خبر الناقد المصري صلاح فضل يرصد سيرة الراحل محمود درويش كحالة شعرية مبهرة

الساعة 06:07 م|30 أكتوبر 2010

الناقد المصري صلاح فضل يرصد سيرة الراحل محمود درويش كحالة شعرية مبهرة

فلسطين اليوم-وكالات

محمود درويش هو الشاعر العربي الوحيد بعد المتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس فعلا بما مثله من حالة شعرية عالية وبما حمله من قضايا عادلة شكَّلت الهم الأكبر للعرب جميعا، لكن درويش استطاع أن يلتقط الإنساني فيها والعادل ويعبر عن تفاصيلها ويجعلها على كل لسان في العالم.

 

على ضوء ذلك، صدر حديثا عن "الدار المصرية اللبنانية" كتاب للناقد الدكتور صلاح فضل بعنوان "محمود درويش حالة شعرية" والكتاب على صغر حجمه الذي لم يتجاوز المئة وخمسين صفحة زاخر بالقضايا الحياتية والشعورية التي شكلت تجربة محمود درويش.

 

في الافتتاحية وقف صلاح فضل أمام بيئة درويش الذي كانت حياته كما يصفها الناقد مأزقا وجوديا محكوما بتفاصيل حالته الشعرية حيث عاش موزعا بين الأزمنة والأمكنة والقصائد.

 

ويتتبع صلاح فضل حياة محمود درويش الكسيرة منذ مولده في قرية البروة ونزوحه إلى بيروت وعودته مرة أخرى مرورا بحياته في روسيا والقاهرة وبيروت وباريس وعلاقته بياسر عرفات بعد أن انضم الشاعر إلى منظمة التحرير الفلسطينية ودوره القيادي فيها حتى رئاسته المجلس الأعلى للثقافة والإعلام واستقالته من كل مناصبه.

 

وعلى رغم اقترابه الشديد من ياسر عرفات وتحريره لبعض خطبه المهمة في المحافل الدولية وإطلاقه لبعض الشعارات التي دخلت ذاكرة التاريخ ظل درويش منذ بداية التسعينيات حتى رحيله يتنقل بين عمان ورام الله في حالة من القلق والحصار واضعا نصب عينيه دائما تربية وعيه الشعري بالقراءة والتأمل بعد أن كان قد نجح في التخلص مما يعوق حركته الإبداعية.

 

وفي الفصل الأول "شعرية العشق" يقف صلاح فضل أمام مرحلة درويش الرومانسية وتأثره بنزار قباني مرورا بالنقلة النوعية الفادحة التي أحدثها أدونيس بأسلوبه التجريدي لكن درويش في كل قصائده استطاع أن يدخل موتيفات جديدة ولقطات منسوجة بمهارة فائقة تحيل على عالمه الخارجي.

 

لتتوالى بعد ذلك مغامراته الإبداعية لتتجاوز حدود الحداثة المستقرة عند منطقة التجريد ولتقدم مزيجا جديدا من التعبير المكثف حينا والملطف حينا آخر عن هموم الإنسان في الحب والموت والخلاص.

 

منطقيا يأتي الفصل الثاني ليتناول تحولات درويش والتي تمثلت في مباحث مفردة حددها بدقة الناقد الكبير مثل: "من البراءة إلى الخطر" ثم "الخروج إلى شكل آخر" وهو ما يفسره درويش نفسه بقوله: "إنني أقوم بتنمية طاقتي الإبداعية المستقلة عن أسباب شهرتي وبعدم الوقوع في أسر الخطوة الأولى التي قدمتني للناس والتمرد على أشكالي القديمة بمحاولة التجديد المستمر للذات" ثم يأتي بعد ذلك مبحث: انبهام الرؤية وتشذر التعبير.

 

يبني الناقد الكبير صلاح فضل نقده لدرويش بناء هندسيا حيث تسود الكتاب كله روح من المحبة والإخلاص في التعامل مع الشعر والشاعر حتى أن الكتاب نفسه يعتبر معزوفة محبة في تجليات شعرية محمود درويش فالفصل يسلم للآخر والفقرة مبنية على سابقتها وبالتالي جاء الفصل الثالث "قراءات نصية" ليقف طويلا أمام حالات أعمال محمود درويش مثل: حالات الشعر والحصارات والقصيدة الدرامية الشاملة ولمسات الحداثة.

 

ورغم ارتباط درويش بقضية واقعية هي الأخطر في التاريخ العربي فإنه مع ذلك شاعر حداثي. ومن دواوين درويش التي تناولها فضل في الكتاب "كزهر اللوز أو أبعد" و"لا تعتذر عما فعلت" وكتاب "أثر الفراشة" ليختتم الكاتب رحلته مع درويش قائلا: "كان محمود درويش مثل عظماء الشعر في كل العصور طفلا سماويا مدهشا يحتفل بالحياة ويغني لها ثم يلعب مع الموت ويطيل رفقته".