خبر المصالحة الفلسطينية قادمة..د. أحمد يوسف

الساعة 05:58 م|09 نوفمبر 2010

المصالحة الفلسطينية قادمة..د. أحمد يوسف

إن السؤال الذي يدور على ألسنة الناس في الشارع الفلسطيني وداخل الصالونات السياسية والمتديات الفكرية اليوم هو: هل المصالحة قادمة أم هي جولة أخرى من الحكاوي والمناورات التي اعتادت عليها الفصائل الفلسطينية؟

الحقيقة التي لا يمكن أن تخطئها عين المراقب للحالة السياسية والمجتمعية في الضفة الغربية وقطاع غزة هي أن الأوضاع الحياتية بلغت مستويات كارثيّة.. ففي قطاع غزة، تعطلت  - جرّاء سياسة الحصار المفروض - إمكانيات التنمية وتطوير المجتمع بسبب الإجراءات التي اتخذتها سلطة الاحتلال بفرض الطوق على معابر القطاع، وقطع الطريق أمام أية قوافل مساعدات عبر البحر، ناهيك عن التدمير الذي لحق بمطار غزة الدولي وجعل منه أثراً بعد عين.

أما الضفة الغربية فإن شل حركة الناس وتنقلاتهم عبر مئات الحواجز على الطرقات، والمداهمات التي تطال القرى والبلدات الفلسطينية من قبل جيش الاحتلال وعناصره الأمنية، والتعدي على أراضي المواطنين وحرق محاصيلهم الزراعية أو اقتلاع أشجار كرومهم وبياراتهم التي هي مصدر رزقهم، والتي يقوم بها المستوطنون الصهاينة ليل نهار، إضافة للإهانات التي تتعرض لها المستويات السياسية والبرلمانية والشخصيات الوطنية خلال تنقلاتها الداخلية والخارجية.

لا شك أن هذا المشهد المأزوم وطنياً، والمجروح عربياً وإسلامياً، والمهجور عالمياً لا يمكن أن يضع القضية الفلسطينية في المكانة التي تجعلها تتصدر قائمة الاهتمامات الإقليمية والدولية.

إن حالة الإخفاق المتكررة في إنجاز المصالحة أضعفت من حجم الدعم السياسي والتأييد العالمي للقضية الفلسطينية، وربما كان هذا الحراك الأخير نحو المصالحة هو استجابة للنصائح التي كانت تأتينا - كفلسطينيين - مع كل قادم يتحرك لحشد الموقف الدولي من أجل قضيتنا، وهي: "بالله عليكم.. عجّلوا بإنهاء الانقسام، فهذا الانقسام لا يعود على أحدٍ منكما بالنفع، بل هو خسارة كبيرة لكما وللقضية، والمستفيد الوحيد هو عدوكم الذي يتربص بكم الدوائر".

حقيقة أن هذه النصائح والتوجيهات، التي كنا نسمعها من كل حريص على قضيتنا وشعبنا، لم تكن غائبة - في الواقع - عن أحد؛ لا في رام الله ولا في غزة، لكنّ السياسة لها دهاليزها وأوهامها وعنادها الذي يجعل البعض يكابر ويماطل ويبحث عن الذرائع بل وحتى يتمرغ في الوحل ويناطح الصخر، ويبني رهاناته على حسابات متسرعة وتحليلات عاطفية، يدرك - بعد حين - أنها كانت في مجملها خاطئة أو محض سراب.

إننا كفلسطينيين بحاجة للخروج السريع من نفق الأزمة واستعادة وضاءة المشهد الفلسطيني، وإصلاح ما عطب من علاقات فلسطينية - فلسطينية، وبعدها العودة إلى الحضن العربي الإسلامي - بكل ما لنا عليه من عتب وملاحظات - ليكون شريكاً يتحمل معنا كامل المسؤولية في الحفاظ على الحقوق والدفاع عن الثوابت الوطنية الفلسطينية.

إننا كواجهتين سياسيتين؛ واحدة في رام الله والأخرى في غزة، نمرّ بمرحلة حرجة جداً، فإما أن ندفع في اتجاه تحقيق المصالحة، والقفز فوق خلافاتنا السياسية لبناء جهد وطني يقوم على الشراكة السياسية، وتوجيه بوصلة نضالنا إلى صدر عدونا، وإما أن نستمر نراوح في المكان؛ يلعن بعضنا بعضاً، ونقرأ – يوماً بعد يوم - على أرض فلسطين السلام.

إن المهمة الوطنية تفرض علينا جميعاً في الضفة الغربية وقطاع غزة التوقف عن تغذية الوسائل الإعلامية بالمادة التي تعمل على توتير الأجواء وإجهاض مسعى تحقيق المصالحة.. إننا أمام اختبار صعب لاستعادة حيوية القضية الفلسطينية وطهارة مشهدها.

إن شعبنا - كما الشعب العربي وشعوب هذه الأمة المسلمة - بانتظار اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن نهاية الانقسام، والعودة إلى مائدة الحوار لتسوية خلل أوضاعنا الداخلية، بالشكل الذي يبعث الحياة من جديد في المشروع الوطني الفلسطيني، ويعاظم من إمكانيات المقاومة وقدراتها في ردع جيش الاحتلال، وتحسين مساحات الرؤية الإستراتيجية لكيفية مواجهة هذا الكيان الغاصب.

ما الذي تريد فتح من حماس، والعكس؟

تساؤل مشروع أن يقول البعض: علام يختلف الطرفان (فتح وحماس) والحالة الفلسطينية برمتها تحت الاحتلال، أليس في تحقيق المصالحة كسبٌ لكلٍ منهما؟

لاشك أن نقاط الخلاف قائمة، وستبقى فجوتها تعطل جسر وحدتنا بالصورة التي نتمناها ونحلم بها، ولكنَّ الحقيقة هي أن هذا الأمر – من ناحية - هو وضع طبيعي لفصيلين كانت منطلقاتهما الوطنية قادمة من زاويتين متباعدتين، وبين انطلاقتيهما فرق عقدين من الزمان، ثم عركتهما التجربة فحدث شيء من التقارب في جزء من الرؤية السياسية، والجزء الآخر متروك – بالطبع - لما بعد إنجاز الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة.. أما الآن، فإنه ليس هناك ما يمنع من أن نعمل معاً وفق قواسم مشتركة يمكن بسهولة التفاهم حولها والتوافق عليها.

إن الوعي بحقائق التاريخ يضعنا أمام الواقع القائل: "علينا أن نتعلم أن نبني بما لدينا، وألا نطيل انتظار فراغات المجهول".

وقد سئل بعض الأذكياء عن العقل فقال: "معرفةُ ما لم يكن بما كان"، والحكيم هو الذي يتدبر العواقب ولا يطلق لحمأة الجموح العنان.

إن أمامنا أياماً قادمة، يتطلع فيها شعبنا إلى انفراج أفق العلاقة بين فتح وحماس، حتى تصفو سماء الوطن من الكدر، ويسود الوئام والتآخي بين الناس.

الملف الأمني: زوبعة في فنجان

هناك تخوفات أن ينسف الخلاف حول الملف الأمني كل ما لدينا من تفاؤل وأمل.. نعم؛ قد تكون هناك - في البداية – الكثير من الصعوبات للتوصل إلى تفاهمات نهائية حول إدارة الشأن الأمني في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث إن هناك - الآن - حقائق على الأرض مطلوب التعامل معها وليس تجاهلها.. فاليوم تشرف الحكومة في غزة إشرافاً كاملاً على الملف الأمني في القطاع، وهذه الأجهزة الأمنية بالنسبة إليها هي صمام الأمان لعدم عودة القطاع إلى حالة الفلتان الأمني الذي كان قائماً قبل يونيه 2007، وهي كذلك الضمانة لحماس بأن العودة للانتخابات ليست محاولة لإخراجها من السلطة والاستحواذ على الساحة السياسية من جديد، وكذلك للتأكيد بأن هذه الأجهزة الأمنية سوف تبقى رافعة للمقاومة تشد من أزرها وليس طوقاً يحاصرها ويوهن من عزائمها.

في الضفة الغربية، تبدو الأمور أكثر صعوبة وتعقيداً، حيث إن الأجهزة الأمنية تمّ ربطها بالأمريكان والإسرائيليين عبر ما يسمى بالتنسيق الأمني، وهذا معناه أن هذه الأجهزة في هذه المرحلة بالذات لا تملك قرارها، وأن عملية الإصلاح تحتاج – بدون شك - لبعض الوقت، حتى تخلع هذه الأجهزة ما ارتبط في أذهان الناس من سيئات وسوءات "التنسيق الأمني"، وضرورة التخلي عنه، حتى يتم الاطمئنان لإمكانية بناء الشراكة السياسية التي ينادي بها الجميع.

إن المطلوب اليوم لنجاح المصالحة هو فترة سماح قد تمتد عاماً أو عامين يتم التعاطي فيها مع العناوين الأمنية العريضة وليس الدخول في جوهر تفاصيلها واستثارة الشيطان الكامن فيها.. إن الإيغال في التفاصيل يحتاج أولاً إلى بناء الثقة في جدار العلاقة المجروحة بين فتح وحماس، ولكن كلما تقدمنا في هذا المجال يمكن التعمق أكثر في تفاصيل ترتيب هذه الأجهزة على أسس وطنية مهنية.. إن الأمر - بلا شك - يحتاج إلى جهود الخبرة المصرية التي لا لن نختلف عليها في فتح وحماس.. كما أن علينا أن نسلم بأن الترتيبات الأمنية القائمة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة قد تستمر - لما هي عليه - لبعض الوقت، ولكن التنسيق بين هذه الأجهزة الأمنية يحتاج إلى مرجعية عليا مهمتها الأشراف والتنسيق، وأن تكون صلاحياتها وسلطاتها واضحة لدى الطرفين.

وحيث إنه ليس لدينا بصر زرقاء اليمامة، ولا بصيرة "يا سارية الجبل... الجيل" في إدراك الخطر المحدق الذي يتربص بنا جميعاً، لذا فإن علينا أن ننتهج سياسة التدرج في الخطوات.. ومع كل خطوة صحيحة وأمينة فإن دائرة الثقة تتوسع، وتنفرج الأجواء باتجاه خطوات أوسع وأسرع، حتى نصل إلى النقطة التي يتحقق معها الاطمئنان إلى سلامة هذه الأجهزة وتمتعها بالأهلية المهنية والوطنية المرجوة.

وختاماً.. إن علينا أن نتذكر بأن لشعبنا قضية عادلة، وهي القضية المركزية التي تحظى في وجدان الأمتين العربية والإسلامية بالأولوية، وأن الاستثمار السياسي لهذا التعاطف يتوجب تشجيعه والحفاظ عليه، كما أن حالة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني ينبغي الحفاظ على ديمومتها وزخمها، لهدف الوصول إلى تفهم أفضل على مستوى صانعي السياسة في الدوائر الغربية.

إن إسرائيل مأزومة اليوم في علاقاتها الدولية بسبب تعدياتها على القانون الدولي وتجاوزاتها للقانون الدولي الإنساني، وتكفي الإشارة إلى ما ورد في تقرير جولدستون من اتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وجرائم بحق الإنسانية، وكذلك ما جاء في التقرير الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف من إدانة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب مجزرة بحق المدنيين على سفينة مرمرة، وممارسة القرصنة في المياه الدولية ضد أسطول الحرية.. وإذا أضفنا إلى ذلك ما قام به الموساد الإسرائيلي في عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح في دبي باستخدام أو تزييف جوازات سفر لعدة بلدان أوروبية منتهكاً بذلك القوانين التي تنظم العلاقة بين الدول.. وإذا أخذنا أيضا بعين الاعتبار التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية مثل: أمنستي انترناشونيل وأوكس فام وهيومن رايت وتش، والتي تدين جميعها إسرائيل بعدم احترام القانون الدولي، وممارسة التعديات والانتهاكات المتكررة لما جاء في وثيقة جنيف الرابعة.

وإذا أردنا – كفلسطينيين – أن نجني ثمرة هذا الضغط الدولي على إسرائيل، فإنه يتوجب علينا أن نثبت للعالم بأننا شعب واحد وقضيتنا واحدة، ألا وهي الاحتلال ولا شيء غير الاحتلال.

إن الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان في الشارع الفلسطيني أن المصالحة هي المدخل لاسترداد هيبتنا واستعادة احترام العالم وضمان تضامنه معنا، وأنها هي الرد القاطع على الغطرسة الإسرائيلية التي يجسدها اليوم نتانياهو وليبرمان.

إننا لا نملك إلا أن نبشر بأن المصالحة قادمة، ولكن علينا أن نعلم - في الوقت نفسه - بأن المخاض عسير، وخاصة أن حزام الخلاف والتشهير بيننا قد بلغ الطبين.

 ولشعبنا، الذي يعض الكثير من حكمائه وأخياره على جذل شجرة منذ زمن ليس بعيد، نقول: تفاءلوا بالخير تجدوه.