خبر رجلهم في « الشباك » _ هآرتس

الساعة 10:11 ص|11 نوفمبر 2010

رجلهم في "الشباك" _ هآرتس

 

بقلم: يوسي ملمان

في سنة 1958 جاء الى اسرائيل الكولونيل ييجي براين لزيارة طليقته وابنته. كان براين من رجال جهاز الاستخبارات البولندي وعمل في ذلك الوقت في سفارة بلاده في طوكيو. في اثناء زيارته اسرائيل هرب ونُقل الى جهاز المخابرات المركزي الامريكي. سلّم براين الامريكيين كل ما عرف، لكنه بعد سنة تقريبا، في نيسان 1959، قرر أن يهرب مرة اخرى وعاد الى وطنه. حوكم براين في بولندا عن الخيانة وحُكم عليه في 1962 بالموت. بعد ذلك استُبدل بحكمه السجن المؤبد. مات الكولونيل براين في 1978 عندما كان في السجن.

يوثق قصة حياته، على انها جزء من بحث شامل، المؤرخ والباحث الكندي، من أصل بولندي، ليشك غلوخوفسكي. تبين لغلوخوفسكي في اطار بحثه هذا في الأرشيفات في بولندا وثائق كثيرة، يتناول عدد منها قضية تجسس اخرى تمت في اسرائيل.

الحديث عن حالة ليفي (لوتسيان) ليفي، رجل وحدة العمليات في "الشباك". كان ليفي في الحقيقة عميلا مزدوجا، عمل في خدمة جهاز الأمن البولندي الـ (أو.بي). نُشرت قصة ليفي في الماضي على يدي الصحفيين موشيه ليختمان وايتان هابر. لكن الآن، بمساعدة الوثائق التي كشف عنها غلوخوفسكي في الأرشيفات البولندية تبيّنت حقائق جديدة.

على سبيل المثال وُجدت شهادة ليفي نفسه بعد تسريحه من السجن في اسرائيل. وفي تلك الشهادة، على مسمعي ضابط استخبارات بولندي، قصّ ليفي قصة حياته. وُلد باسم لوتسيان ليفي في مدينة رادُم في بولندا في 1922. ومع نشوب الحرب العالمية الثانية هرب مع عائلته الى الاتحاد السوفييتي وجُند للجيش الاحمر، وجُرح وسُرح من الخدمة العسكرية. كان حتى نهاية الحرب مدير مسرح ورئيس فرع الصليب الاحمر. وفي اثناء ذلك أجرى اتصالات غير معروف جوهرها بـ "ان.كي.في.دي" وهو جهاز الامن السوفييتي. وبعد انتهاء الحرب في 1945 عاد الى وطنه وتزوج وطلّق بعد ثلاث سنين.

انضم الى الحركة الشبيبية الصهيونية، "غوردونيا"، في مدينة لودج. وبسبب تجربته العسكرية عُين مسؤولا عن الدفاع عن النفس. وعينته الحركة ايضا ممثلا لها في القيادة الرئيسة لـ "الهاغاناة"، التي عملت سرا في بولندا.

في كانون الاول 1947 ابتزته الاستخبارات البولندية وأرغمته بأن يعمل عميلا نمّاما، تحت الاسم الشيفري الأرمني "أروست ميان". حدث ذلك بعد أن سلّم ليفي تصريحا كاذبا عن ظروف جرحه زمن استعمال السلاح.

كان عمله ان يُبلغ عن النشاط الصهيوني لرفاقه في الحركة. وفي 1948 عندما استعد رفاقه للهجرة الى اسرائيل، عرض ليفي على رؤسائه أن يُمكّنوه من الانضمام، وأن يستمر على الخدمة بكونه عميل استخبارات في اسرائيل ايضا. وافقوا وقرروا له اسما شيفريا هو "صموئيل"، وفرضوا عليه مهمة الانضمام الى جهاز الامن الاسرائيلي.

مع هجرته الى اسرائيل نقل اسمه الى العبرية من لوتسيان الى ليفي، وخدم خدمة قصيرة في الجيش الاسرائيلي، وعمل في شركة بناء، وفي 1950، وبواسطة علاقاته برفاقه سابقا في "الهاغاناة" جُند لـ "الشباك". وهناك انضم الى قدس أقداس المنظمة أي وحدة العمليات. تقول الوثائق انه عُين قائد خلية وكان مسؤولا عن التعقب ولا سيما الدخول في مفوضيات دول غربية. صوّر ليفي في هذه الاختراقات هو ورفاقه وثائق وركبوا عدسات تصوير واجهزة تنصت. وكل ما فعله وسمعه وعرفه ليفي نقله الى رؤسائه البولنديين.

في خلال السنين السبع التي عمل فيها من اجل الاستخبارات البولندية كان له اربعة رؤساء كلهم من عمال المفوضية الدبلوماسية لبولندا في تل ابيب. وقد أجرى اللقاءات معهم في اثناء زيارات لمفوضية بولندا في تل ابيب.

سمح له قادته في "الشباك" أن يزور المفوضية بعد أن أقنعهم بأن عليه أن يحل مشكلات مختلفة لعائلته. كانت سذاجة قادته في "الشباك" كبيرة جدا بحيث سمحوا له دون أن يسألوا اسئلة زائدة، أن يسافر في 1955 الى فرنسا، حيث التقى رئيسا آخر هو الكابتن فالدسلاف ماروز. ورد في احدى الوثائق أن ليفي أبلغ عن عملية اختراق نفذها لغرفة فندق لضيف رفيع المستوى جاء من الولايات المتحدة. ليس اسم الضيف مذكورا.

وفي واقعة اخرى كشف "صموئيل". عن أن أحد عمال المفوضية البلغارية في اسرائيل هو عميل لـ "الشباك". نقلت الاستخبارات البولندية المعلومة الى الاستخبارات البلغارية. يمدح رؤساؤه البولنديون في التقارير انجازات عميلهم في اسرائيل ويؤكدون أنه "نقل معلومات عملياتية عظيمة الأهمية عن: أ- المبنى والقوة البشرية وطرق عمل تجسس اسرائيل المضاد. ب- نجاحات واخفاقات التجسس المضاد على مؤسساتنا. ج- أسماء أناس الاستخبارات في مفوضيات اسرائيل في الدول الاشتراكية".

نقلت الاستخبارات البولندية جميع معلومات ليفي الى اجهزة الاستخبارات في الكتلة الشرقية، ولا سيما الـ "كي.جي.بي". ويؤكد التقرير أنه دُفع لليفي في فترة عمله كلها 6 آلاف ليرة اسرائيلية.

في 1957، في موجة الهجرة من بولندا، جاء الى اسرائيل يهوديان عرفا ليفي من خدمة مشتركة في الـ "أو.بي". سلّمه أحدهما وهو يفيم (جوزيف) غلدنر الى "الشباك". وبأمر من رئيس الموساد إيسر هرئيل ورئيس "الشباك" عاموس منور، تم البدء بتحقيق. روقِب ليفي، لكن "الشباك" لم ينجح في تثبيت الأدلة عليه. وعلى ذلك تقرر إقالته بل مكّنوه من مغادرة اسرائيل الى فرنسا. مكث هناك شهرين لكن رؤساءه في الاستخبارات البولندية أمروه بالعودة الى اسرائيل وأن يطلب الى "الشباك" اعادته للعمل.

عاد ليفي الى اسرائيل وهدد رؤساءه بأنه اذا لم يعد للعمل فسيكشف عن اعمال فساد في "الشباك". رُفض طلبه. جدد ليفي اليائس صلته برؤسائه في المفوضية البولندية برغم أن "الشباك" كان يراقبه. اعتُقل وحُقق معه طويلا على يدي تسفي اهاروني ومنور. عرفه غلدنر في استعراض تعرُّف لكن ليفي رفض برغم ذلك الاعتراف بالشبهات التي نُسبت اليه.

تمت محاكمة ليفي وراء أبواب مغلقة. تنسب الوثائق البولندية ذلك وبحق الى "حرج واستحياء" رؤساء الاستخبارات الاسرائيلية من القضية، لكنها أخطأت عندما قدّرت أن منور اضطر الى الاستقالة بسبب ذلك.

في ذروة المحاكمة هرب الكابتن ماروز الى فرنسا، ونقلت الاستخبارات الفرنسية المعلومة الى اسرائيل. سافر منور الى باريس وتلقى من ماروز تصريحا شهد بأن ليفي كان ضابط استخبارات في جهاز الامن البولندي. وبناء على كل ذلك حكمت عليه المحكمة اللوائية في تل ابيب بالسجن عشر سنين.

بعد قضاء ثلثي مدة العقوبة أُطلق سراح ليفي، وحُمل على سفينة خرجت الى قبرص واستمرت من هناك الى استراليا حيث انضم الى عائلته وتوفي هناك. برغم أن "الشباك" يكشف في السنين الاخيرة عن قضايا من الماضي وينشرها في صفحة "موريشت" في موقعه على الانترنت، فان قضية ليفي (لوتسيان) ليفي لا تُذكر هناك.