خبر البدائل والمصالحة الوطنية- هاني المصري

الساعة 07:43 ص|26 أكتوبر 2010

البدائل والمصالحة الوطنية- هاني المصري

لا يمكن أن يأخذ أحد الحديث الفلسطيني الجديد والمتأخر جداً عن بلورة بدائل عن المفاوضات الثنائية المباشرة على محمل الجد، إذا لم يكن في قلب هذا الحديث عمل جاد جداً لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، باعتبار ذلك أولوية وطنية دونها لا يمكن أن يكون هناك بديل حقيقي.

فلا معنى للذهاب إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أو السعي للحصول على الاعتراف الأميركي والدولي بالدولة الفلسطينية فيما نحن منقسمون. فهذه بدائل وهمية وليست في يدنا وإنما في أيدي الآخرين، وهي وحدها ودون استخلاص الدروس والعبر من التجارب السابقة، ودون توفير مقومات الصمود وتنظيم مقاومة شعبية شاملة بكل أشكالها، ومقاطعة الاستيطان والبضائع الإسرائيلية التي لها بديل، ودون استعادة البعد العربي والدولي للقضية الفلسطينية، وحركة تضامن دولي أكثر فاعلية تستهدف محاصرة إسرائيل ومقاطعتها وفرض العزلة والعقوبات عليها، وملاحقتها في المحاكم الوطنية والدولية على الاحتلال والعنصرية والجرائم التي ترتكبها بحق الأرض والشجر والحجر والإنسان الفلسطيني، دون كل ذلك لا يكون هناك بديل حقيقي قادر على تحقيق الأهداف الفلسطينية.

وأيضاً دون وحدة لا معنى للتهديد بحل السلطة وتحميل إسرائيل مسؤولياتها عن الاحتلال، ولا التهديد بإعادة النظر بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وإعلان انتهاء المرحلة الانتقالية، هذا الإعلان الذي تأخر كثيراً، والذي كان يجب أن يتم العام 1999 عندما انتهت المدة المحددة باتفاق أوسلو دون اتفاق نهائي.

إن حل السلطة دون وحدة وطنية، ودون إستراتيجية متكاملة شاملة جديدة يمكن أن يؤدي إلى الفوضى والفلتان الأمني ونشوء سلطات محلية في كل مكان، تتقاتل فيما بينها وتسعى للحصول على الدعم والاعتراف من الاحتلال الذي سيغذي هذه الظاهرة بكل قواه لأنها تساعده على استكمال تطبيق مخططاته التوسعية والاستيطانية والعنصرية.

قد يقول قائل، ها هي "فتح" و"حماس" قد عقدتا اجتماعاً في دمشق، وأحرزتا تقدماً على طريق بلورة تفاهمات فلسطينية ــ فلسطينية تهدف إلى تذليل العقبات والعراقيل التي تحول دون توقيع وتطبيق الورقة المصرية.

إن هذا التقدم الذي حصل على طريق المصالحة الوطنية، يستحق الدعم ولكنه لا يزال محدوداً ويبدو تكتيكياً، ولا يعكس تغيّراً إستراتيجياً، بدليل الخلاف على مكان عقد الاجتماع الثاني في دمشق، والذي كان من المفترض أن يعقد في العشرين من الشهر الجاري، وأن طلب "فتح" تغيير مكان الاجتماع على خلفية الملاسنة التي حدثت بين الرئيسين الفلسطيني والسوري في قمة سرت لا معنى له، لأن مثل هذه الملاسنات تحدث دائماً في القمم العربية، ويجب ألا تستخدم كذريعة، وخصوصاً أن دمشق مجرد مكان للاجتماع، فهي لم ترعَ الاجتماع السابق ولن ترعى الاجتماع اللاحق.

وكان ولا يزال بمقدور "حماس" أن توافق على عقد الاجتماع في بيروت أو صنعاء أو أنقرة أو أية عاصمة يتفق عليها وسحب ذريعة مكان الاجتماع، إذا كانت المصالحة بالنسبة إليها ضرورة وأولوية.

إن النقطة الحاسمة التي تدل على عدم جدية التوجه إلى المصالحة تظهر في مسألتين:

المسألة الأولى: أن البحث ينحصر في ملاحظات "حماس" على الورقة المصرية والتي تتعلق بتشكيل ومهمات اللجنتين الأمنية والتي تتعلق بالانتخابات، ومحكمة الانتخابات وصلاحيات الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، أي بمسائل إجرائية تمس أساساً دور وحصة حماس في كعكة السلطة والمنظمة بعيداً عن القضايا الجوهرية التي تمس مصلحة الوطن والمواطن.

المسألة الثانية: أن القضايا الجوهرية التي تستحق أن تكون لها الأولوية في البحث والاتفاق وهي التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية في هذه المرحلة، خصوصاً في ظل الهجوم الشامل الذي تشنه حكومة نتنياهو ضد الفلسطينيين أرضاً وحقوقاً وتاريخاً في محاولة لتكريس الحل الإسرائيلي ومصادرة وأرضهم ومستقبلهم، مسكوت عنها كلياً أو مؤجلة حتى إشعار آخر.

كان على الحوار الفتحاوي الحمساوي أن يكون حواراً وطنياً شاملاً يشارك فيه الجميع، فالوطن للجميع وليس لـ"فتح" و"حماس" وحدهما، وكان يجب أن يدور حول الإستراتيجية الوطنية الجديدة والبديلة التي يجب اتباعها، بدءاً بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وتنظيم المقاومة المثمرة وتحديد الأسس التي يجب توفرها لانطلاق المفاوضات المثمرة في المستقبل، وحول مكانة السلطة في النظام السياسي الفلسطيني ومروراً بإعادة تشكيل المنظمة بحيث تضم الجميع وتحشد طاقات وكفاءات الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، وانتهاء ببناء المؤسسات التي ترتبط ببرنامج إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والعودة و الاستقلال.

إن الحوار إذا ظل ثنائياً ولم يتناول القضايا الجوهرية سيقود في أحسن الأحوال إلى اتفاق محاصصة فصائلي ثنائي لن يكون قادراً على إنهاء الانقسام بل سيؤدي إلى إدارة الانقسام والتعايش معه إلى أجل غير مسمى!!.