خبر رسالة صفر تسامح -يديعوت

الساعة 11:22 ص|08 نوفمبر 2010

رسالة صفر تسامح -يديعوت

بقلم: ناحوم برنياع

في النهاية لم تتبقى سوى كتب القرآن – 200 كتاب تقريبا – جمعها أفراد الشرطة في أكياس بلاستيكية كبيرة وحملوها على سيارة شرطية. باقي المسجد ذهب في غضون دقائق – بداية السقف الاسمنتي الذي قضم قطعة إثر قطعة بكفات الجرافات، وبعد ذلك الاثاث، المكيفات، الارضية الاسمنتية التي حطمت شظايا مع السجاد من الحائط الى الحائط الذي غطاها. جرافتان أنهتا المهمة وأدخلتا بقايا المسجد في كومة غير كبيرة من الاسمنت المحطم، الحديد والغبار. الكثير من الغبار.

 في المحيط كان راهط – مدينة كبيرة تضم 55 ألف نسمة، في اغلبيتهم الساحقة فضلوا التظاهر بانهم نيام. فالاضواء في المنازل لم تشعل، والسواتر على النوافذ لم ترفع.  كما ان الستائر القماشية لم تزح عنها.

700 شرطي كان عدد القوة التي ارسلت الى راهط: الكثير جدا من أجل مبنى واحد هدم، أقل مما أوصى بعض الخبراء في المظاهرات لدى الشرطة. رجال الوحدات الخاصة، الذين يرتدون السواد، بتحزم كامل، مسلحين بالهراوات والدروع، خلقوا سلسلة بشرية أحاطت بالمسجد. كما كانت هناك جياد وسيارات محصنة وجياد لنقل المعتقلين – كل المعدات التي تثير الرعب التي بحوزة الشرطة.  خلفهم وقف بضع مئات من الرجال، ليس اكثر من 500 وهتفوا "الله اكبر" و "خيبر خيبر يا يهود"، تذكير بالمواجهة التاريخية بين النبي محمد واليهود. بعض الحجارة سقطت بجوار الشرطة دون أن تلحق باي ضرر. معركة اشتباك لم تكن هناك – ليس أمس قبل الفجر.

نتنياهو مرة اخرى في خارج البلاد

ليس في كل يوم تهدم الشرطة مسجدا في الوسط العربي بشكل عام وفي القسم البدوي بشكل خاص. قرار هدم المسجد في راهط اقر في نقاش جرى لدى رئيس الوزراء نتنياهو بمشاركة وزير الامن الداخلي اسحق اهرنوفتش. وبالصدفة وصل القرار الى التنفيذ بعد ساعتين من اقلاع نتنياهو مع ابناء عائلته الى زيارة في الولايات المتحدة. الصدفة مشوقة، وذلك لانه عند السيطرة العنيفة على السفينة التركية "مرمرة" كان نتنياهو في خارج البلاد أيضا. العمليتان كانتا بالمبادرة وفي الحالتين كانت التوقيت مرنا. احد ما من شأنه أن يفكر بان رئيس وزرائنا يفضل متابعة نتائج قراراته من بعيد.

المبنى في حي 32 في راهط لم يكن المسجد الوحيد الذي بني خلافا للقانون في الوسط العربي، ناهيك عن الاف المباني الاخرى، العامة والخاصة. ما يميز المسجد في راهط عن مبانٍ غير قانونية اخرى هو دور الحركة الاسلامية الشمالية في بنائه. الحركة الشمالية، حركة الشيخ رائد صلاح تؤدي دورا جد خطير في نسيج العلاقات بين اليهود والعرب في اسرائيل. سلاحها هي الانعزالية، التزمت الاصولي، التحريض القومي المتطرف. والهدف هو التحول بالتدريج الى رب البيت في كل بلدة عربية، في كل منطقة في البلاد يعيش فيها العرب. المسجد في راهط بني ليس كي يوفر للمؤمنين مكان صلاة آخر بل كي يتحدى سيطرة قوانين دولة اسرائيل وأذرعها.

صراع مشابه جرى قبل بضع سنوات في الناصرة، وهو ايضا مع الحركة الاسلامية. الدولة تلعثمت وتلعثمت، لخيبة الامل الصامتة لكثيرين في الوسط العربي، وفي النهاية صحت وهدمت المسجد. سيطرة الحركة الشمالية على الناصرة صدت.

هدم المسجد في راهط يمكن بالطبع تفسيره على خلفية سياسية: وزير الامن الداخلي هو من حزب اسرائيل بيتنا. في الحزب سيقدرون جدا هذا الفعل. والصراع على تعيين المفتش العام على الابواب. ومن يصطدم بالعرب يفوز، نظريا، بالتفوق. لا أدري اذا كان هناك في هذه التقديرات ما هو حقيقي أم لا، ولكنها لا تغير حقيقة أن الحركة الاسلامية الشمالية هي عدو ذكي، عدو خطير – للعرب ولليهود.

"المسجد ليس كلمة ساحرة"

في 24 اذار من هذا العام، عشية يوم الارض، وصل حسب تقارير الشرطة الى راهط باصان من كفر كنا في الشمال، في الباصين كان نشطاء الحركة الاسلامية وقد جلبوا معهم مواد بناء وأدوات وانتشروا في الميدان التي المنطقة التي كانت حتى ذلك اليوم ساحة لايقاف سيارات لملعب كرة القدم البلدي. وقد صبوا ارضية اسمنتية بمساحة 380 متر مربع – اعداد لبناء مسجد. قائد اللواء الجنوبي في الشرطة، اللواء يوحنان دنينو، أمر على الفور باصدار أمر هدم. رئيس البلدية، فايز ابو صهبان، رجل الحركة الاسلامية الجنوبية، استجاب. فأصدر أمر هدم اداري.

حامولة ابو جامع، التي تسكن بجوار موقع المسجد، مقربة من الحركة الشمالية. رجال الحامولة، مسلحون بمحامي حركتهم، توجهوا الى المحكمة وطلبوا منع الهدم. في محكمة الشؤون المحلية في بئر السبع استجابوا لهم وجمدوا النشاط حول الموقع. وكان هذا خطأ لسببين. الاول، خلافا لتعليمات المحكمة، استمر البناء، صب السطح للمبنى، نشرت ابسطة، ركبت اجهزة مكيفات وأثاث. والثاني، بدأت منظومة ضغوط وتهديدات على رئيس البلدية الذي لم يكن هو قادرا على الصمود في وجهها.

في 18 نيسان استسلم رئيس البلدية: أبلغ المحكمة بانه الغى أمر الهدم الذي أصدره. في الكتاب الذي رفعه الى المسؤول عن اللواء الجنوبي في وزارة الداخلية آفي هيلر شرح لماذا: "أنا أتعرض لجملة ضغوط يومية كبيرة جدا"، كتب. "عملت بنفسي على اصدار أمر الهدم عندما كان المبنى غير القانوني لا يزال في مراحل البناء، ولكن بسبب تأخير تنفيذ الهدم على يد المحكمة استكمل المبنى اياه ودشن كمسجد كبير. في تلك المرحلة كل محاولة للهدم كانت ستثير جلبة كبيرة في المدينة وكان من شأنها أن تؤدي الى سفك دماء في المدينة وفي المحيط... حتى النوايا الطيبة يمكنها أن تؤدي الى خطأ. اخطأت في تفكيري".

في الشرطة وفي وزارة الداخلية رفضوا التسليم باستسلام البلدية. وقال اللواء دنينو ان "الحركة الشمالية تريد أن تجعل راهط ام الفحم. نحن غير ملزمين بان نقبل هذا". المسؤول عن اللواء في وزارة الداخلية سارع الى اصدار أمر اخلاء للمسجد. الملف تدحرج في محكمة الصلح في كريات جات، وفي الصلح وفي المركزية في بئر السبع.

سارة دبرات، رئيسة المحكمة المركزية في بئر السبع، كتبت ضمن امور اخرى في قرارها: "الكلمة مسجد ليست كلمة سحر ولا تمنح حصانة ضد تنفيذ المخالفات. القانون ينطبق ايضا على اخلاء مسجد، والاعتبارات لا تختلف عن اخلاء أو هدم كنيس... محظور غض النظر عن بناء غير قانوني فقط بسبب حقيقة أن الحديث يدور عن مكان للعبادة لهذا الجمهور أو ذاك من المؤمنين". وكان يفترض بالمسجد أن يهدم حتى 15 تشرين الثاني.

قبل فجر أمس، في الساعة 1:30، مرت قافلة طويلة من السيارات الشرطية عن محطة الوقود في مفترق بيت كاما. المشهد كان استثنائيا. "ماذا حصل"، سأل العمال في المحطة، من رجال راهط. وقد اعزوا الحركة الشرطية الى حملة جمع الاسلحة، مطاردة المجرمين او سلسلة من حوادث الطرق.

المروحية حذرت، العملية قدم موعدها

المفاجأة تحققت. وقد ضمنت النجاح للمرحلة الاولى من العملية، مرحلة الهدم. في غرفة عمليات الشرطة تابعوا الاعمال من خلال الصور التي بثت من طائرة. عندما رأوا سيارتين تصلان الى المبنى قرروا تقديم موعد العملية الذي كان الساعة 2:00، بربع ساعة. كانت الفكرة انهاء كل شيء قبل الساعة 3:30، حين سيدعو المؤذنون في مساجد راهط الاخرى الى الصلاة.

رئيس البلدية وقف الى جانب الشرطة، وهو دامع العينين. فقد فهم بانه حيثما تدحرجت هذه المواجهة فانه سيكون في الجانب الخاسر. وقال لي: "بعد ساعتين سنبدأ ببناء مسجد جديد. هذه الارض هي تحت سيادة بلدية راهط. يبدو في نظر الحكومة راهط هي مدينة غير معترف بها. لا يوجد تفكر. بدلا من الاعتراف يقتلعون".

خرقتم أمر محكمة، قلت.

"كنا في عملية تغيير وجهة استخدام"، قال.

عرضوا عليكم أرضا بديلة، قلت، على مسافة 200 متر.

"كانت هناك مشكلة ملكية"، قال. وأشار الى المدرسة المجاورة. "1.200 طالب يدرسون هنا"، قال. "الدولة اعطتهم اليوم درسا نموذجيا في المواطنة. فلمن سيكونوا موالين غدا؟!".

وبجواره وقف عطا ابو مديعم، محرر "عرب نيوز"، صحيفة محلية. وسخر من رئيس البلدية قائلا: "هو مجرد هاوٍ. كان ينبغي له أن يأخذ المكان البديل. كل شيء "أونطة". الان هو يبني على الهدم. ولكن المذنب هو نفسه. الحركة الجنوبية فقدت المدينة".

اللواء دنينو كان راضيا. "القسم الهام كان المفاجأة"، قال. "الحملة نفسها لم تكن معقدة على نحو خاص. كنت منشغل البال اكثر لو رأيت الالاف في الشوارع. نيتنا هي الا نكتفي بهدم المسجد، سنصل الى كل من رشق حجارة وشاغب. سنصل الى المحرضين. الرسالة هي صفر تسامح. قلت لوجهاء المدينة مسبقا ان المسجد لن يكون هناك. نفذنا ما قلناه".

وهو يعرف بان الانفجار يمكن أن يأتي في اليوم التالي وفي مكان آخر. الوسط العربي هو وعاء ضغط. ما يدخل في راهط من شأنه أن يخرج في وادي عارة أو في الناصرة. حسب تقديرات الشرطة، منذ قضية الاسطول التركي تتعرض الحركة الاسلامية الجنوبية لتأثير متعاظم من الحركة الشمالية. الهدم من شأنه أن يقرب بين الحركتين.

"يجب البحث في حراسة رئيس البلدية"، قال دنينو لفريقه.