خبر العرب وإسرائيل والكونجرس الجديد!.. د. وحيد عبد المجيد

الساعة 08:56 ص|11 نوفمبر 2010

العرب وإسرائيل والكونجرس الجديد!.. د. وحيد عبد المجيد

 

أسفرت نتائج الانتخابات النصفية الأميركية في الأسبوع الماضي عن كونجرس أكثر تأييداً لإسرائيل. فالاختراق الذي حققه اليمين الأميركي في هذه الانتخابات، وأدى إلى سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب، يصب في مصلحة إسرائيل ويتيح لحكومتها حرية حركة أوسع في التعامل مع الرئيس أوباما. لذلك لم تكن مصادفة أن أول ترحيب خارجي بنتائج هذه الانتخابات نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر حكومية عبرت عن ارتياحها لوجود سند قوي للدولة الصهيونية في الكونجرس. وكان أهم ما نُسب إلى هذه المصادر هو أنه في حال وقوع أي خلاف مع أوباما، يمكن لإسرائيل أن تلجأ إلى أصدقائها في الكونجرس للضغط عليه.

 

لذلك لا ينبغي الاستهانة بهذا التطور بدعوى أن اللوبي الصهيوني قادر على توجيه سياسة واشنطن في كل الأحوال. صحيح أن الاتجاه العام في مواقف الكونجرس عموماً، ومجلس النواب الذي تغيرت تركيبته خصوصاً، كان مؤيداً لإسرائيل. غير أن هذا التأييد أصبح أكثر شمولاً وقوة في الكونجرس الجديد. لذلك فالأرجح أن تكون مساندته لإسرائيل، في حالة حدوث خلاف جديد مع إدارة أوباما، أقوى مقارنة بما صدر عن الكونجرس الحالي في الربيع الماضي.

 

فرغم أن 333 عضواً في مجلس النواب حينئذ طالبوا وزيرة الخارجية بتأكيد التحالف مع إسرائيل، كانت لهجة رسالتهم إليها معتدلة إلى حد كبير، إذ حرص النواب الجمهوريون الذين بادروا بها على جذب أكبر عدد ممكن من الديمقراطيين لتوقيعها. ومع ذلك أمتنع 94 نائباً ديمقراطياً عن الانضمام إلى موقعيها.

 

ورغم أنه ليس هناك دليل على علاقة ما بين وجود نواب متوازنة مواقفهم تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والموقف الذي اتخذه أوباما تجاه الاستيطان قبل أن يتراجع عنه، فالأرجح أن تمتع الديمقراطيين بالأغلبية في الكونجرس شجعه على ذلك. ويستند هذا الترجيح الى استطلاعات متواترة في العامين الماضيين أظهرت أن الديمقراطيين باتوا أكثر استعداداً لدعم سياسة أميركية أكثر توازناً في الشرق الأوسط.

 

ومثلاً أظهر استطلاع أجرته مؤسسة زغبي في أبريل 2009 أن 10 في المائة من الذين اختاروا أوباما في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أرادوا منه دعم إسرائيل إلى أقصى مدى، مقابل 60 في المائة من الذين صوَّتوا لماكين.

 

وبعد حوالي عام، أُجري استطلاع آخر حول كيفية تعامل الإدارة الأميركية مع إسرائيل في إطار سعيها إلى عملية سلمية جادة. وأظهرت النتائج أن نحو 73 في المائة من الديمقراطيين لا يمانعون في مراجعة الروابط التاريخية الخاصة مع إسرائيل، في حين أن 24 في المائة فقط من الجمهوريين هم الذين وافقوا على مثل هذا التغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.

 

وظل هذا التباين الملموس واضحاً في استطلاعات أُجريت عشية انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وخصوصاً الاستطلاع الذي ركَّز على ميول الناخبين المحتملين تجاه المرشحين الموالين لإسرائيل.

 

فقد أظهرت نتائجه أن 39 في المائة فقط من الناخبين الديمقراطيين يفضلون المرشح الموالي لإسرائيل، في حين أن 69 في المائة من الجمهوريين عبروا عن تفضيلهم مثل هذا المرشح.

 

وذلك ما رصده بشيء من القلق دانيال بايبس، أحد أهم منَّظري تيار "المحافظين الجدد" والمعروف بتأييده المطلق لإسرائيل، والذي كان من أبرز المحَّرضين على شن الحرب ضد العراق. فقد نشرت "يسرائيل اليوم" مقالة له في 21 أكتوبر الماضي حول ما اعتبره ازدياداً في "الخلافات الإيديولوجية" بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الأعوام الأخيرة. وخلص إلى أن التوافق السابق بين الحزبين على دعم إسرائيل، يتراجع الآن بسبب تبلور "اتجاهات متطرفة في أوساط الديمقراطيين اليوم تتسبب في تآكل الدعم التلقائي لإسرائيل"، وأن تغيرات حدثت في الحزب الديمقراطي جعلت إسرائيل موضوع نقاش وليست مسألة اتفاق. وانتهى بايبس إلى ما يمكن اعتباره أملاً في أن تكون مقالته هذه دليلاً للناخب الأميركي الذي يرغب في مساعدة إسرائيل من خلال الانتخابات النصفية.

 

وهكذا كانت إسرائيل حاضرة في هذه الانتخابات بغض النظر عما إذا كان اللوبي اليهودي قام بدور مباشر في خسارة الديمقراطيين من عدمه. وقد استبعد جون سايرز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، أن يكون هذا اللوبي قام بدور مؤثر في الانتخابات، إذ لم يكن الناخب معنياً بالسياسة الخارجية عامة خلال الاقتراع.

 

لكن هذا التعليق الفوري على نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة يتسم بعمومية زائدة. فاهتمام الناخب الأميركي بالسياسة الخارجية محدود بوجه عام. وهذه قاعدة عامة معروفة. لكن إسرائيل ليست قضية خارجية بالنسبة لعدد غير قليل من الناخبين الأميركيين، خصوصاً أولئك الذين وضع بايبس دليلاً لهم في مقالته المشار إليها أعلاه.

 

كما أن عدم قيام اللوبي اليهودي بدور مؤثر في انتخابات الأسبوع الماضي لا ينفي حضور إسرائيل فيها. فالأكيد أن الإحباط من سياسة أوباما كان العامل الأكثر تأثيراً عليها. وبسبب هذا الإحباط لعب الناخبون المستقلون الذين ساندوا أوباما والديمقراطيين عام 2008، وتحول كثير منهم صوب الجمهوريين في 2010، الدور الرئيسي في تحديد النتائج.

 

لكن هذا كله لا ينفي حضور إسرائيل في الانتخابات واستفادتها منها. ورغم أن حضورها بدا باهتاً لأنه لم يكن مباشراً، فساطعة هي المكاسب التي ستجنيها من جراَّء وجود كونجرس أكثر تأييداً لها على نحو يمنع أوباما من التفكير مجدداً في محاولة إلزامها بتقديم ضمانات لإثبات استعدادها للانخراط في عملية سلام جدية.

 

وهذا ما قد يجوز استنتاجه من رد فعل أوباما الفوري على نتائج الانتخابات، عندما أكد استعداده للتفاهم مع الجمهوريين. وقد بدا في تلك اللحظة وكأنه ينحني أمام الموجة المحافظة المرتفعة والمتشددة في آن معاً. فهو يعرف أنه مضطر للتعاون مع الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب إذا أراد زيادة فرصته في الحصول على ولاية ثانية.

 

وينبغي أن يعرف الفلسطينيون، والعرب، ذلك أيضاً كي لا يستهينوا بالوضع الجديد الذي يلقى ارتياحاً شديداً في إسرائيل. فمن الطبيعي أن يطمئن نتنياهو، وحلفاؤه الأكثر تطرفاً كذلك، حين تتولي نائبة جمهورية مثل إلينا روس ليتسيان رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب. فهي ليست مؤيدة لإسرائيل بشكل مطلق فقط، بل معروفة بمواقفها السلبية تجاه العرب أيضاً. وقد تحفظت على صفقة الأسلحة الأميركية الجديدة إلى السعودية، وطالبت بكشف مزيد من المعلومات حولها. وليس مستبعداً أن تسعى، من موقعها في رئاسة اللجنة المعنية بهذه المسألة، إلى النبش في خلفيات الصفقة وتداعياتها. كما أن وجودها في هذا الموقع وضمن أغلبية جمهورية سيوفر ضمانة تمَّكن إسرائيل من التصرف بحرية أكبر تجاه جهود أوباما السلمية.

 

ألا يكفي هذا كي لا نستهين بنتائج الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة؟