خبر فيشر، الدولار والحرب القادمة.. هآرتس

الساعة 12:14 م|12 نوفمبر 2010

بقلم: الوف بن

(المضمون: محافظ بنك اسرائيل يشتري الدولارات منذ سنتين لغرض معلن هو تعويم الشيكل وتشجيع التصدير ولكن يمكن لهذا ان تكون له اسباب جغرافية سياسية تتعلق بالحرب القادمة مع ايران - المصدر).

مرة كل عدة أسابيع يتصل بي أحد ما من شركة استثمارات دولية، أو من شركة لتقدير المخاطر ويسأل إذا ما ومتى ستهاجم اسرائيل المنشآت النووية في ايران. "إفهم"، قالت لي مستشارة ما، "من أجل أعمالي التجارية هذه مسألة حرجة. عليهم ان يقرروا اذا كانوا سيكونون طوالا أم قِصارا في النفط". عملية اسرائيلية ستدفع الى الاعلى أسعار الطاقة في العالم، والمستثمرون يريدون أن يستعدوا مسبقا بالوضعية السليمة. مستثمر آخر يشغل باله وضع شهادات الدين الاسرائيلية التي سجلت أسعارها ارتفاعات جميلة في السنوات الاخيرة، ويريد أن يحمي نفسه من هبوط الاسعار اذا ما نشبت حرب.

محافظ بنك اسرائيل، ستانلي فيشر، يستعد لحرب محتملة بجمع كميات هائلة من الدولارات. أرصدة العملة الصعبة لاسرائيل بلغت في الشهر الماضي رقما قياسيا هو 67 مليار دولار، وهي تزداد باستمرار منذ سنتين، منذ أن بدأ فيشر يشتري الدولارات في السوق الحرة. هذه السياسة تعرض كخلق لتعويم مقصود للشيكل، لاجل دعم تصدير الاسرائيليين. ولكن حسب مسؤول كبير في المنظومة الاقتصادية، فانه "توجد ايضا اعتبارات جغرافية – سياسية غير قائمة في دول اخرى". الدول تتزود بـ "بطانة أمان" من العملة الصعبة، كي تضمن قدرتها على أن تسدد الديون وتمول الاستيراد حتى في يوم بارد. "عندنا، بسبب الوضع الجغرافي – السياسي هناك قدر أكبر بقليل مما كتب في الكتب الاقتصادية"، يشرح المسؤول.

زيارة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو هذا الاسبوع الى الولايات المتحدة يجب أن تزيد عصبية المستثمرين ومستشاريهم. فبعد فترة صمت طويلة، اعاد نتنياهو التصدي لايران الى العناوين الرئيسة السياسية. فقد دعا الادارة الامريكية الى أن تطرح "تهديدا عسكريا مصداقا" على الايرانيين، وقال ان العقوبات وحدها لن تدفع حكام طهران الى الكف عن برنامجهم النووي المهدد.

وزير الدفاع الامريكي، روبرت غيتس، سارع الى الاختلاف مع رئيس الوزراء وأعلن بان العقوبات ناجعة. ولكن الرسالة التقطت. نتنياهو يحاول التأثير على جدول اعمال الرئيس براك اوباما، الذي يبحث عما ينشغل به في السنتين القادمتين، بعد الهزيمة في الانتخابات للكونغرس. نتنياهو يريد "ايران اولا"، واوباما يصر على "المستوطنات اولا". الرد الفاتر من جانب اوباما على الانباء حول بناء الاف الشقق الجديدة في هار حوما وفي احياء اخرى خلف الخط الاخضر يبين أنه يجس النبض لصفقة مع نتنياهو. التوقعات والامال لدى اليسار، في أن يوقع اوباما بلطة على رأس نتنياهو غداة انتخابات منتصف الولاية، لم تتحقق في هذه الاثناء.

نتنياهو يريد أن يقترح على اوباما صيغة لاتفاق اسرائيلي – فلسطيني يمكن تحقيقه في غضون سنة. بالمقابل لديه عدة طلبات: رزمة أمنية كبيرة تحصل عليها اسرائيل من أمريكا؛ مشاركة دول عربية اخرى في تسوية اقليمية واسعة، توقع بالتوازي مع اتفاق اسرائيلي – فلسطيني وطلب أمريكي من الفلسطينيين بالعودة الى المحادثات والا يتوجهوا الى مجلس الامن. وهو يعرف أنه قبل البحث في هذه المطالب، يتعين عليه أن يعطي اوباما تجميدا اضافيا في المستوطنات.

الانشغال بهار حوما صرف الانتباه عن دعوة نتنياهو العلنية لتصعيد المواجهة مع ايران. صحيح، لم يدعُ الامريكيين الى تحميل القنابل على الطائرات المتملصة وتدمير المفاعل في نتناز. نتنياهو يعرف أنهم لا يعملون هكذا، وان امريكا لا تشن الحرب الا في أعقاب استفزاز من الطرف الاخر. وعليه فقد اكتفى باقتراح طرح "تهديد عسكري مصداق". الدليل، يقول نتنياهو، في 2003 خاف الايرانيون من استعراض القوة الامريكية لدى احتلال العراق واجروا توقفا في البرنامج النووي.

نتنياهو يرى في خياله بثا معادا لازمة الصواريخ في كوبا في 1962: أمريكا تفرض حصارا بحريا على ايران، والخانق الاقتصادي يؤدي بعلي خمينئي، محمود احمدي نجاد ورفاقهما الى الاستسلام والتخلي عن النووي. الرئيس الراحل جون كندي حظي بالمجد على الشجاعة والتحكم اللذين اظهرهما في أزمة كوبا والتي كان فيها العالم أقرب من أي وقت مضى من كارثة نووية، حين نصب السوفييت صواريخ ارض – ارض في جزيرة فيدل كاسترو، على مسافة صاروخية قصيرة من ميامي، واشنطن ونيويورك.

كندي أصر، فتراجع الروس واخذوا معهم الصواريخ من كوبا (بعد أن وعدت امريكا صمتا باخراج صواريخها من تركيا). اذا نجح اوباما في تكرار المناورة، ونزع النووي من ايران دون أن يطلق رصاصة واحده فانه سيبرر منحه جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها وسيحظى بمكان شرف في التاريخ.

هذا السيناريو مناسب لفيلم آكشن هوليوودي. اما في الواقع، فنتنياهو لا يعول على الامريكيين في ان يعملوا بجدية ضد ايران. لو اعتقد حقا بان اوباما سيوقف القنبلة، لما كان يوعظه علنا بما ينبغي أن يفعل. نتنياهو يقدر على ما يبدو بان الامريكيين سلموا بالنووي الايراني وسيحاولون "احتوائه" بالوسائل السياسية وبالردع، ولكنهم لن يعملوا ضده بالقوة. وهو منشغل البال مما سمعه عن المحادثات المتجددة بين القوى العظمى وايران، والتي تنازل فيها الامريكيون عن مطلب الوقف التام لتخصيب اليورانيوم في ايران. ولكن توبيخاته العلنية تبدو كمحاولة اسرائيلية "لهز الذيل" وجر الامريكيين الى حرب لا يريدونها.

ماذا سيفعل نتنياهو؟ هل سيشن حربا وقائية ضد ايران؟ المخاطر كبيرة: التسليم بنووي ايراني سيضع اسرائيل تحت سحابة مخيفة. قصف المنشآت الايرانية من الجو، او عملية قوة اخرى تتماثل مع اسرائيل، من شأنها أن تجسد تحذير رئيس شعبة الاستخبارات المنصرف عاموس يدلين، عن كثرة المصابين في الحرب القادمة.

اذا ما ضُربت تل أبيب بالصواريخ والمقذوفات الصاروخية، وكفت شركات الطيران عن الهبوط في مطار بن غوريون، فان اسرائيل ستتلقى ضربة اقتصادية ايضا. الانجازات المثيرة للانطباع للسنة الاخيرة – النمو العالي بالنسبة للاقتصاد الغربي، المكان 15 في جدول التنمية البشرية في الامم المتحدة، تل أبيب في المكان الثالث في قائمة مرشد "لونلي بلانت" – ستتبخر دفعة واحدة. اسرائيل لم تنتعش حتى اليوم من الضربة الاقتصادية التي وجهتها اليها حرب يوم الغفران. فهل ستخاطر مرة اخرى؟

الجواب سلبي، برأي المستثمرين الذين لا يتأثرون ومن ناحيتهم لا يوجد اليوم أي خطر في اسرائيل. مردودات شهادات الدين المربوطة للحكومة وصلت هذا الاسبوع الى صفر. وهذا يعني أن المستثمرين واثقون تماما بانها ستفي بديونها. كما أن الارتفاع المجنون في أسعار الشقق يدل على التفاؤل: لو ان الاسرائيليين كانوا يخافون من ان تكون الكارثة الثانية على الابواب، لكانوا باعوا العقارات وتزودوا بالاموال نقدا. ولكنهم يقدرون بانه لن تندلع قريبا حرب مع ايران، او ان الحرب ستكون قصيرة وتنتهي بانتصار اسرائيلي (او امريكي).

المؤرخ البريطاني نيال فرغوسون فحص في كتابه "الحرب العالمية" اذا كانت الاسواق المالية توقعت الحرب العالمية، ووجد أن الحرب العالمية الاولى فاجأت حتى المستثمرين المجربين مثل عائلة روتشيلد. على مدى الازمة التي تلت اغتيال ولي العهد النمساوي فرانتس فردينند، بقيت الاسواق هادئة وآمن الروتشيلديون بان الخطر سينقضي. وفقط في نهاية تموز 2014 قبل أيام من اندلاع النيران، انهارت اسعار شهادات الدين للحكومات الاوروبية.

ولكن في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، السوق لم تخطىء. فبعد صعود هتلر، توقع المستثمرون في لندن مواجهة مع المانيا النازية وراهنوا على اسهم الصناعة الامنية. عندما سيطرت المانيا على تشيكوسلوفاكيا في بداية 1939، اسعار شهادات الدين الالمانية التي كانت موضع التداول في لندن انهارت. شهادات دين حكومة هتلر تم تداولها على مدى كل الحرب في بورصات حيادية، في سويسرا مثلا، وعكست التغيرات في الاسعار الوضع على الجبهات.

من تحليل فرغوسون، يتبين استنتاجان: الاسواق المالية ليست بالضرورة متنبئا جيدا اذا كانت ستندلع حرب أم لا، والحكومات التي تنطلق الى القتال تتجاهل الاعتبار الاقتصادي وتركز على مسائل القوة والكبرياء الوطني. السؤال الذي يسأله الزعماء لانفسهم في لحظة الحسم ليس "هل البورصة سترتفع أم ستنخفض وماذا سيحصل لاسعار الشقق"، بل "هل الدولة يمكنها أن تسمح لنفسها الا تقاتل وان تظهر كضعيفة".

هذا سيكون، بالاحرى، هو ايضا الاعتبار الذي سيوجه نتنياهو في قراره اذا كان سيهاجم ايران. ولكن تركيبة القيادة الاسرائيلية تعطي المستثمرين اشارة مميزة لتقدير المخاطر. اذا باع وزير الدفاع ايهود باراك شقته في ابراج اكيروف، على مسافة مئات الامتار من الهدف رقم واحد في اسرائيل – وزارة الدفاع – ستكون هذه علامة بان شيئا ما يطبخ. الشقة توجد منذ سنتين في السوق، في هذه الاثناء دون مشترٍ.