خبر إخلاء وبناء وتنديد .. يديعوت

الساعة 12:12 م|12 نوفمبر 2010

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: وثيقة صدرت عن معهد القدس لبحوث اسرائيل تتحدث عن المشكلة التي أثارها اجلاء عائلات عربية عن حي الشيخ جراح وسبل مواجهة ذلك - المصدر).

في يوم الثلاثاء بعد الظهر داعبت شمس ليّنة بيوت حي الشيخ جراح في القدس. توجد ايام كهذه في الخريف المقدسي. في جاكرتا في اندونيسيا، هاجم الرئيس اوباما خطة البناء الجديدة لحي جبل أبو غنيم، في الطرف الجنوبي الشرقي من المدينة. ورد ديوان رئيس الحكومة من نيويورك بتصريح وطني. نُشر التصريح بالعبرية لكن لوحظ عليه انه صيغ اولا بالانجليزية. قال التصريح "القدس ليست مستوطنة – القدس عاصمة اسرائيل. لم تقيد اسرائيل نفسها قط بأي قيود على البناء في القدس. الاختلافات في الرأي في شأن القدس مع الولايات المتحدة معروفة. انها ليست جديدة فهي مستمرة منذ اربعين سنة."

قال التصريح الحقيقة لكن ليست الحقيقة كلها. مر بناء أكثر الأحياء اليهودية الكبيرة في شرقي القدس في واشنطن في هدوء أو بتعبير ضعيف عن أسف من واحد من مُتحدثي وزارة الخارجية. أما السنة الأخيرة فمختلفة. فالتنديد لا يأتي من المتحدثين فقط بل من الرئيس ووزيرة الخارجية مباشرة. وهي لا تتعلق فقط بأحياء متطرفة مختلف فيها بل بأحياء سلّم الفلسطينيون منذ زمن لوجودها. أصبحت النتيجة صعبة. نتنياهو مضطر في واقع الامر الى تجميد خطط البناء في القدس مدة أشهر. فقد أصبحت كل مباحثة في اللجنة البلدية للتخطيط والبناء ازمة دولية.

توجد عدة اسباب لازدياد المواجهة حدّة مع الادارة. والأكثر إخجالا والأكثر فضولا والأكثر إضرارا بالمصلحة الاسرائيلية هو إجلاء عرب بالقوة عن حي الشيخ جراح.

أتم معهد القدس لبحوث اسرائيل هذا الاسبوع بحثا مفصلا عن قضية الشيخ جراح. إن الوثيقة، وهي ثمرة عمل باحثي المعهد اسحق رايتر وليئور لهريس، لا تكتفي بوصف الظروف التي ورطت اسرائيل. بل تقترح حلولا – سياسية وادارية وقانونية. أُرسلت نسخ من الوثيقة أول أمس الى رئيس الحكومة، والى رئيس الكنيست، والى الوزراء الكبار، والى المستشار القانوني للحكومة والى رئيس بلدية القدس. ويُنشر مضمونها هنا لاول مرة.

في نهاية القرن التاسع عشر بدأ اليهود والعرب يبنون أحياء خارج أسوار المدينة القديمة. فبنت العائلات الفلسطينية الثرية داراتها على تلال الشيخ جراح. وبنت عائلة الحسيني على اختلاف فروعها البيوت الأشد إدهاشا. وقامت بين هذه البيوت الفخمة بين جملة ما قام، فندق الامريكان كولوني، وبيت الشرق وفندق شبردز. وبنت عائلة النشاشيبي بيوتها في الجوار. وبينها، على طول منحدر وادي قدرون، انشأ اليهود الفقراء حيا لهم. ماسّ الحي قبرا نُسب الى الصدّيق شمعون، وهو كاهن كبير من عصر الهيكل الثاني. أكثر اليهود المتدينون من أبناء الطوائف الشرقية زيارة القبر. وأُنشيء حي فقر يهودي آخر الى الغرب من هناك قليلا، عن الجانب الثاني لشارع القدس – نابلس.

في 1948 سيطر الفيلق العربي على الشيخ جراح. وأُجلي سكان الأحياء اليهودية. حصلوا على سكن بديل في أحياء عربية سابقا في غربي المدينة. وأُسكنت البيوت اليهودية التي بقيت في الشيخ جراح 28 عائلة من الفلسطينيين أُجليت عن اماكن احتلتها اسرائيل. كان هذا الترتيب عدلا في الظاهر. ونجح حتى 1967.

قانون الفصل العنصري

أحدث احتلال شرقي القدس طبقتين: العرب الذين فقدوا بيوتهم في غربي المدينة في 1948 لم يُسمح لهم بالمطالبة بأملاكهم من جديد. واستطاعوا في الأكثر طلب تعويض عن القيمة الاسمية لأملاكهم. في مقابلة ذلك، استطاع اليهود الذين فقدوا بيوتهم في الشرق استرداد أملاكهم. حصلوا عليها حتى لو كانوا حصلوا قبل ذلك على سكن آخر. يرى القانون أن حارس أملاك الغائبين يجب أن يُخلي لهم عن أملاكهم. ويسلبه القانون التقدير.

اتخذت الكنيست قانون الفصل العنصري هذا في فترة النشوة بين حرب الايام الستة ويوم الغفران. وتبنته المحكمة العليا بلا تحفظ. يُبيّن هذا التعاون لماذا لم تجرؤ المحاكم على كبح سلب العرب أملاكهم في حي الشيخ جراح.

حصلت لجنة الطائفة السفارادية ولجنة كنيست اسرائيل على ملكية المنطقة في الشيخ جراح. وطلبوا الى السكان العرب رسوم ايجار. فرفض السكان الدفع. وطلبتهم اللجنتان للمحاكمة وفازتا. في خلال ذلك باعتا ملكية المنطقة احدى روابط اليمين. طلبت الرابطة الى المحكمة الأمر باجلاء العرب. وقع في تشرين الثاني 2008 أول إجلاء، وفي آب 2009 الاجلاء الثاني. وقد عُلقت في مواجهة عائلات اخرى أوامر هدم وإجلاء.

        تعدّ وثيقة معهد القدس خمسة أضرار استراتيجية مصدرها قضية الشيخ جراح:

·        انشاء سابقة لدعاوى اعادة أملاك فلسطينيين داخل دولة اسرائيل.

·        تقييد يدي الحكومة في التفاوض. هذا هو الهدف الصريح لروابط اليمين. فهي تريد "احباط تقسيم القدس".

·        سلب اسرائيل شرعيتها في الساحة الدولية. فلا يوجد عمل استيطان في القدس حظي باستعراض صحفي واسع الى هذا الحد ومشحون الى هذا الحد. زعم نتنياهو في رده على التنديدات، أن القدس مدينة حرة. فكما يستطيع يهودي شراء عقار في شرقي المدينة، يستطيع عربي شراء عقار في الغرب. لم يكن هذا الزعم دقيقا: فالعربي الاسرائيلي يستطيع شراء شقة في الغرب، لكن عربيا من شرقي القدس يُعد من الرعايا الاجانب، واحتمال أن يشتري ملكا غير كبير.

·        الاضرار بالاستيطان الاسرائيلي في القدس. والوثيقة تقتبس في هذا الشأن كلاما قاله شمعون بيرس: "سنربح عدة بيوت في الشيخ جراح ونخسر آلاف البيوت في أنحاء القدس".

·        زيادة مركز توتر في المدينة. فمنذ سنة بالضبط تجري في كل يوم جمعة بعد الظهر مظاهرة كبيرة لليسار تلقاء الحي. يشارك في المظاهرة يهود وعرب. بلغ عدد المشاركين في احدى المظاهرات اربعة آلاف. وفي مظاهرة اخرى شارك رئيس الولايات المتحدة السابق، جيمي كارتر.

توصي الوثيقة الحكومة أن تفحص عن سبل العمل الآتية:

·        أن تصادر الأملاك اليهودية من اجل احتياجات الجمهور وأن تدفع تعويضات الى أصحابها. أُثير اقتراح مشابه في رأي استشاري كتبه في سنة 1999 نائب المستشار القانوني آنذاك، ميني مزوز. كتب مزوز: "لا ينبغي أن نقبل أن تكون الحكومة مخولة بمصادرة ارض لحاجات ثقافية أو لحماية البيئة لكنها غير مخولة أن تصادر ارضا لاعتبارات سياسية". كتب المستشار القانوني السابق، ميخائيل بن – يئير رأيا استشاريا يقترح الأخذ بكلام مزوز. نشأ بن يئير في الحي. وعندما أُجليت عائلته حصلت على سكن بديل. وقد تخلى عن الملك في الشيخ جراح.

·        تستطيع الحكومة ان تأمر شرطة اسرائيل بمنع سكن بيت اذا وُجدت خشية المس بسلامة الجمهور. هكذا سلك نتنياهو في ولايته الاولى عندما دخلت مجموعة من المستوطنين بيوت فلسطينيين في رأس العامود.

·        سن تعديل لقانون ترتيبات القضاء والادارة، بحيث يُعطى حارس أملاك الغائبين تقديرا واسعا في اطلاق الأملاك اليهودية.

·        تستطيع الحكومة والبلدية أن توقفا اجراءات التخطيط والبناء لليهود في أحياء عربية.

·        وقف الدعم الحكومي لروابط المستوطنين.

حرب جِداريات

حظي الصدّيق شمعون بمجد العالم بسبب جملة أسهم بها في سفر الآباء: يقف العالم على ثلاثة اشياء – على التوراة، وعلى العمل وعلى التفضل. إن الحريديين الذين يزورون قبره يقيمون في الأكثر فرضين فقط من هذه الفروض الحسنة. أما الثالث فمحبوس عنهم لانه الآن، في منتصف يوم العمل، يملأون قبر الصدّيق شمعون بصراخ مرير موجه الى خالق العالم.

في الجانب الثاني من المنطقة، في شارع عثمان بن عفان، تجلس اربع عجائز فلسطينيات على مقاعد بلاستيكية بيضاء تحت شجرة التين. يتمتعن بلطافة الشمس. يقوم تلقاءهن أحد البيوت التي أُخليت وسُكنت من جديد. عُلق في مقدمته لافتة مزينة بأعلام اسرائيل: "وعاد الأبناء الى ديارهم".

تأتي جماعة زوار. في المقدمة، في حلّة اعمال قاتمة، يخطو شاب يعرض نفسه بأنه رجل من م.ت.ف. ويخطو وراءه فريق الـ "بي.بي.سي". يكررن للمرة الألف قصة إجلائهن. ويكرر هو للمرة الألف الترجمة.

يجري على جدران بيت عائلة الكرد، البيت الذي أُخلي وأُِغلق، حرب جداريات. فقد كتب المستوطنون "ن – نح – نحمن". وأضاف أعداؤهم "ابن زانية". كتب المستوطنون "شعب اسرائيل". وكتب أعداؤهم "أيها المستوطنون أُخرجوا".

"سرقوا بيتنا"، قالت رندة الكرد، التي وُلدت وترعرعت وولَدت أبناءها في هذا البيت. كان والداها في الحرب في حيفا، بعد ذلك هربوا الى الاردن وعادوا بعد ذلك. في 1956 حصلوا على البيت من وكالة الغوث ومن حارس أملاك الغائبين الاردني. وفي 1999 بنوا في الساحة بيتا آخر، من اجل أخيها وعائلته. وتم اجلاءهم قبل سنتين.

"هذه ارض فلسطينية"، تقول. "أحلامنا متعلقة هنا".

واليهود، اسأل – ألا مكان لهم؟.

"لا لليهود"، تقول.

ولا حتى في تل ابيب؟ اسأل.

"لا تل ابيب"، تُصححني. "تل الربيع". تبرق عيناها. يصعب الامر معها حتى والمظلمة ثقيلة. أو ولا سيما والمظلمة ثقيلة.

كيف العلاقات بالمستوطنين، اسأل.

تُصححني مرة اخرى. "ليسوا مستوطنين، انهم لصوص".

اسألها هل يساعدكم أناس السلطة وأناس فتح.

ترفع نظرها الى السماء. "الله يساعدنا. لا أصدق أي أحد سوى الله. كل واحد يأتي وينظر ويتكلم ويمضي. لا يساعدنا أحد".

في خلال ذلك يُنهي الزملاء من الـ "بي.بي.سي" حديثهم الى الجيل العجوز. اسأل مندوب م.ت.ف عن اسمه. يبتسم في ود. يقول: "بلا أسماء. أنسيت انه لا يجوز لنا العمل في القدس؟".

قطيعة ذات حدّين

في المركز التجاري أ في اريئيل، بين حانوت بيتزا وحانوت شواء، يوجد محل حلوى هنغاري مختص باعداد "الكيورتش". وهي كعكة أصلها من ترانسلفانيا. يضعون العجين، ويُسوونه بالشوبك، وينثرون السكر والجوز واللوز ويضعونه في نار مفتوحة. تخرج لفافة دبقة، ساخنة، طازجة، مع ثقب كبير في الوسط. عندما يُقدمونها للمائدة، تصبح اللفافة شريحة طويلة حلوة غنية، يلتهمونها ويلتهمونها حتى تنتهي.

من آن لآخر، عندما يعرض لي أن أزور اريئيل، أخطأ بزيارة محل الحلوى الهنغارية وتناول الكيورتش. يصحب كل زيارة شعور بالذنب: فالحلوى وُلدت في ترانسلفانيا البعيدة في الحقيقة، لكن الكعكة تُصنع في مستوطنة تحت الاحتلال.

احيانا أزيد خطيئة على الجريمة وأشتري واحدة للبيت ملفوفة بالسلوفان. ان المسرحيين والمخرجين والممثلين الذين أعلنوا بأنهم سيرفضون المجيء الى قاعة المسرح التي افتتحت هذا الاسبوع في اريئيل مصنوعون من مواد أكثر صلابة. فالقطيعة عندهم قطيعة. فالمسرحي شموئيل هسفري مثلا، هدد بأن يرفع دعوى على المسرح الذي يعرض مسرحياته هناك. وهو يزعم أن العقد الذي وقعه مع المسرح يتحدث عن عروض في دولة اسرائيل، واريئيل ليست جزءا من الدولة. قد تستطيع هذه الكلمات العظيمة أن تؤثر بصفتها حوارا ذاتيا في عرض، لكنها لا تُسهم كثيرا في الأهداف التي يريد هؤلاء الناس احرازها. فهي في الأكثر أداة للتحرر من خيبة الأمل، وأداة لتنقية الضمير.

اذا كان وجود اريئيل يُغضب هؤلاء الفنانين، فلا يجب أن يقطعوا مع زوار المسرح بل مع شمعون بيرس، الذي تبنى في فترة استيطانه عندما عمل وزير الدفاع في حكومة رابين الاولى، النواة التي انشأت هذه المستوطنة عميقا داخل السامرة. لم أسمع أن أحدا منهم يقطع مع رئيسنا. بل العكس: يتشرفون بحضوره في كل احتفال، ويفرطون في مدحه ويأوون الى ظله.

القطيعة على العموم سيف ذو حدين. لهذه الأداة حياة تخصها: فمن أراد أن يقطع مع قاعة واحدة في مستوطنة واحدة فقط قد يتبين له أن قطيعته تدعم شخصا آخر، يريد أن يُقنع فنانين دوليين بالقطيعة مع دولة اسرائيل كلها؛ ومن أراد أن يسلب الاحتلال الشرعية، قد يتبين له انه سلبنا نحن الشرعية.

كانت السنين العشر الاخيرة فصلا حزينا في تاريخ اليسار الاسرائيلي. فقد تذكر الناس وجوده في مسيرات الذكرى، لكنهم لم يذكروا وجوده في صناديق الاقتراع. في كامب ديفيد ضُرب جزء من الرؤيا ضربة قوية. وتبنى نتنياهو جزأه الآخر بتعليلات باطلة.

ماذا يستطيع مُبدعون ذوو شأن مثل دافيد غروسمان أو يهوشع سوفول أو هسفري أن يفعلوا إزاء هذا الوضع المُخزي؟ يستطيعون النضال بواسطة كتابتهم وبواسطة موهبتهم. عندهم أدوات يُحسنون استعمالها. فليستعملوها (أرسل دافيد غروسمان في اثناء ذلك مقالة في هذا الشأن الى صحيفة "ملحق السبت". انظروا الصفحة 11).

انهم أناس حساسون. ومن المؤكد انهم شعروا بأن القطيعة التي أعلنوها قد أثرت في الاجانب خاصة. وفي البلاد انقض عليها فقط ساسة من اليمين: فالقطيعة أعطتهم فرصة ذهبية للحديث باسم الاجماع.