خبر السلاح النووي يوفر البنية التحتية لأغلب عوامل التفوق العلمي والعسكري الإسرائيلي

الساعة 05:28 ص|25 أكتوبر 2010

السلاح النووي يوفر البنية التحتية لأغلب عوامل التفوق العلمي والعسكري الإسرائيلي

حلمي موسى

تعتبر إسرائيل القوة النووية السادسة في العالم بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والهند وباكستان. ولكنها خلافاً للدول الأخرى تمتلك ميزة فريدة تتمثل في سياسة الغموض النووي. وخلافاً لكل دول العالم تجد إسرائيل تشجيعاً وتغطية من أميركا خصوصاً ومن الغرب عموماً لغموضها النووي وتجاوزها كل المواثيق والأعراف الدولية بما فيها تلك التي تدعو إليها هذه الدول.

ورغم أنه سبق وأن أشار البعض في الماضي إلى أن جانباً من التقبّل الغربي، خصوصاً الأوروبي، المستتر لانتهاكات إسرائيل للمعاهدات الدولية يعود إلى إحساس بالذنب جراء ما وقع في المحرقة النازية ضد اليهود، إلا أن ذلك يعجز عن تفسير مواقف دول لم تشارك في المحرقة وكانت أيضاً ضحية لها. وهذا ما يقود إلى القبول بالنظرة التي راجت زمناً طويلاً في المنطقة العربية والتي كانت ترى في إسرائيل امتداداً للاستعمار الأوروبي في العالم الثالث. ولكن خلافا لظواهر الاستعمار الأوروبية الأخرى التي انتهت تقريباً في أفريقيا ظلت إسرائيل لاعتبارات مختلفة قائمة. البعض يعزو ذلك لأسباب استراتيجية دفعت المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة الإسرائيلية قبل أيام للإعلان في مؤتمر للطاقة ما معناه أن وجود إسرائيل مرتبط بسقف معين لسعر برميل النفط. وأنه بعد هذا السعر لا تعود إسرائيل مجدية للغرب. إنه اعتراف يتطلّب التفكير.

ومن أبرز الدلائل على الموقف الغربي المتحيز لإسرائيل في المسألة النووية ما جرى في المؤتمر الأخير للوكالة الدولية للطاقة النووية نهاية الشهر الفائت. فقد وفّر المؤتمر انتصاراً لامعاً لإسرائيل بعد أن أفشلت الدول الغربية مشروع قرار طالب إسرائيل فقط بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. صحيح أن القرار تضمن أيضاً وضع المنشآت النووية الإسرائيلية تحت الرقابة الدولية التي ما كانت أبداً وتوقفت آخر رقابة شكلية أميركية لها قبل أكثر من أربعين عاماً.

لقد عرض الأميركيون على أعضاء الوكالة مبررين لرفض مشروع القرار العربي وهما: أن القرار يعرقل مفاوضات السلام مع الفلسطينيين وأن ذلك يوفر لإسرائيل ذريعة لعدم المشاركة في مؤتمر نزع أسلحة الدمار الشامل في العام 2012. ولكن الولايات المتحدة نفسها ليست على استعداد لتوفير أعذار لأحد آخر في العالم.

وبدا جلياً أن الدول العربية وفي مقدّمتها مصر، التي وقعت معاهدة كامب ديفيد، تستشعر الخطر من المشروع النووي الإسرائيلي. ويبدو هذا الخطر أشدّ عندما تصر إسرائيل وبشكل علني على احتكار القدرة النووية في المنطقة وعلى محاولة إفشال كل من يحاول أن يضع قدمه في هذه الخانة. وليس صعباً ملاحظة الموقف الإسرائيلي من المشروع النووي الإيراني أو حتى من الرغبة الأردنية في إقامة مفاعلات نووية على أراضيها بهدف إنتاج طاقة كهربية. ورأى الجميع ما سبق وفعلت إسرائيل بالمفاعل النووي العراقي وما جرى تسريبها من أنباء حول استهداف منشأة سورية في دير الزور بدعوى أنها منشأة نووية.

ومما لا ريب فيه أنه خلافاً لأي سلاح نووي في العالم فإن السلاح النووي الإسرائيلي معدّ، بأغلبيته إن لم يكن كلياً، إما للاستخدام ضد العرب أو على الأقل لتهديدهم به. ولا يضير في هذا الشأن إذا كان السلاح النووي الإسرائيلي مغطى بسياسة الغموض النووي أم بإشهار نووي. فالمقصود في كل الأحوال هو أن هذا السلاح يخلق فجوة كبيرة بين إسرائيل والعرب.

والواقع أن المشروع النووي، ليس فقط كما تثبت إيران وإنما أيضاً من تجربة إسرائيل، ليس مشروع تسلح وحسب. إنه مشروع يعني إنشاء بنية تحتية علمية تفيد من يبادر إليه في ميادين التعليم والعلوم والطب بل والصناعة أيضا. ولذلك فإن امتناع الدول العربية، خصوصا القادرة منها، على تجنب اقتحام هذا الباب يترك إسرائيل تحقق قفزات علمية وحيدة في المنطقة من دون أي منافس حقيقي. وقبل أيام فقط سمحت لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية لفريق تلفزيوني بالدخول للمرة الأولى إلى مفاعل ناحال سوريك والتجول في بعض نواحيه. وبدا جلياً أن الجانب العسكري يحتل أفضلية مميزة في الاهتمامات البحثية في المركز، لكن حتى ما يجري من أبحاث مدنية يمكن أن يعطي الصورة.

لقد تحدّث عالم بشكل تلميحي عن اختبارات تجري في المركز من أجل توفير أدوات لقتل «بعوضة» بالليزر. وعندما سئل عن احتمال أنه بجهاز أقوى ما الذي يمكن قتله قال «بعوضتين». كما تحدث عالم آخر عن «محفز جزئيات» يخدم المفاعل في محاولة معرفة أصل المعادن. وسئل العالم عما سيحدث إذا تم التعرف على آلية نشأة العناصر النفيسة كالذهب مثلاً, ضحك وقال إذا تم اكتشاف ذلك، ستشاهدون العجائب.

ليس صدفة والحال هذه أن إسرائيل تحاول إثبات جدوى وجودها للغرب ليس فقط من خلال ما تفلح في ابتكاره من تقنيات واختراعات جديدة وإنما ما تحاول اكتشافه من اختراعات تجعل حاجة العالم لإسرائيل متزايدة. يبدو أن إسرائيل تحاول لعب دور الكيميائي الأصلي الذي كان يبحث عن وسيلة لإنتاج المواد النفيسة. إسرائيل اليوم مبتهجة بما يُشاع عن حيازتها مخزونات غازية ونفطية كبيرة في البحر لكنها تسعى لابتكار بدائل للطاقة تجعل العالم يقلص اعتماده على النفط العربي. ليس مؤكداً أنها سوف تفلح في تحقيق ذلك لكن الأمر يشهد على حلم طويل يأملون تحقيقه.

في 28 حزيران 1981 عشية الانتخابات العامة للكنيست أعلن أحد مرشحي الليكود، يعقوب ميريدور، أنه مع عالم آخر اكتشفا صيغة كيماوية لإنتاج الكهرباء يمكن أن تحدث ثورة عالمية على هذا الصعيد. وقال إن هذه الصيغة تسمح مثلا لمصباح واحد بأن ينير مدينة كاملة. وقد تم تعيين ميريدور لاحقاً وزيراً للاقتصاد فأعلن عن اكتشاف صيغة ثورية للبث التلفزيوني من دون نجاح يذكر.