خبر تغليط لا يجوز..فهمي الهويدي

الساعة 10:24 ص|03 نوفمبر 2010

الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا لم ولن يهدد أمن مصر القومي. ووجودها هناك يفهم في إطار سعى كل دولة تحرص على تحقيق مصالحها. هذا الكلام ورد على لسان السفيرة منى عمر مساعدة وزير الخارجية المصري للشئون الأفريقية في ثنايا حوار نشرته لها صحيفة «الشروق» أمس (الثلاثاء 2/11) ورغم أن الحوار ملىء بما يستحق المراجعة والتصويب، إلا أن هذه العبارة بالذات ينبغي أن تستوقفنا وأن تنال حقها من التدقيق والتحقيق، يشجعنا على ذلك أن ردا عليها جاءنا بطريق غير مباشر من تل أبيب. إذ في الأسبوع ذاته نشرت صحيفة «العربى» في عدد الأحد 24/10 تفصيلا للكلمة التي ألقاها رئيس جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية الجنرال عاموس يادين، فى حفل أقيم لتكريمه بعد انتهاء ولايته وتسليم مهام منصبه إلى خلفه الجنرال أخيف كوخفى. وفى المناسبة حرص الرجل على أن يعدد على مسامع الحاضرين بعضا من أهم انجازات جهاز «الموساد» خلال السنوات الأربع والنصف التي أمضاها رئيسا له. ومما قاله أن مسرح عمليات الجهاز شمل المنطقة المحيطة كلها، بصرف النظر عما إذا كانت تلك الدولة صديقة أو عدوة أو بين بين، وان مصر تقع في القلب من أنشطته، ولا تزال تشكل أحد أهم مسارح عملياته، وقد خصها بالكلمات التالية: لقد تطور العمل في مصر حسب الخطة المرسومة منذ عام 1979، فقد أحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية في أكثر من موقع. ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما ومنقسمة إلى أكثر من شطر. لتعميق حالة الاهتراء داخل بيئة ومجتمع والدولة المصرية. ولكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسنى مبارك عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في البلد. وقد أستشهد في ذلك «بنجاح» الجهود الإسرائيلية في إذكاء الفتنة الطائفية بمصر، وتأجيج الصراع الحاصل في دارفور.

إذا لاحظت أن هذا الكلام ينصب على المرحلة التي أعقبت توقيع اتفاقية السلام على إسرائيل في عام 1979 وانخراط مصر لاحقا في مربع «الاعتدال» الذي هو في حقيقة الأمر معسكر موالاة الولايات المتحدة وإسرائيل، فلك أن نتصور طبيعة ومعالم الجهد الإسرائيلي المبذول فيما قبل ذلك، حين كانت مصر في معسكر «الضد»، الذي رفرفت عليه اللاءات الشهيرة التي أطلقتها قمة الخرطوم.

لا يفاجئنا كلام الجنرال عاموس يادين. ليس لأنه لم يضف جديدا إلى معلوماتنا، ولكن لان غيره قال الكلام ذاته. وربما بتفصيل وصراحة أكثر. ذلك أن التقارير والدراسات الإسرائيلية لم تقصر في متابعة هذا الملف. وتحت يدي نسخة من كتاب عميل الموساد السابق موشى فرجى حول «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان»، الذي أصدره في عام 2003 مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط. ومؤلفه يقول صراحة إن إسرائيل لم تذهب إلى أفريقيا في أواخر خمسينيات القرن الماضي إلا بهدف تطويق مصر وحصارها، فيما عرف آنذاك بسياسة «شد الأطراف» التي رسمت في عهد ديفيد بن جوريون أول رئيس لوزراء إسرائيل. والهدف الثاني لتغلغلها في شرق أفريقيا بالذات هو تأمين حرية ملاحة إسرائيل في البحر الأحمر، بما يمكنها من الوصول إلى المحيط الهندي.

أحتفظ أيضا بنسخة من محاضرة آفى ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق، التي ألقاها في شهر سبتمبر عام 2008 أمام الدارسين من معهد أبحاث الأمن القومي، وكان موضوعها هو: تقدير إسرائيل للوضع في المنطقة. وقد أشار فيها إلى الوضع في السودان، وان حرص إسرائيل على الضغط عليه وتفكيكه لإضعاف العمق الاستراتيجي لمصر. واعتبر ذلك من ضرورات تدعيم الأمن القومي الإسرائيلي.

أمام هذا الكلام الذي يفترض انه معلوم بالضرورة في السياسة. خصوصا بالنسبة للدبلوماسيين المصريين والعرب المعنيين بالشأن الأفريقي، فإن المرء لابد أن يستغرب البراءة المفرطة التي وصلت إلى حد المغالطة في كلام مساعدة وزير الخارجية المصري.

أفهم أن الاحتفاظ بالمنصب ربما يكون دافعا إلى مراعاة حالة الصلح والمهادنة مع إسرائيل خصوصا في أجواء «الاعتدال» الراهنة، لكن حين يكون ذلك مؤديا إلى المغالطة والتخدير فيما خص مهددات حقيقية للأمن القومي، فان التغليط في هذه الحالة لن يختلف عن فعل الذي جاء يكحلها فأعماها!