خبر ألف باء الاستخبارات -هآرتس

الساعة 09:07 ص|28 أكتوبر 2010

 

ألف باء الاستخبارات -هآرتس

بقلم: يوسي ملمان

(المضمون: أمنون سوفرين الذي كان في الماضي رئيس شعبة المعلومات في الموساد يتحدث عن عمل هذه الشعبة وجهاز تجميع المعلومات في الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية في محيط صعب كالشرق الاوسط - المصدر).

قرر مجلس الأمن عقوبات جديدة أشد صرامة على ايران. ويتوقع اعلان حاد من قادة ايران بـ "حدث كبير". تطرد ايران مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتمنع دخولهم مواقعها الذرية. وهي تُعد قواعد صواريخها البالستية. كذلك يعلن جيش سوريا استعدادا عاليا وبدأ تدريبا عسكريا واسع النطاق. وزار الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، دمشق زيارة مفاجئة.

يجتمع كبار مسؤولي الجماعة الاستخبارية الاسرائيلية في جلسة طارئة. فهم يُقدرون أن تسلسل الأحداث يشهد بأن ايران توشك أن تعلن بأنها طورت سلاحا ذريا. وتُنسق سوريا وحزب الله المواقف استعدادا لامكانية هجوم اسرائيلي أو امريكي، ويستعد الجميع للحرب.

سيعرض هذا السيناريو غدا، على أنه مثال على تعقيد "الصورة الاستخبارية" امنون سوفرين في مؤتمر دولي يشارك فيه مئات من عشرات الدول، في موضوع الأمن والأمان والاستخبارات. يجري المؤتمر في القدس من قبل شركة الأمن الخاصة "ليئو غلسر – أي.اس.دي.اس".

أنهى سوفرين قبل نحو من سنتين ونصف عمله، رئيسا لشعبة الاستخبارات في الموساد، وهو اليوم مستشار خاص في الشؤون الامنية. جاء الى الموساد في 2003 بحسب اقتراح من رئيس الموساد، مئير دغان. عمل قبل ذلك اعمالا في الجهاز الاستخباري للجيش الاسرائيلي، الذي تركه مع رتبة عميد. وكان من جملة ما كان ضابط استخبارات في قيادة المركز، ورئيس قسم تجميع معلومات في "أمان" وقائد مركز استخباري واستطلاعي في قيادة ذراع البر. وبرغم أن محاضرته تحمل طابعا نظريا، فانه يوجد لكلامه على الموضوعات الاستخبارية وزن كبير بسبب المناصب التي شغلها في الماضي، ولا سيما في السنوات الخمس التي قضاها رئيسا لشعبة الاستخبارات في الموساد.

تشتمل شعبة الاستخبارات على عدة وحدات، وفيها لواء البحث، وهو وحدة توجه جامعي المعلومات الى ما يحصرون فيه عنايتهم، (وهو ما يُسمى "ذِكر معلومات حيوية")، ونشر المعلومات التي جُمعت. أُنشئت هذه الشعبة بمبادرة رئيس الموساد افرايم هليفي على أنها درس من قضية الاغتيال الفاشل لخالد مشعل في الاردن في 1997، وجرت عليها عدة تغييرات بنيوية في عهد دغان.

كانت هذه هي السنوات التي نُسب فيها الى الموساد – بحسب نشرات اجنبية – عدد من عملياته الأنجح، التي أسهمت إسهاما استراتيجيا مهما جدا في الأمن القومي. علم الجمهور باثنتين من أنجحها: مهاجمة المفاعل الذري الذي انشأته سوريا على ضفة نهر الفرات، في ايلول 2007، واغتيال "وزير الدفاع"، الارهابي الكبير من حزب الله عماد مغنية في شباط 2008 في دمشق.

يمكن أن نفترض انه قد كانت عمليات مجهولة اخرى لم يعلم بها الجمهور، الى جانب العمل السيزيفي في جمع المعلومات عن برنامج ايران الذري. ويمكن أن نُقدر ايضا دون كشف عن أسرار، أن إسهام شعبة الاستخبارات في الموساد (الى جانب وحدات تجميع المعلومات في المنظمة، وأكثر من ذلك – الوحدة 8200 التابعة لـ "أمان")، كان كبيرا ومهما في جميع عمليات الموساد. يرفض سوفرين الحديث عن ذلك، ولا سيما عن العمليات التي لم تعترف اسرائيل قط بأن رجالها نفذوها.

يريد سوفرين أن يؤكد في محاضراته وفي حديثه مع صحيفة "هآرتس"، أن المعلومات التي جُمعت ليست هي المشهد العام. فبعدها تأتي مراحل لا تقل تعقيدا وتركيبا. يمكن أن نقرِن بسيناريو سوفرين الذي عُرض في بداية هذا التقرير تفسيرا وتقديرا آخر وهو أن ايران لا تنوي أن تعلن تطوير قنابل ذرية، بل أن تحذر من أنها تخاف هجوما عليها وأنها اذا هوجمت فسترد بكامل القوة. التدريب العسكري في سوريا هو تدريب عادي للقيادات يُجري الجيش السوري مثله في كل سنة، وقد جاء نصر الله الى دمشق لتنسيق الاستمرار على نقل السلاح.

يؤكد سوفرين أن "الاستخبارات غير مُعدة لتخدم نفسها، بل هي أداة دعم لمسارات اتخاذ القرارات. يجب قبل كل شيء بناء صورة استخبارية متلاحمة الأجزاء. المشكلة انه في كل صورة استخبارية لا تكون المعلومات كاملة على نحو عام. فنحو من 50 – 60 في المائة من الصورة الاستخبارية يعتمد على معلومات راجحة، والباقي تكميل تقديري". ويقول إن التقدير يعتمد على التجربة والمعلومات المتراكمة، لكنه بسبب ذلك قد يخطيء ايضا. ويضيف أن "تاريخ الاستخبارات هو تاريخ أخطاء التقدير".

بعد كل هذا يجب على ضابط الاستخبارات، الذي جمع المعلومات وأكمل الفروق بمساعدة التقدير، أن يحضر أمام مُتخذ القرارات. فعل سوفرين ذلك أكثر من مرة. فقد وجّه رؤساء حكومات ووزراء، وشارك في جلسات حكومة ومباحثات سرية مختلفة، وأدلى بتقديرات منظمته وبالمعلومات التي جمعها ضباط تجميع المعلومات. ليس جميع مُتخذي القرارات على عِلم بدقائق التجميع الاستخباري وتعقيد الصورة الاستخبارية. لهذا من الطبيعي أن يطلبوا الحصول على أجوبة واضحة. "ماذا تقول"، يسألون ضابط الاستخبارات الذي يحضر أمامهم.

يواجه مُتخذو القرارات احيانا تقديرات مختلفة، إن لم نقل متضاربة، من وحدات مختلفة في الجماعة الاستخبارية. يكون مُتخذو القرارات مثل الجمهور العريض حائرين في هذه الاوضاع ويصعب عليهم أن يفهموا أن "الاستخبارات تترك علامات سؤال"، يقول سوفرين. "في غير قليل من الحالات لا تحل الاستخبارات المشكلة. يوجد توقع كبير منا، نحن أناس الاستخبارات، ويعتقدون أننا سحرة. توجد أسطورة عند الجمهور الاسرائيلي فحواها أن الاستخبارات قادرة على كل شيء. نُسأل أكثر من مرة كيف لم تعلموا بأنه سيحدث كذا وكذا. تتناول الاسئلة احيانا شيئا أهميته أقل من جُهدنا الرئيس والمهم، أمرا يكون في هامش الاهتمام المركزي".

يمكن أن نضرب مثالا على ذلك خطأ التقدير الذي كان قبل عدة سنين عن انتخابات المجلس، البرلمان في ايران. فشل المرشح الذي اعتقد البحث في الموساد أنه سيفوز بالمنصب. "يجب أن ندرك أننا نعمل في محيط صعب"، يُلخص سوفرين. "يجب علينا أن نذكر المعلومات الحيوية، ويصحب هذا مخاطرة. إن عمل الاستخبارات من هذه الجهة هو المخاطرة على قدر ما".

إن ذِكر المعلومات الحيوية من الاستخبارات الاسرائيلية قد جرى عليه تغييرات غير قليلة على السنين، تحت قيادة دغان، الذي يُقدِّر سوفرين جدا قدراته وإسهامه في تحسين وضع الموساد، برغم الصعاب والحيرة. "من غير أن نقلل من قدر الآخرين، لا شك عندي في أن الاستخبارات الاسرائيلية هي الأفضل في كل ما يتعلق بفهم منطقة الشرق الاوسط واحراز المعلومات عنه"، يقول.