خبر ليس الجيش الأكثر أخلاقية وحده.. هآرتس

الساعة 09:10 ص|27 أكتوبر 2010

بقلم: دافيد زونشن وميخال لابرطوف *

(المضمون: اسرائيل لم تستطع في أي معركة من معاركها احراز الأهداف السياسية التي كانت ترجوها من هذه المعارك - المصدر).

تلاحظ نغمة واضحة من الشماتة والتخفف في تناولهم في اسرائيل للمعطيات التي كشف عنها التسريب الكثيف لمئات آلاف الوثائق الميدانية للجيش الامريكي. يدور النقاش العام مرة اخرى حول احدى القضايا التي يُحبها صاحب الشعور الوطني الاسرائيلي ألا وهي أي جيش هو الأكثر أخلاقية في العالم.

السؤال بطبيعة الأمر استنكاري، وإن يكن غير ذي صلة على نحو مطلق: فليس سلوك الجيش الاخلاقي مشكلة علاقات خارجية. انه ذخر ثمين يحمي المجتمع وجيشه من  التحلل والانهيار. ولا يقل عن هذا أهمية أنه يحمي الطوائف السكانية الخاضعة للسلطة العسكرية لذلك المجتمع من الاستغلال السيء لقوته وعظمته.

السؤال الذي يستحق أن يُسأل في سياق المعطيات التي كشف عنها التسريب الضخم في موقع "ويكيليكس"، هو هل إزالة قيود المحاكمة والاخلاق عن النشاط العسكري، تُمكّن من احراز النتائج السياسية والعسكرية المأمولة. والجواب كما يتبين بالنفي. الصورة التي تُبيّنها الوثائق التي نشرت هي صورة حرب فشلت فشلا ذريعا. يتبيّن انه برغم أن غولدستون لم يُضايق أحدا، وبرغم عدم الوجود المطلق لأي انتقاد جدي لسلوك الجيش، أخفقت جيوش الولايات المتحدة وحليفاتها في احراز الأهداف الاستراتيجية والسياسية بل الاقتصادية للحرب.

ترسم وثائق "ويكيليكس" صورة وضع مشوهة جدا لما حدث في العراق منذ كان الغزو الامريكي حتى نهاية السنة الماضية: فجرائم حرب لجنود التحالف وبرعاية منهم؛ ومشاركة عسكرية ايرانية – تكتيكية واستراتيجية – ترمي الى زيادة التأثير في العراق؛ وإصبع خفيفة على الزناد الى جانب استهانة متواصلة بحياة الانسان من قبل جنود التحالف الذين لم يُسببوا، كما تُبيّن الوثائق، موت مدنيين أبرياء فقط بل سببوا وجود روتين مخيف من "النار الصديقة". كذلك فتح ميدان القتال للسوق الخاصة، ولشركات المقاولة تلك من المرتزقة التي ازدادت قوتها فقط منذ ذلك الحين أسهم كثيرا بما أصبح واضحا الآن انه ليس سوى تحطم اخلاقي وسياسي لأكبر قوة في العالم في ميدان المعركة الذي رسمته هي نفسها.

وقد لا تكون المشكلة أصلا في شكل السلوك ساعة المعركة، بل بمدى قدرة استعمال القوة على احراز أهداف سياسية واستراتيجية جدية.

في هذا الشأن خاصة تستطيع اسرائيل أن تُسهم إسهاما مدهشا، وإن يكن مؤسفا، في الدرس الدولي. فالتفضيل الواضح للحلول العسكرية وهب لها عددا من المشكلات الصعبة التي تواجهها اليوم: حاولت حرب لبنان الاولى أن تحل القضية الفلسطينية باجراء لم يكن أقل ضخامة من الاجراء الامريكي مع الأخذ في الحسبان الفروق في القوة. وانتهت الى آلاف الضحايا في اسرائيل ولبنان، وعشرات مليارات الشواقل التي ضاعت والى قتال لا ينقطع – كل هذا أفضى باسرائيل بعد ما يقرب من ثلاثين سنة الى نقطة الصفر في الصراع وهي مفاوضة الشعب الفلسطيني. وعلى الطريق ولّد الاحتلال الاسرائيلي في لبنان حزب الله.

أثمرت حرب لبنان الثانية تعزيزا سياسيا لحزب الله وزادت قوته العسكرية. حطمت عملية "السور الواقي" قوات الأمن الفلسطينية وهيأت بذلك لنشوء قوة حماس العسكرية، وشجعت عملية "الرصاص المصبوب" جهات اسلامية في غزة على تعزيز حماس.

يحل أن نذكر أنه لم يتم احراز تحسين استراتيجي لأمن اسرائيل في أي واحدة من هذه المعارك، في حين أن اجراءات التصعيد التي أحدثتها تجعل تسوية النزاع صعبة. الثمن الأخلاقي لهذه الحروب كما قلنا آنفا ضرر داخلي شديد اختار المجتمع كبته.

إن حقيقة أن الرد الغريزي في اسرائيل على الكشوف الصحفية عن السلوك الامريكي في العراق يُعبر عن نفسه بأمل أن يُسوغ هياج الجيش الاسرائيلي، لا تشهد فقط على حجم كومة التراب التي دفنّا فيها رؤوسنا عميقا بل على المواد التي صُبت منها. والرائحة التي تنبعث منها ليست رائحة الرمل أو الطين أو حتى القمامة منذ زمن بعيد.


* دافيد هو مؤسس مشارك في منتدى التفاوض الذي يدعو الى بدء تفاوض مباشر مع حماس وميخال لابرطوف صحفية.