التحلي بروح عليا من المسؤولية، وإلى خطاب وطني ـ قومي ذي أفق مستقبلي واسع، يجعل الخيط الواهي الذي يربط دولاً عربية بقضية فلسطين حبلاً متيناً يشدها إليها ويستعصي على القطع، ويلزمها بالمسؤولية عن القضية وما نتج عنها، بوصفها قضية الأمة كلها وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده.. إن يوم ذكرى الشهيد ياسر عرفات المتزامن مع ذكرى شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان، التي هزمت العدو الصهيوني في أكثر من موقع، وغيرت معادلات المواجهة، بدعم من دول عربية وإسلامية تقف خلف المقاومة ومشروعيتها، وتأخذ بالممانعة في هذه الظروف والأوقات لتي يسيطر فيها الشر الأميركي ـ الصهيوني.. يستحق أن يكون يوم الشهادة والمقاومة، يوم الممانعة والصمود والأمل بالنصر، يوم جمع القلوب ورص الصفوف.. وليس يوماً للنيل من دول المقاومة والممانعة، أياً كانت الادعاءات والظروف والأسباب التي تسوغ مثل هذا الخطاب.. ويستحق أن يكون يوم التأكيد على السير في طريق شهداء ومناضلين على طريقهم، وضعوا دمهم في أكفهم، ويقاتلون من أجل الحرية والتحرير والكرامة.

لا شك عندي في أن الوضع الرسمي العربي العام، في الوقت العربي الراهن على الأقل، لا يقدم دعماً في الحدود الدنيا للمقاوم الفلسطيني مثل ما يقدمه للمفاوض الفلسطيني، وقراءة قرارات الجامعة العربية والقمم العربية المتعلقة بهذا الشأن، خير ما يعبر عن ذلك ويدل عليه بوضوح.. وهي حالة ليست صحية بكل المقاييس وأن هزال الصف الرسمي العربي وتنافره يضعف كلاً من المقاوم والمفاوض.. ولكن من المؤكد لكل الناس في كل البلدان والأزمان، أن المقاوم يحرر ويقدم دعماً لا يستغني عن المفاوض في كل المواجهات التي خاضتها الشعوب، وأفضت بصورة أو بأخرى، وأفضت بدرجة أو بأخرى أيضاً، إلى التحرير والنصر والاستقلال والحرية.. فالخطاب المضمَّخ برائحة الدم والتراب وعطر الشهادة، يحمل من الحرارة والقوة والعزم والأمل والإقناع، ما لا يمكن أن يحمله كلام لا يُعنى بذلك الرصيد أو لا يَعني له ذلك الرصيد شيئاً